مشتهى الأجيال
الفرح في الحزن
“ طوبى للحزانة، لأنهم يتعزّون” (متى 5: 4). إن المسيح لا يعلمنا بهذا الكلام أن الحزن أو النوح يمكنه في ذاته أن يرفع جرم الخطية . إنه لا يصادق على الإدعاء أو الاتضاع الطوعي ، فالحزن أو البكاء الذي يتحدث عنه ليس هو في الكآبة أو العويل .وفي حين نحزن على الخطية فإننا نفرح بذلك الامتياز الثمين ، امتياز كوننا أولاد الله. ML 277.3
إننا في غالب الأحيان نحزن لأن أعمالنا الشريرة قد جلبت على أنفسنا عواقب وخيمة ومكدرة. ولكن هذه ليست توبة . إنما الحزن الحقيقي على الخطية يأتي نتيجة لعمل الروح القدس الذي يكشف لنا عن جحود قلوبنا الذي أهان المخلص وأحزنه ، ويأتي بنا في انسحاق تحت الصليب. إن كل خطية نرتكبها هي طعنة جديدة ليسوع . فإذ ننظر إلى ذاك الذي طعناه نحزن وننوح على خطايانا التي جلبت عليه العذاب والحزن . مثل هذا النوح سيجعلنا نترك الخطية. ML 277.4
قد يحسب الإنسان العالمي هذا الحزن ضعفا. ولكنه في الحقيقة هو القوة التي تربط التائب بالإله غير المحدود بربط وثيقة لا تنفصم ، ويبرهن على أن ملائكة الله يعيدون للنفس فضائلها التي إضاعتها بسبب قساوة القلب والعصيان . إن دموع التائب ما هي إلا قطرات المطر الني تسبق شروق شمس القداسة . فهذا الحزن هو بشير الفرح الذي سيكون نبع ماء حي في النفس . “ اعرفي فقط إثمك أنك إلى الرب إلهك أذنبت” ، “لا أوقع غضبي بكم لأني رؤوف، يقول الرب” (إرميا 3 : 13، 12). وهو القائل: “لأجعل لنائحي صهيون، لأعطيهم جمالاً عوضاً عن الرماد، ودهن فرح عوضاً عن النوح، ورداء تسبيح عوضاً عن الروح اليائسة” (إشعياء 61 : 3). ML 278.1
وكل من ينوحون في تجاربهم وأحزانهم لهم العزاء. إن مرارة الحزن والانسحاق لأفضل بكثير من الانغماس في الخطية . إذ بواسطة الآلام يكشف الله لنا عن الأماكن الموبوءة في أخلاقنا حتى يمكننا أن ننتصر بنعمته علي أخطائنا . فالخطايا الك ثيرة التي ارتكبناها ونسيناها ستظهر واضحة أمام أذهاننا ، ثم يجيء الامتحان فيظهر ما إذا كنا سنقبل توبيخ الله ومشورته أم لا . وعندما نقع في تجربة ينبغي ألا ننطق بكلام تفوح منه رائحة التبرم أو الشكوى . يجب ألا نتمرد أو نزعج أنفسنا إلى حد الإفلات من يد المسيح ، بل علينا أن نتذلل أمام الله . إن طرق الرب تبدو غامضة وغير واضحة المعالم أمام ذلك الإنسان الذي يريد أن يرى الأشياء في النور الذي يروق له . إنها تبدو مظلمة وخالية من الفرح أمام طبيعتنا البشرية . ولكن طرق الله هي طرق الرحمة ونهايتها الخلاص . لم يكن إيليا يعلم ماذا يفعل عندما كان في البرية وقال إنه تكفيه السنون التي عاشها وطلب الموت لنفسه . ولكن الرب في رحمته لم يجبه إلى طلبه ، إذ كان باقيا لإيليا عمل ليعمله ، فلما أتم ذلك العلم لم يكن من نصيبه أن يموت في وحدته ويأسه في البرية . لم يكن له أن يدفن في الأرض ويتوارى تحت الثرى ، بل كان سيصعد في مجد مع ركب من المركبات السماوية إلى دار الخلود. ML 278.2
وهذا ما يقوله الله للنائحين: “ رأيت طرقه وسأشفيه وأقوده، وأرد تعزيات له ولنائحيه” ، “وأحوّل نوحهم إلى طرب، وأعزّيهم وأفرّحهم من حزنهم” (إشعياء 57 : 18 ؛ إرميا 31 : 13). ML 279.1