مشتهى الأجيال

380/684

“أظهر نفسك للعالم”

لما استعد أبناء يوسف للذهاب للاحتفاء بعيد المظال رأوا أن المسيح لم يبد منه ما يدل على أنه ينوي حضور العيد . وقد كانوا يراقبونه بجزع . إنه منذ شفى المريض عند بركة بيت حسدا لم يحضر تلك الاحتفالات القومية . لقد قصر خدماته على الجليل تجنبا للمنازعات التي لا جدوى منها مع الرؤساء في أورشليم . وإن إهماله الظاهر لتلك المواسم الدينية العظيمة والعداوة التي كان يبديها نحوه الكهنة والمعلمون كانا سبب ارتباك للشعب من نحوه وحتى لتلاميذه وأقربائه . ففي تعاليمه تكلم كثيرا عن بركات الطاعة لشريعة الله ، ومع ذلك فإنه هو نفسه بدا عليه أنه لا يكترث لتلك الخدمة التي رسمها الله . ثم أن اختلاطه بالعشارين وغيرهم من ذوي السمعة الرديئة ، وعدم اكتراثه لتقاليد المعلمين وتحرره من طرح الوصايا التقليدية الخاصة بيوم السبت ، الأمور التي أوقفته موقف العداء من الرؤساء الدينيين ، أثارت كثيرا من التساؤل بين الناس . وقد ظن إخوته أنه من الخطإ أن يجافي علماء الأمة وعظماءها . وأحسوا بأن أولئك الرجال لابد من أن يكونوا على صواب وأن يسوع مخطئ لوقوفه منهم موقف العداء . غير أنهم راقبوا حياته التي بلا لوم ، ومع أنهم لم يكونوا بين صف تلاميذه فقد تأثروا من أعماله تأثرا عظيما . إن شهرته المطبقة في الجليل أشبعت وأرضت طموحهم ، وكانوا لا يزالون يؤملون أنه سيقدم برهاناً على قدرته يقنع الفريسيين بأنه صادق في ادعائه . وماذا لو أنه كان هو مسيا ، ملك إسرائيل! لقد احتضنوا هذا الفكر برضى وفخر. ML 423.2

كانوا مهتمين بهذا الأمر اهتماما عظيما حتى لقد ألحوا على يسوع في الذهاب إلى أورشليم قائلين له: “انتقل من هنا واذهب إلى اليهودية، لكي يرى تلاميذك أيضاً أعمالك التي تعمل، لأنه ليس أحد يعمل شيئاً في الخفاء وهو يريد أن يكون علانية. إن كنت تعمل هذه الأشياء فاظهر نفسك للعالم” (يوحنا 7 : 3 و 4). إن كلمة “إن” هذه تعبر عن الشك وعدم الإيمان . لقد نسبوا إليه الجبن والضعف . فإذا كان يعرف أنه هو مسيا فلماذا هذا التحفظ وهذا الجمود الغريب؟ إن كان حقا يملك هذه القوة العظيمة فلماذا لا يذهب إلى أورشليم وبكل شجاعة يثبت صدق ادعاءاته؟ ولماذا لا يصنع في أورشليم القوات والمعجزات التي اشتهر بها في الجليل؟ قالوا له: لا تُخف نفسك في أقاليم نائية منعزلة لتجري آياتك وقواتك لأجل خير الصيادين والفلاحين الجهلاء ، بل قدم نفسك في العاصمة واجتهد لتظفر بمعاضدة الكهنة والرؤساء ووحد الأمة لإقامة الملكوت الجديد. ML 424.1

إن إخوة يسوع هؤلاء تباحثوا معه مدفوعين ببواعث أنانية كالتي توجد غالبا في قلوب أولئك الذين تستهويهم المظاهر ، ولكن هذه الروح هي الروح المتحكمة في أهل العالم . لقد استاءوا لأن يسوع بدلا من أن يحاول الجلوس على عرش أرضي أعلن أنه خبز الحياة، وانهارت آمالهم عندما هجره كثيرون من تلاميذه . وهم أنفسهم تحولوا عنه هروبا من صليب الاعتراف بما أعلنته وشهدت به أعماله- أي أنه مرسل من الله. ML 424.2