مشتهى الأجيال

3/684

الديباجة

إن في قلوب كل بني الإنسان من كل أمة وطبقة أشواقا لا يمكن التعبير عنها إلى طلب ما لا يملكونه. وهذه الأشواق هي من غرس الله الرحيم في أعماق طبيعة الإنسان ، حتى لا يقنع المرء بحاله الراهنة ، أو بما قد أحرزه ، حسنا كان أم رديئا . فإن الله يريد أن يطلب الإنسان ما هو أفضل ويجده فيحصل على بركة أبدية . ML 6.1

لقد استطاع الشيطان بمؤامراته ومخادعاته أن يفسد أشواق قلب الإنسان هذه ، فهو يوعز إلى الناس بأن هذه الرغبة يمكن إشباعها بالملذات أو الثروة أو الراحة أو الشهرة أو السطوة ، ومن أولئك الذين قد خدعهم (ويعدون بالربوات) يكتشفون أن كل تلك الأشياء قد أمست ثقلا على عقولهم تاركة نفوسهم في حال اليبوسة والجفاف والجوع كما كانت قبلا. ML 6.2

ولكن قصد الله هو أن هذا الشوق في القلب البشري يرشد جميع الناس إلى ذاك الذي يستطيع وحده أن يشبعه؛ فالشوق هو منه ليهدي الناس إليه ، إذ فيه ملء ذلك الشوق و تحقيقه. إن النبي حجي يدعوه “مشتهى كل الأمم” (حجي 2 : 7) ونحن أيضاً على هذا القياس لنا أن ندعوه: “مشتهى كل الأمم”. ML 6.3

إن الغاية من هذا الكتاب هو أن يقدم يسوع المسيح كمن يستطيع وحده أن يشبع كل شوق في النفس. لقد كتب كثيرون من الكُتّاب كتبا جميلة وقيمة عن حياة المسيح ، وبها رصيد عظيم من حقائق مضبوطة سواء من الناحية التاريخية أو الأحداث المعاصرة أو العادات المألوفة ، وبها كثير من التعاليم التي لا غنى عنها . وفيها لمحات من حياة يسوع الناصري المتعددة الجوانب . ومع ذلك يجدر بكل واحد أن يقول: “هوذا النصف لم أخبر به” (1 ملوك 10 : 7). ML 6.4

ومع ذلك فإن الغاية من وضع هذا الكتاب ليست هي إثبات اتفاق الأناجيل أو إيراد الحوادث الهامة والدروس العجيبة في حياة المسيح حسب ترتيبها الإلهي الدقيق ، ولكن غايتا هي أن نستعرض محبة الله والجمال الإلهي في حياة المسيح الذي يمكن أن يشترك فيه كل إنسان ، ليس فقط لإشباع فضول النقاد وتساؤلهم. ولكن كما أن جاذبية سجايا المسيح النبيلة قد اجتذبت تلاميذه إلى ذاته ، وبحضوره ذاتيا ومشاعره الرقيقة ولمساته الحانية في كل ضعفاتهم وحاجاتهم ، وبعشرته الدائمة لهم غيّر أخلاقهم الأرضية إلى أخلاق سماوية ، من الأثرة إلى التضحية والإيثار، ومن الجهل وضيق العقل والقلب والتعصب إلى معرفة تملأ القلب الرحب ومحبة عظيمة لنفوس الناس من كل الأمم والأجناس- فكذلك هدف هذا الكتاب هو تقديم السيد المبارك إلى القارئ لكي يعينه على الإتيان إليه وجها لوجه وقلبا إلى قلب، فيجد فيه كما وجد التلاميذ قديما ، يسوع القدير الذي يخلص “إِلَى التَّمامِ” ويغير إلى صورته الإلهية كل من يتقدمون به إلى الله . ومع ذلك فما أعظم عجزنا عن إعلان حياته! إن هذا يشبه تجسيم صورة إنسان على الشاشة وجعلها تفيض بالحياة والقوة . ML 6.5

وفي الصفحات التالية تكشف المؤلفة التي هي سيدة واسعة الاطلاع وعميقة الاختبار في أمور الله عن نواح جديدة لجمال حياة يسوع. إنها تقدم لنا كثيرا من اللآلئ الغالية من خزانة الله . ومن هذا الكنز العظيم الذي لا ينفد تبسط أمام القارئ غنى عظيما لم يكن يحلم به . هذا وإن نورا عظيما جديدا ومجيدا ينبعث من كثير من الفصول المألوفة التي كان القارئ يظن أنه قد سبر غورها منذ أمد بعيد . وبالإجمال نقول إن يسوع المسيح قد أظهر كشمس البر ورئيس الكهنة الرحيم ، والشافي العظيم لكل أمراض البشرية وأدوائها ، والصديق الرقيق الرحيم ، والرفيق الملازم للإنسان دائما الذي يقدم له العون في حينه ، وترس شعبه ورئيس السلام ، والملك الآتي والأب الأبدي ، والذي فيه تتحقق آمال كل الأجيال وأشواقهم . ML 7.1

إن هذا الكتاب يقدم إلى العالم بركة إلهية مشفوعا بابتهالاتنا حتى يجعل الرب أقوال هذا الكتاب بقوة روحه كلام الحياة الأبدية لكثيرين ممن لم تشبع أشواق قلوبهم ، لكي يعرفوه “ وَقُوةَ قيامته، وَشَرِكَةَ آلاَمه” (فيلبي 3: 10). وأخيرا فمدى أجيال الأبد السعيدة يشتركون وهم عن يمينه في ملء الفرح الأبدي الذي لا ينطق به ومجيد ، والذي سيكون لمن يجدونه الثمرة الناضجة و “الكل في الكل” (1 كورنثوس 15، 28) و “معلّم بين ربوة” و “كلّه مُشتهيات” (نشيد 5 : 10 و 16). ML 7.2

الناشرون