مشتهى الأجيال

469/684

“ لماذا هذا الإتلاف؟”

ولكن معرفتهم التي حصلوا عليها بعد ذلك أعطتهم إدراكا صحيحا للأشياء الكثيرة التي كان يمكنهم أن يفعلوها لأجل يسوع للتعبير عن محبتهم وشكر قلوبهم له وهو بعد معهم .فعندما رحل المسيح عنهم بالجسد أحسوا يقينا بأنهم يشبهون خرافا لا راعي لها ، وابتدأوا يرون كيف أنه كان في مقدورهم أن يبرهنوا له على تقديرهم إياه ، الأمر الذي كان كفيلا بأن يملأ قلبه بهجة وسرورا. فما عادوا الآن يوجهون اللوم إلى مريم بل إلى ذواتهم . آه ، يا ليتهم كانوا يستطيعون أن يسحبوا ألفاظ الملامة والتأنيب التي كانوا يوجهونها إليها واعتبارهم الفقراء أحق بتلك العطية من المسيح ! عندما أنزلوا جسد سيدهم المسحوق عن الصليب أحسوا بالتبكيت الشديد والندامة يعتصران قلوبهم. ML 529.2

هذه الحاجة نفسها سائدة وملموسة في العالم اليوم. ولكن الذين يقدرون قيمة المسيح بالنسبة لأنفسهم قليلون . ولو أنهم قدروه التقدير الصائب لكانوا يعبرون عن محبتهم للسيد كما فعلت مريم وكانوا يسكبون الطيب على جسده بكل سخاء . وفي هذه الحالة ما كان أحد يقول عن سكب الطيب على جسد السيد ورأسه أنه إتلاف ، ولا تعتبر أية تقدمة أولى من أن تقدم للمسيح ، وما كان أي عمل من أعمال إنكار الذات والتضحية بالنفس أعظم من أن يحتمله الإنسان لأجل المسيح. ML 529.3

إن القول الذي نطق به قائله في غضب حين قال: “ لماذا هذا الإتلاف؟” أبان المسيح عظم التضحية التي كان قادما عليها- تقديمه نفسه كفارة عن العالم الهالك. لقد أراد الرب أن يكون سخيا ومحسنا نحو أسرته البشرية إلى أقصى حد حتى لا يقال فيما بعد أنه كان يمكنه أن يفعل أكثر من هذا . إن الله إذ قدم المسيح بذل كل السماء . لقد كانت تلك التضحية ، من وجهة النظر البشر ، إتلافا بالغا . وبالنسبة إلى الفكر البشري يعتبر تدبير الخلاص بجملته إتلافا لمراحم السماء ومواردها السخية . إنما إنكار الذات والتضحية بقلب كامل يلاقياننا في كل مكان . وحسنا يحملق ملائكة السماء بدهشة وذهول في الأسرة البشرية التي يأبى أفرادها الرفعة والغنى عن طريق المحبة غير المحدودة الظاهرة في المسيح . وحسنا يمكنهم أن يصرخوا قائلين: لماذا هذا الإتلاف العظيم. ML 530.1

ولكن الكفارة عن العالم الهالك كان ينبغي أن تكون كاملة ووفيرة وشاملة. إن ذبيحة المسيح كانت غنية وكافية جدا للوصول إلى كل نفس خلقها الله . فلم يمكن حصرها بحيث ، تزيد على عدد من يريدون قبول تلك الهبة الغنية (يسوع) . ليس كل الناس يخلصون ، ومع ذلك فإن تدبير الفداء ليس إتلافا لكونه لا يحقق كل ما أعده سخاؤه فينبغي أن يكون هنالك كفاية وزيادة. ML 530.2