مشتهى الأجيال

426/684

تفتيش الكلمة باجتهاد

وإذ بدأ التلاميذ يفشون النبوات التي تشهد للمسيح دخلوا إلى مقادس اللاهوت ، وتعلموا من ذاك الذي صعد إلى السماء ليتمم العمل الذي كان قد بدأه على الأرض . وعرفوا أن فيه تحل الحكمة والعلم اللذان لا يمكن لبشري أن يدركهما ما لم يحصل على معونة إلهية .كانوا بحاجة إلى معونة ذاك الذي سبق فتنبأ عنه الملوك والأنبياء والأبرار . وبدهشة بالغة قرأوا وأعادوا قراءة الأقوال النبوية التي وصفت صفاته وعمله وصفا دقيقا . كم كان فهمهم للأقوال النبوية مظلما وغامضا ! وكم كانوا متباطئين في قبول الحقائق العظيمة التي تشهد للمسيح ، وإذ نظروا إليه في اتضاعه إذ كان يسير في العالم كإنسان بين الناس لم يكونوا يدركون سر تجسده ولا الصفة المزدوجة لطبيعته . لقد أمسكت أعينهم بحيث لم يستطيعوا رؤية الألوهية في البشرية ، ولكن بعدما أنارهم الروح القدس وكشف عن بصائرهم كم اشتاقوا إلى رؤية الفادي ثانية والجلوس عند قدميه ! وكم اشتهوا أن يأتوا إليه ليفسر لهم الأقوال الإلهية التي عسر عليهم فهمها ! وبأي انتباه كانوا يصغون إلى أقواله ! وماذا كان قصد المسيح من قوله لهم: “إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن” (يوحنا 16 : 12). وكم تاقت أنفسهم لمعرفة كل شيء ! وقد حزنوا لأن إيمانهم كان ضعيفا جدا ولأن آراءهم كانت بعيدة جدا عن الهدف وأنهم قصروا كل هذا التقصير عن إدراك الحقيقة. ML 478.1

لقد أرسل من قبل الله رسول ليعلن عن مجيء المسيح وليوجه انتباه الأمة اليهودية وكل العالم إلى رسالته ليتأهب الناس لاستقباله . إن الشخص العجيب الذي أعلن عنه يوحنا كان في وسطهم أكثر من ثلاثين سنة ولكنهم لم يعرفوه حقا كمن هو مرسل من قبل الله . أحس التلاميذ بالندم لأنهم سمحوا لعدم الإيمان المستشري بين الناس أن يخمر أفكارهم ويظلم عقولهم وأفهامهم . إن النور الذي أتى إلى هذا العالم المظلم كان ينير مبددا ظلماته ولكنهم لم يدركوا ولا فهموا من أين كانت تنبعث أشعته . وكانوا يسألون أنفسهم فيما بعد لماذا تصرفوا تصرف جعل المسيح ملزما بأن يوبخهم عليه . ومرارا كثيرة كانوا يرددون أحاديثه ويقولون لماذا سمحنا للاعتبارات الأرضية ومقاومة الكهنة والمعلمين أن تربك حواسنا حتى لقد غاب عن أفهامنا أن شخصا أعظم من موسى كان في وسطنا ، وأن معلما أعظم من سليمان كان يتولى أمر تعليمنا؟ كم كانت آذاننا غلفاء ! وكم كان فهمنا متعثرا وضعيفا ! ML 478.2