مشتهى الأجيال
مكافأة إيمان صياد سمك
فبعد انتهاء الحديث التفت يسوع إلى بطرس وأمره أن يبعد إلى العمق ويلقي شبكته للصيد. ولكن بطرس كان خائر العزم إذ لم يمسك شيئا طوال تلك الليلة . ومدى ساعات الوحدة كان يفكر في مصير يوحنا المعمدان ، الذي كان يذوي ويذبل وهو وحيد في سجنه، كما فكر في الأحداث التي تنتظر يسوع وتابعيه ، و فشل خدمته في اليهودية ، وخبث الكهنة والمعلمين . بل حتى حرفته قد خذلته . وإذ كان واقفا إلى جوار الشباك الخاوية بدا المستقبل أمامه مكتنفا بظلام الخيبة والخذلان . فأجاب سمعان و قال له :“يا معلّم، قد تعبنا الليل كلّه ولم نأخذ شيئاً. ولكن على كلمتك ألقي الشبكة” (لوقا 5 : 5). ML 219.3
كانت ساعات الليل هي أنسب الأوقات الصيد بالشباك في مياه البحيرة الصافية. فبعدما تعبوا الليل كله ولم يصيبوا نجاحاً بدا لهم أنه من العبث أن يلقوا الشباك في وضح النهار ، ولكن يسوع كان قد أصدر أمره ولهذا فقد دفعت محبة التلاميذ لمعلمهم إلى إطاعته . فألقى سمعان وأخوه الشبكة معاً . فلما حاولا سحبها كانت كمية السمك التي فيها كبيرة جداً بحيث بدأت الشبكة تتخرق . فاضطرا إلى أن يدعوا يعقوب ويوحنا لأن يسرعا إلى مساعدتهما. فلما سحبوا الشبكة كان الصيد كثيراً جداً حتى لقد ثقل السمك على السفينتين مما عرضهما لخطر الغرق. ML 220.1
أما بطرس فكان آنئذ غافلاً عن القوارب والصيد ، فهذه المعجزة دون كل المعجزات التي كان قد شاهدها كانت في اعتباره إظهاراً لقدرة الله . لقد رأى في يسوع شخصاً تحكم في الطبيعة وسيطر عليها . فإحساسه بأنه في حضرة الله كشف له عن نجاسته . ثم أن حبه لمعلمه وخجله من عدم إيمانه وشكره للمسيح على تنازله ، وفوق الكل إحساسه بنجاسته ! في حضرته الطهارة الكاملة- كل ذلك غمر قلبه . وإذ كان رفاقه يجمعون السمك من الشبكة سقط بطرس عند ركبتي يسوع وصرخ قائلا: “اخرج من سفينتي يا رب، لأني رجل خاطئ!” (لوقا 5 : 8). ML 220.2
إن نفس حضور قداسة الله هذا هو الذي جعل النبي دانيآل يسقط كميت أمام ملاك الله .فلقد قال: “ ونضارتي تحوّلت إلى فيّ إلى فساد، ولم أضبط قوة”. وكذلك كانت الحال مع إشعياء الذي عندما عاين مجد الرب صرخ قائلاً: “ويل لي! إني هلكت، لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين، لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود” (دانيال 10 : 8 ؛ إشعياء 6 : 5). إن البشرية بما فيها من ضعف وخطية قد وقفت وجها لوجه أمام كمال اللاهوت فأحس النبي بنقصه ونجاسته العظيمين . وكذلك كانت الحال مع كل من قد حظوا برؤية عظمة الله وجلاله . ML 220.3
إن بطرس مع أنه صرخ قائلا: “ أخرج من سفينتي يا رب، لأني رجل خاطئ!” إلا أنه ظل ممسكا بركبتي يسوع شاعراً بأنه لا يستطيع أن يفترق عنه . وقد أجابه المخلص بقوله: “لا تخف! من الآن تكون تصطاد الناس!” (لوقا 5 : 10). إن إشعياء بعدما رأى قداسة الله وعدم استحقاقه هو وكل الله إليه أمر تبليغ رسالته السماوية إلى الشعب .وبعدما اقتيد بطرس إلى احتقار نفسه والاتكال على قدرة الله قبل الدعوة لخدمة المسيح. ML 220.4