الصراع العظيم

100/424

أزمة خانقة

ثم طُلب منه الانسحاب من المجلس في حين جعل الامراء يتشاورون معا. وقد احسوا بحلول أزمة عظيمة . فان اصرار لوثر على رفض ا لخضوع قد يؤثر في تاريخ الكنيسة اجيالا طويلة . وقد تقرر اعطاؤه فرصة أخرى للتراجع . فلآخر مرة أتي به أمام المجمع، ومرة اخرى وجه اليه السؤال عما اذا كان يريد أن ينكر تعاليمه ويتبرأ منه ا. فقال: ”ليس عندي جواب آخر اقدمه غير الذي قدمته من قبل“. وقد اتضح وتبرهن أنه لا يمكن اقناعه بالخضوع لمطالب روما بالوعود أو بالوعيد. GC 178.3

اغتم الرؤساء البابويون واغتاظوا لان سلطانهم الذي أرعب الملوك والنبلاء صار محتقرا الان في نظر راهب وضيع . وكانوا يتوقون الى ان يجعلوه يحس بشدة وطأة غضبهم بتعذيبه الى أن يموت . ولكن اذ كان لوثر يشعر بالخطر المحدق به كان قد تكلم مخاطبا الجميع مظهرا عظمة المسيحية وهدوءه ا. كان كلامه خاليا من الكبرياء والغضب والتحريف . لقد نسي نفسه ونسي عظماء الرجال المحيطين به وأحس فقط بأنه في حضرة ذاك الذي هو أسمى، بما لا يقاس، من كل الباباوات والاساقفة والملوك والاباطرة . لقد تكلم المسيح على لسان لوثر مقدما شهادته بقوة وجلال الهما الاصدقاء والأعداء على السواء الرهبة والدهشة الى حين . كان روح الله حاضرا في ذلك المجلس ليؤثر في قلوب رؤساء الامبراطورية. وبكل شجاعة اعترف امراء عديدون بعدالة قضية لوثر . واقتنع كثيرون منهم بالحق، لكنّ بعضهم تأثروا تأثرا وقتي ا. وقد وُجد فريق آخر لم يفصحوا عن اقتناعهم حينئذ، ولكنهم بعدما فتشوا الكتب لانفسهم في الايام التالية صاروا معاضدين للاصلاح لا يخشون بأس أحد. GC 179.1

كان المنتخب فريدريك ينظر بجزع وهو متوجس من ظهور لوثر أمام المجلس، وبانفعال شديد أصغى الى خطا به. وبفرح وفخر عظيمين شهد شجاعة الدكتور وثباته ورباطة جأشه فعزم على أن يقف بكل ثبات في الدفاع عنه . جعل يقارن بين طرفي النزاع فرأى أن حكمة الباباوات والملوك والاساقفة قد أبطلتها قوة الحق .لقد أصابت البابوية هزيمة سيحس بها الناس من كل الأمم وفي كل العصور. GC 179.2

فاذ رأى مبعوث البابا التأثير الذي أحدثه خطاب لوثر بات يخشى حينئذ أكثر من ذي قبل على سلامة سلطان البابا وعزم على استخدام كل الوسائل التي تحت يده لاسقاط المصلح والقضاء عليه . فبكل ما كان يملك من الفصاحة والمهارة الدبلوماسية التي اشتهر بها جعل يصور للامبراطور ا لشاب جهالة تضحية صداقة بابا روما العظيم لأجل قضية راهب مغمور. GC 179.3

لم يكن كلامه بلا تأثير . ففي اليوم التالي بعدما أدلى لوثر بجوابه أمر شارل بتقديم رسالة الى المجلس معلنا فيها عزمه على تنفيذ سياسة سابقيه في حفظ الدين الكاثوليكي وحمايته . وحيث أن لوثر قد رفض التبرؤ من ضلالاته فلا بد من اتخاذ كل الاجراءات العنيفة ضده وضد الضلالات التي علَّم بها: ”ان راهبا واحدا أضلته جهالته قام يحارب ايمان العالم المسيحي كله . ولأجل ايقاف هذا الالحاد عند حده سأضحي بممالكي وكنوزي واصدقائي وجسدي ودمي وروحي وحياتي . اني سأطرد لو ثر الاوغسطيني وأنهاه عن أحداث أي شغب بين الشعب. وبعد ذلك سأهب لمحاربته هو ومشايعيه بصفتهم هراطقة عصاة بالقطع والحرم وكل وسيلة يمكن أن تخطر على البال لملاشاتهم . وأنا أطلب من أعضاء الولايات أن يتصرفوا كمسيحيين أمناء“ (١٠٢). ومع ذلك فقد أعلن الامبراطور أن صك أمان لوثر ينبغي احترامه، وقبل فرض الاجراءات التي ستتخذ ضده ينبغي أن يُسمح له بالعودة الى وطنه بسلام. GC 180.1