مشتهى الأجيال

217/684

خمر جديدة في زقاق عتيقة

حاول الفريسيون أن يمجدوا أنفسهم بحفظهم الطقوس الصارمة بينما كانت قلوبهم مشحونة بالحسد والمخاصمات. يقول الكتاب: “ها إنكم للخصومة والنزاع تصومون، ولتضربوا بكلمة الشر. لستم تصومون كما اليوم لتسميع صوتكم في العلاء. أمثل هذا يكون صوم أختاره؟ يوماً يذلّل الإنسان فيه نفسه، يحني كالأسلة رأسه، ويفرش تحته مسحاً ورماداً. هل تسمّي هذا صوماً ويوماً مقبولاً للرب؟” (إشعياء 58 : 4، 5). ML 253.1

إن الصوم الحقيقي ليس مجرد خدمة طقسية. لقد اختار الله أن يكون الصوم “حلّ قيود الشر. فك عقد النير، وإطلاق المسحوقين أحراراً، وقطع كل نير” وإن “أنفقت نفسك للجائع، وأشبعت النفس الذليلة” (إشعياء 58 : 6، 7) تلق رضى الله وبذلك تكون عاملا بروح المسيح ومبدئه السامي . لقد كانت كل حياته هي تضحية نفسه لأجل خلاص العالم. ML 253.2

فسواء أكان صائما في برية التجربة أو كان يأكل مع العشارين على مائدة متى كان يبذل حياته لفداء الهالكين . إن روح التعبد الحقيقي لا يظهر في النوح الباطل أو في مجرد إذلال الجسد او تقديم الذبائح الكثيرة ه ولكنه يظهر في تسليم النفس لخدمة طوعية لله والناس. ML 253.3

واستطرد يسوع في كلامه وهو يجيب على سؤال تلاميذ يوحنا فضرب مثلا: “ ليس أحد يضع رقعة من ثوب جديد على ثوب عتيق، وإلا فالجديد يشقه، والعتيق لا توافقه الرقعة التي من جديد” (لوقا 5: 36). إن رسالة يوحنا المعمدان ما كان لها أن تختلط أو تمتزج بالتقاليد والخرافات . إن محاولة مزج ادعاء الفريسيين بتعبد يوحنا سيجعل الاختلاف أردأ بين الاثنين. ML 253.4

وكذلك لم يمكن الجمع بين تعاليم المسيح والطقوس الفريسية. وما كان ليسوع أن يرمم الثغرة التي أحدثتها تعاليم يوحنا ، ولكنه أراد أن يجعل الفاصل كبيرا وظاهرا بين القديم والجديد . وبعد ذلك أورد المسيح مثالا لهذه الحقيقة فقال: “وليس أحد يجعل خمراً جديداً في زقاق عتيقة لئلا تشق الخمر الجديدة الزقاق، فهي تهرق والزقاق تتلف” (لوقا 5 : 37). إن الزقاق الجديدة التي كانت تستخدم لتوضع الخمر الجديدة فيها ، كانت بعد ذلك تجف وتصبح سهلة الكسر ولذلك لم تكن تصلح لنفس الغرض مرة أخرى. ففي هذا المثل المألوف وصف المسيح حالة رؤساء اليهود . كان الكهنة والكتبة والرؤساء محصورين في أخدود من الفرائض والطقوس فانكمشت قلوبهم كالزقاق الجافة التي قد مثَّلها بها . وطالما ظنوا مكتفين بصورة الديانة الصحيحة فقد غدا من المستحيل عليهم أن يصيروا مستودعات لحق السماء الحي ، حيث ظنوا أن برهم الذاتي فيه الكفاية ، فلم يرغبوا في إدخال عنصر جديدا في ديانتهم . لم يقبلوا إرادة الله الصالحة نحو الناس على أنها شيء منفصل عن أنفسهم فقد قرنوها باستحقاقهم لأجل أعمالهم الصالحة . ولم يكن يمكن أن الإيمان العامل بالمحبة الذي يطهر النفس يتحد بديانة الفريسيين المكونة من التقاليد ووصايا الناس . ولذلك بات من العبث توحيد تعاليم يسوع مع الديانة التي قد أقرها الرؤساء وتمسك بها الناس . فحق الله الحى الذي شبه خمرا جديدة لا بد أن يشق زقاق تقاليد الفريسيين البالية التالفة. ML 253.5