مشتهى الأجيال
الفصل التاسع والثلاثون— “أعطوهم أنتم ليأكلوا”
كان المسيح قد ذهب مع تلاميذه إلى مكان خلاء ليعتكفوا ، ولكن فرصة الهدوء هذه سرعان ما انقضت. ظن التلاميذ أنهم في مكان لا يمكن لأحد أن يعرفه . ولكن ما إن أحست الجموع بغياب المعلم الإلهي حتى تساءلوا قائلين: “أين ذاك؟” وقد عرف بعضهم الجهة التي انطلق إليها المسيح وتلاميذه ، فذهب كثيرون إلى هناك مشاة ، بينما ركب غيرهم السفن وعبروا بها البحيرة ليصلوا إليهم . وكان عيد الفصح قريبا ، فجاءت جموع المعيدين من قرب ومن بعد في طريقهم إلى أورشليم واجتمعوا حول يسوع . ثم تقاطرت إلى هناك جموع أخرى حتى بلغ عددهم خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأولاد . فقبلما وصل يسوع إلى الشاطئ كان جمع غفير من الناس في انتظاره . ولكنه نزل من السفينة دون أن يلاحظوه فقضى بعض الوقت مع تلاميذه منفردين. ML 342.1
ومن جانب الجبل تطلع يسوع إلى ذلك الجمع القادم إليه فامتلأ قلبه عطفا وحنانا عليهم. ومع أنه قوطع وضاعت عليه فرصة الراحة فإنه لم يتضجر أو يتململ . إذ رأى ضرورة أعظم تتطلب اهتمامه ، وعندما كان الناس يأتون إليه زرافات تحنّن عليهم “إذ كانوا كخراف لا راعي لها” (مرقس 6 : 34). وحين ترك معتكفه وجد مكانا ملائما فيه يمكنه أن يخدمهم . إنهم لم يحصلوا على أي عون من الكهنة أو الرؤساء ولكن مياه الحياة الشافية فاضت من قلب المسيح وهو يعلم ذلك الجمع طريق الخلاص. ML 342.2
أصغى الناس إلى كلام الرحمة الذي كان يفيض بغزارة من بين شفتي ابن الله ، واستمعوا إلى كلام النعمة الذي كان غاية في البساطة والوضوح ، فكان كبلسان جلعاد لنفوسهم. إن لمسة يده الإلهية الشافية جاءت بالبهجة والحياة لمن كانوا يحتضرون ، وبالراحة والصحة لمن كانت تعذبهم أمراضهم ، فكان يومهم كأيام السماء على الأرض ، إذ لم يشعروا البتة بمرور الوقت منذ أن أكلوا آخر وجبة. ML 342.3