مشتهى الأجيال

478/684

مدينة محكوم عليها بالهلاك

كان بنو إسرائيل أمة محظوظة متميزة عن غيرها. وهيكلهم “جميل الإرتفاع، فرح كل الأرض” (مزمور 48 : 2). وجعله الله مسكنا له ، وكانت فيه طوال ألف عام ويزيد آثار تشهد كلها لرعاية المسيح وحراسته ورقته وحبه . كما يحمل الأب ابنه الوحيد هكذا حمل المسيح شعب إسرائيل . وفي ذلك الهيكل نطق الأنبياء بإنذاراتهم الخطيرة . وفي الهيكل كان الكهنة يلوحون بالمباخر فكان البخور يصعد إلى الله مصحوبا بصلوات العابدين . وفي الهيكل كانت دماء الذبائح تجري كالأنهار وكانت ترمز إلى دماء المسيح . وهناك أظهر الرب مجده من فوق الغطاء (كرسي الرحمة). وهناك كان الكهنة يخدمون ، وكانت فخامة الرموز والمحافل المقدسة تسير على قدم وساق مدى أجيال طويلة . ولكن هذا كله كان لا بد أن يبطل. ML 540.2

رفع يسوع يده- تلك اليد التي طالما باركت المرضى والمتألمين- وإذ أشار بها إلى المدينة المحكوم عليها بالهلاك صاح بصوت تخالجه نغمة الحزن العظيم قائلا: “إنك لو علمت أنت أيضاً، حتى في يومك هذا، ما هو لسلامك!” (لوقا 19 : 42). وهنا توقف المخلص عن الكلام ، ولم يقل شيئا عما كان يمكن أن تصير إليه حالة أورشليم لو قبلت المعونة التي كان الله يتوق لأن يمنحها إياها- هبة ابنه الحبيب . فلو علمت أورشليم ما كان لها امتياز معرفته وقبلت وقدرت النور الذي أرسلته إليها السماء لأمكنها أن تبدو في مجد نجاحها وكمال عظمتها كملكة على كل الممالك ، حرة في ملء قوة السلطان المعطى لها من الله . وما كان يرى في أبوابها حراس مسلحون ولا أعلام رومانية تخفق فوق أسوارها . وقد ارتسم في ذهن ابن الله المصير المبارك المجيد الذى كان يمكن أن تتبارك به أورشليم لو أنها قبلت فاديها . وقد رأى أنه كان يمكن لها أن تبرأ من دائها العضال وتتحرر من عبوديتها وتتثبت أركانها كقصبة العالم ومجد الأرض كلها . ومن فوق أسوارها كان يمكن أن تطير حمامة السلام إلى كل الأمم ، وكان يمكنها أن تكون إكليل مجد للعالم كله. ML 540.3

ولكن الصورة المنيرة الجميلة لما كان يمكن أن تصير إليه حالة أورشليم وتختفي بعيدا عن ذهن المخلص ونظره . إنه يعلم علم اليقين سوء حالها الآن وهي رازحة تحت نير الرومان وواقعة تحت طائلة سخط الله ومحكوم عليها بالدينونة الرهيبة . وها هو يستطرد في مرثاته فيقول: “ولكن الآن أخفي عن عينيك. فإنه ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة، ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة، ويهدمونك وبنيك فيك، ولا يتركون فيك حجراً على حجر، لأنك لم تعرفي زمان افتقادك” (لوقا 19 : 42 — 44). ML 541.1