مشتهى الأجيال

192/684

دروس لا تنسى

كانت رسائل الرحمة التي نطق بها تتنوع لتناسب سامعيه. ولقد قال عن نفسه على لسان إشعياء: “أعطاني السيد الرب لسان المتعلمين لأعرف أن أغيث المعيي بكلمة” (إشعياء 50 : 4) ، نعم إن النعمة قد انسكبت على شفتيه لكي يمكنه أن يحمل إلى الناس بكيفية جذابة كنوز الحق ، كما كانت عنده لباقة جعلته يواجه العقول المتعصبة ويسترعي انتباهها إذ كان يفاجئها بأمثاله ، عن طريق الخيال والفكر وصل إلى القلب . وكان يستنبط أمثاله من صور الحياة العادية التي مع بساطتها كانت تنطوي على معانٍ عميقة وعجيبة . فطيور السماء وزنابق الحقل والبذار والراعي وخرافه- من هذه الأشياء صور المسيح حقا خالدا . ومنذ ذلك الحين عندما كانت أنظار سامعيه تقع على هذه الاشياء التي في عالم الطبيعة كانوا يتذكرون كلامه . وقد كانت أمثال المسيح مذكرا دائما بتعاليمه. ML 227.2

لم يتملق المسيح الناس قط . إنه لم يقل شيئا يمجد به رغباتهم وتصوراتهم ، كلا ولا أطرى واحدا منهم على مهارته في الابتكار . ولكن الناس المفكرين غير المتعصبين قبلوا تعاليمه ووجدوا أنها امتحان لحكمتهم . واندهشوا من الحق الإلهي الذي قد أوضحه السيد بأبسط الألفاظ ، وقد سحر كلامه ألباب أغزر الناس حكمة وعلما . وكذلك كان البسطاء في المعرفة يستفيدون دائما ، إذ كانت لديه رسالة ليقدمها للأميين العديمي العلم . وقد جعل حتى الوثنيين أنفسهم يفهمون أن لديه رسالة ليقدمها لهم كان حنانه ورقته يلمسان القلوب المثقلة والمضطربة ويشفيانها . حتى في وسط جلبة أعدائه الهائجين الغاضبين كان محاطا بجو يسوده السلام. إن جمال محياه وسمو صفاته وفوق الكل محبته التي كان يعبر عنها بنظراته وكلامه اجتذبت إليه كل من لم تتقس قلوبهم في عدم إيمان . فلولا روحه الحلو العطوف الذي كان يشرق فى كل نظرة وكلمة لما أمكنه أن يجتذب تلك الجموع العظيمة التي كانت تحتشد من حوله . والناس المرضى والمتألمون الذين أتوا إليه أحسوا بأنه قد ربط مصلحته بمصالحهم كصديقهم الأمين الرقيق القلب ، ولذلك كانوا يشتاقون إلى معرفة المزيد من الحق الذي علم به . لقد صارت السماء قريبة منهم فتاقت نفوسهم إلى البقاء في حضرته حتى تدوم لهم تعزية محبته. ML 227.3

كان يسوع يراقب بغيرة عظيمة التعبيرات المختلفة التي كانت تبدو على وجوه سامعيه. فالوجوه التي كان يلوح عليها الاهتمام والسرور جعلته يحس بالرضى والارتياح . فعندما كانت سهام الحق تطعن في صميم النفس محطمة حواجز الأنانية ومالئة القلب بشعور الانسحاق والتوبة وأخيرا تفعم القلب بالشكران كان قلب المخلص يمتلئ بهجة وحبورا . وعندما كان يجول ببصره ليرى جموع سامعيه ويعرف بينهم الناس الذين سبق أن رآهم كان وجهه يلمع بنور الفرح ، فلقد كان يرى في هؤلاء من يرجى دخولهم إلى الملكوت . وعندما يصدم الحق الذي ينطق به بكل صراحة صنما محبوبا ومتربعا في القلب كان السيد يرى التغيير الذي يبدو على وجه ذلك الإنسان ، وتلك النظرة الفاترة التي كانت تدل على عدم قبوله للحق . فحينما كان الناس يرفضون رسالة السلام كان ذلك طعنة نجلاء توجه إلى قلب الفادي. ML 228.1