مشتهى الأجيال

446/684

دموع الحنان

سألهم يسوع قائلا: “أين وضعتموه؟ قالوا له: يا سيد، تعال وانظر” (يوحنا 11 : 33). فساروا جميعهم معه إلى القبر . كان المشهد مبكيا . لقد كان لعازر محبوبا جدا وقد بكته أختاه بحرقة من قلبين منسحقين . كما أن أصدقاء الميت مزجوا دموعهم بدموع تينك الأختين المفجوعتين . فأمام هذه الأحزان والآلام البشرية ، وأمام حقيقة كون أولئك الأصدقاء يبكون على ذلك الميت في حين أن مخلص العالم كان واقفا بينهم — “بكى يسوع” (يوحنا 11 : 35). ومع كونه ابن الله فقد اتخذ طبيعة بشرية وتأثر بأحزان البشر . فقلبه الرقيق العطوف يستيقظ دوما بالعطف على المتألمين . إنه يبكي مع الباكين كما يفرح مع الفرحين. ML 501.4

ولكنه بكى ليس فقط بسبب عطفه البشري على مريم ومرثا ، بل كان في دموعه حزن يفوق أحزان البشر كما علت السماوات فوق الأرض . إن المسيح لم يبك على لعازر فقد كان مزمعا أن يدعوه ليخرج من قبره . ولكنه بكى لأن كثيرين ممن كانوا يبكون على لعازر آنئذ كانوا موشكين أن يتآمروا على قتل ذاك الذي هو القيامة والحياة . ولكن كم كان أولئك اليهود غير المؤمنين عاجزين عن التعليل عن بكائه ! إن البعض منهم ممن لم يكونوا يرون شيئا أكثر من الظروف الخارجية للمشهد الذي أمامهم كسبب لحزن الفادي جعلوا يتهامسون قائلين: “انظروا كيف كان يحبه!” (يوحنا 11 : 36). وآخرون جربوا أن يزرعوا روح الشك في قلوب الحاضرين فقالوا ساخرين: “ألم يقدر هذا الذي فتح عيني الأعمى أن يجعل هذا أيضاً لا يموت؟” (يوحنا 11 : 37) وكأنهم يريدون أن يقولوا: إذا كان في مقدور المسيح أن ينقذ لعازر فلماذا تركه يموت؟ ML 502.1

إن المسيح رأى بعين النبوة عداوة الفريسيين والصدوقيين له ، وعرف أنهم يتدبرون أمر قتله . وعرف أن بعض أولئك الذين يتظاهرون الآن بالعطف الشديد سيغلقون بعد قليل دون نفوسهم باب الرجاء وأبواب مدينة الله . إن مشهد إذلاله وصلبه صار وشيكا وسيكون من نتائجه خراب أورشليم . وفي ذلك الحين لن ينوح أحد على الأموات . والقصاص الذي كان قادما على أورشليم ظهر واضحا أمام المسيح . فقد رأى تلك المدينة محاطة بجيوش الرومان . وعرف أن كثيرين ممن يبكون الآن على لعازر سيموتون في حصار المدينة ، وفي موتهم لن يكون لهم رجاء. ML 502.2

إن المسيح لم يبك فقط من تأثير المشهد الذي كان مائلا أمام عينيه ، فلقد كان يحمل عبئا ثقيلا هو عبء آلام الناس وأحزانهم مدى الأجيال . لقد رأى الآثار الرهيبة لتعدي الناس شريعة الله . لقد رأى في تاريخ العالم منذ مات هابيل أن الصراع الهائل بين الخير والشر لم يخمد أواره بعد . وإذ نظر إلى الأمام إلى السنين القادمة رأى الآلام والأحزان والدموع والموت الذي هو نصيب كل إنسان . لقد أحس بالآلام تعتصر قلبه وهو يرى آلام الأسرة البشرية في كل الأجيال والأمصار . إن بلايا الجنس البشري الخاطئ ثقلت على نفسه فانفجرت ينابيع دموعه عندما تاق لأن يخفف من هول تلك البلايا. ML 502.3