مشتهى الأجيال

386/684

بين الشك والإيمان

إن كثيرين من سامعي تعاليم المسيح الساكنين في أورشليم ولم يكونوا يجهلون مؤامرات الرؤساء ضده ، أحسوا بقوة جاذبة لا تقاوم تجذبهم إليه ، واقتنعوا اقتناعا قويا بأنه ابن الله ولكن الشيطان كان مستعدا دائما لأن يملأهم بالشكوك ، والذي مهد الطريق لهذه الشكوك آراؤهم الخاطئة عن مسيا ومجيئه . لقد كان الاعتقاد السائد عن المسيح أنه يولد في بيت لحم ، ولكن بعد وقت يختفي وعندما يظهر ثانية لا يعلم أحد من أين أتى . وكانت هنالك جماعة غير قليلة اعتقد أفرادها أن مسيا لن تكون له أية صلة طبيعية بالبشرية . وبالنظر للفكرة الرائجة أن للمسيح مجدا لم يتوافر في يسوع الناصري ، فالكثيرون قبلوا بالرأي العام واستفهموا قائلين: “ولكن هذا نعلم من أين هو، وأما المسيح فمتى جاء لا يعرف أحد من أين هو” (يوحنا 7 : 27). ML 431.1

وفيما كانوا يتأرجحون بين الشك والإيمان التقط يسوع أفكارهم وقال لهم: “تعرفونني وتعرفون من أين أنا، ومن نفسي لم آت، بل الذي أرسلني هو حق، الذي أنتم لستم تعرفونه” (يوحنا 7 : 28). لقد ادعوا أنهم يعرفون ما يجب أن يكون أصل المسيح ولكنهم كانوا يجهلون ذلك جهلا تاما . ولو عاشوا طبقا لإرادة الله لكانوا قد عرفوا ابنه عندما أعلن لهم. ML 431.2

أمكن أولئك السامعون أن يفهموا معنى أقوال المسيح إذ كانت تكرارا واضحا لما قد صرح به أمام السنهدريم مند شهور طويلة عندما أعلن لهم أنه ابن الله . وكما حاول الرؤساء أن يقضوا عليه بالموت كذلك ها هم الآن يحاولون أن يأخذوه . ولكن قوة غير منظورة منعتهم من ذلك ، تلك القوة جعلت حدا ونهاية لغضبهم قائلة لهم: “إلى هنا تأتي ولا تتعدّى” (أيوب 38 : 11). ML 431.3

كان بين الشعب كثيرون آمنوا به وقالوا: “ألعلّ المسيح متى جاء يعمل آيات أكثر من هذه التي عملها هذا؟” (يوحنا 7 : 31). إن رؤساء الفريسيين الذين كانوا يراقبون سير الحوادث بلهفة سمعوا من الجمع كلاما يدل على عطفهم على المسيح . فأسرعوا إلى رؤساء الكهنة واعدوا خطتهم للقبض عليه . ورتبوا أن يمسكوه حين يكون وحده لأنه لم تكن لديهم الشجاعة الكافية للقبض عليه أمام الشعب . ومرة أخرى برهن لهم يسوع على علمه بنواياهم ، فقال لهم: “أنا معكم زماناً يسيراً بعد، ثم أمضي إلى الذي أرسلني. ستطلبونني ولا تجدوني، وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا” (يوحنا 7 : 33 و 34). فبعد قليل سيجد ملجأً بعيدا عن متناول الاحتقار والبغضاء . سيصعد إلى الآب ليكون مرة أخرى معبود الملائكة ، ولن يستطيع قاتلوه الوصول إلى هناك. ML 431.4

قال أولئك المعلمون ساخرين: “إلى أين هذا مزمع أن يذهب حتى لا نجده نحن؟ ألعلّه مزمع أن يذهب إلى شتات اليونانيين ويعلّم اليونانيين؟” (يوحنا 7 : 35). ولم يكن يخطر ببال أولئك المماحكين أنه بكلامهم الساخر كانوا يصورون رسالة المسيح . لقد بسط يديه طول النهار إلى شعب معاند ومقاوم ، ومع ذلك فقد وجد من الذين لم يطلبونه وصار ظاهرا للذين لم يسألوا عنه (رومية 10 : 20، 21). ML 432.1