مشتهى الأجيال
شهود عيان
وحينما مضت الملائكة اختفى النور وغطى الظلام تلال بيت لحم مرة أخرى. ولكن أبهى صورة رأتها عين بشر ظلت ماثلة في أذهان الرعاة: “وَلَما مضتْ عنْهم الْملاَئِكَةُ إِلَى السماءِ ، قَالَ الرجال الرعاةُ بعضهم لِبعضٍ : ” لِنَذْهبِ الآنَ إِلَى بيت لَحمٍ وَنَنْظُر هذَا الأمَر الْواقع الَّذي أَعلَمنَا بِه الربُّ”. فَجاءُوا مسرِعين ، وَوَجدوا مريم وَيوسفَ وَالطِّفْلَ مضجع في الْمذْوَدِ” (لوقا 2 : 15، 16). ML 38.1
فلما انطلقوا إلى هناك فرحين أخبروا بما قد رأوه وسمعوه ، “وَكُلُّ الَّذين سمعوا تَعجبوا مما قيلَ لَهم من الرعاةِ . وَأَما مريم فَكَانَتْ تَحفَظُ جميع هذَا الْكَلاَمِ متَفَكِّرةً بِه في قَلْبِها . ثُم رَجع الرعاةُ وَهم يمجدونَ اللهَ وَيسبحونَه علَى كُلِّ ما سمعوه ورَأَوْهُ كَما قيلَ لَهم ” (لوقا 2 : 18 — 12). ML 38.2
إن شقة البعد بين السماء والأرض ليست أعظم الآن مما كانت حين أصغى الرعاة لأنشودة الملائكة ، إذ أن البشرية لا تزال موضع اهتمام السماء الآن كما كانت في ما مضى عندما أناس عاديون كانوا يقومون بأعمال عادية في الكروم والحقول التقوا برسل السماء في منتصف النهار وتكلموا وإياهم. ويمكن أن تكون السماء قريبة منا جدا ونحن نسير في مسالك الحياة العادية ، فالملائكة القادمون من السماء يلازمون خطوات أولئك الذين يروحون ويجيئون حسب أمر الله ML 38.3
إن قصة بيت لحم موضوع لا ينضب معينه ، فإنه مخبوء فيها “ عمق غنَى اللهِ وَحكْمته وَعلْمه” (رومية 11: 33). إننا نندهش من التضحية التي قد أقدم عليها المخلص إذ أبدل عرش السماء بالمذود ، وعشرة الملائكة الذين كانوا يسبحونه ويتعبدون له بالبهائم في حظائرها . إن في حضرته توبخ الكبرياء البشرية والاكتفاء الذاتي ، ومع ذلك فقد كان هذا بدء تنازله العجيب . كان الأمر سيعتبر اتضاعاً عظيما من ابن الله لو أنه اتخذ الطبيعة البشرية حتى في الوقت الذي كان فيه آدم لا يزال محتفظا بكماله وطهارته في جنة عدن ولكن يسوع أخذ طبيعة إنسان بعدما أنهكت الخطية البشر مدة أربعة آلاف سنة. وككل طفل من أبناء آدم ، قبل السيد على نفسه نتائج تفاعل ناموس الوراثة العظيم . أما ماذا كانت تلك النتائج فهذا يرى في تاريخ حياة أسلافه الأرضيين . لقد كان من آثار تلك الوراثة أنه قاسمنا أحزاننا وتجاربنا ، وقدم لنا حياة مثالية منزهة عن الخطأ. ML 38.4
لقد أبغض الشيطانُ المسيح وهو في السماء بسبب منزلته في السماء. وازداد بغضا له عندما سقط هو نفسه من منزلته . لقد أبغض ذاك الذي آلى على نفسه أن يفتدي الخطاة ومع ذلك ففي العالم الذي ادعى الشيطان أنه سيد عليه سمح الله لابنه أن يحل هناك ، كطفل قاصر معرض لضعف البشرية . كان عليه ككل طفل بشري أن يجابه خطر الحياة الذي تشترك فيه كل نفس بشرية . وأن يشتبك في معركتها ، معرضا لخطر الفشل والخسارة الأبدية ML 39.1
إن قلب الأب البشري يحن إلى ابنه. إنه يتطلع في وجهه ويرى خوفا على صغيره من خطر الحياة . إنه يتوق لحماية ابنه العزيز من قوة الشيطان وأن يباعد بينه وبين التجارب والمحاربات . ولكن الله بذل ابنه الوحيد ليلاقي صراعا أقسى مرارة ، وليقدم على مخاطرة أشد هولاً حتى تنكشف معالم طريق الحياة أمام صغارنا. “في هذَا هي الْمحبةُ”. (1 يوحنا 4: 10). اندهشي أيتها السماوات وتحيري أيتها الأرض! ML 39.2