الصراع العظيم

412/424

طرد الشيطان

والآن تقع الحادثة التي ترمز اليها آخر الخدمات المقدسة في يوم الكفارة . فبعدما كملت الخدمة في قدس الاقداس ورُفعت خطايا اسرائيل من القدس بفاعلية دم ذبيحة الخطيئة حينئذ قُدم تيس عزازيل حيا أم ام الرب، وفي محضر الجماعة يقر رئيس الكهنة عليه ”بكل ذنوب بني اسرائيل وكل سيئاتهم مع كل خطاياهم ويجعلها على رأس التيس“ (لاويين ١٦ : ٢١). وبهذه الطريقة ذاتها عندما يكمل عمل الكفارة في القدس السماوي توضع في محضر الله وملائكة السماء وجموع المفتدين خطايا ش عب الله على الشيطان ويُعلن انه مجرم في كل الشر الذي ساقهم الى ارتكابه . وكما أرسل تيس عزازيل الى أرض مقفرة فالشيطان سيُطرد كذلك الى الارض الخربة التي هي برية مقفرة وموحشة. GC 710.3

ينبئ الرائي بطرد الشيطان وحالة التشويش والخراب التي ستحل بالارض، ويعلن ان هذه الحالة ستظل الف سنة . وبعدما يعرض مشاهد مجيء الرب ثانية وهلاك الاشرار يستمر في سرد النبوة فيقول: ”ورأيت ملاكا نازلا من السماء معه مفتاح وسلسلة عظيمة على يده . فقبض على التنين الحية القديمة الذي هو ابليس والشيطان وقيده الف سنة وطرحه في الهاوية وأغلق عليه وختم عليه لكي لا يضل الامم في ما بعد حتى تتم الالف السنة وبعد ذلك لا بد ان يحل زمانا يسيرا“ (رؤيا ٢٠ : ١ — ٣). GC 711.1

ويتضح من آيات اخرى ان عبارة ”الهاوية“ ترمز الى الارض في حالة التشويش والظلام . وفي ما يختص بحالة الارض ”في البدء“ فان الكتاب يقول انها ”كانت خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة“. (ان الكلمة المترجمة هنا ”غمر“ هي الكلمة نفسها المترجمة في (رؤيا ٢٠ : ١ — ٣) الى كلمة ”الهاوية“) — (تكوين ١ : ٢). فالنبوة تعلمنا ان الارض ستعود الى حالتها الاولى جزئيا على الاقل . وارميا النبي اذ استشرف يوم الله العظيم أعلن قائلا: ”نظرت الى الارض واذا هي خربة وخالية والى السموات فلا نور له ا. نظرت الى الجبال واذا هي ترتجف وكل الآكام تقلقلت . نظرت واذا لا انسان وكل طيور السماء هر بت. نظرت واذا البستان برية وكل مدنها نُقضت“ (ارميا ٤: ٢٣ — ٢٦). GC 711.2

هنا سيكون موطن الشيطان مع ملائكته الاشرار مدة الف سنة . واذ يكون محصوراً في الارض لن يمكنه الوصول الى عوالم اخرى ليجرب ويزعج أولئك الذين لم يسقطوا قط . وبهذا المعنى يقال عنه انه مق يد، اذ لم يبق احد يمكنه ان يستخدم سلطانه ضده . لقد قُطع تمام من عمل الخداع والخراب الذي ظل مدى قرون عديدة موضوع مسرته الاوحد. GC 711.3

والنبي اشعياء اذ يستبق الاحداث الى زمن سقوط الشيطان يصيح قائلا: ”كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح . كيف قُطعت الى الارض يا قاهر الامم. وأنت قلت في قلبك اصعد الى السموات ارفع كرسيّ فوق كواكب الله ... أصير مثل العلي . لكنك انحدرت الى الهاوية الى اسافل الجب . الذين يرونك يتطلعون اليك يتأملون فيك . أهذا هو الرجل الذي زلزل الارض وزعزع الممالك الذي جعل العالم كقفر وهدم مدنه الذي لم يطلق اسراه“؟ (اشعياء ١٤ : ١٢ ١٧). GC 712.1

فعلى مدى ستة آلاف سنة كان عمل الشيطان بعصيانه كفيلا بان ”يزلزل الارض“، ”جعل العالم كقفر وهدم مدنه“، ”ولم يطلق اسراه“. كان يحبس شعب الله في سجنه وكان يريد ابقاءهم في الاسر الى الابد . لكنّ المسيح حطم قيوده واطلق الاسرى احرارا. GC 712.2

بل حتى الاشرار هم الآن بعيدون عن متناول سلطان الشيطان . فاذ ينفرد بملائكته الاشرار يبقى حيث هو ليتحقق من أثر اللعنة التي قد جلبتها الخطيئة. ”كل ملوك الامم باجمعهم اضطجعوا بالكرامة كل واحد في بيته (قبره). اما انت فقد طُرحت من قبرك كغصن اشنع ... لا تتحد بهم في القبر لانك اخربت ارضك قتلت شعبك“ (اشعياء ١٤ : ١٨ — ٢٠). GC 712.3

وخلال الف سنة سيتجول الشيطان هنا وهناك في الارض الخربة ليرى نتائج عصيانه ضد شريعة الله . وفي هذه المدة ستكون آلامه هائلة . انه منذ سقوطه كانت حياته حياة النشاط الدا ئم الذي لا يكل حائلا بينه وبين التفكير . أما الآن فقد جُرد من سلطانه وتُرك ليتأمل مليا في الدور الذي قد لعبه منذ عصى أولا على حكم السماء ولينظر بخوف ورعب الى المستقبل المخيف الذي فيه يجب ان يتألم لاجل كل الشر الذي فعله ويعاقب على كل الخطايا التي جعل الناس يرتكبونها. GC 712.4

اما بالنسبة الى شعب الله فان اسر الشيطان سيكون لهم سبب فرح وابتهاج . يقول النبي: ”ويكون في يوم يريحك الرب من تعبك ومن انزعاجك ومن العبودية القاسية التي استعبدت بها انك تنطق بهذا الهجو على ملك بابل (وهو هنا يرم ز الى الشيطان) وتقول كيف باد الظالم ... قد كسر الرب عصا الاشرار قضيب المتسلطين . الضارب الشعوب بسخط ضربة بلا فتور المتسلط بغضب على الامم باضطهاد بلا إمساك“ (اشعياء ١٤ : ٣ — ٦). GC 713.1

وفي اثناء الالف السنة بين القيامة الاولى والثانية سيُدان الاشرار. وبولس الرسول يشير الى هذه الدينونة كحادث يعقب المجيء الثاني حين يقول: ”اذاً لا تحكموا في شيء قبل الوقت حتى يأتي الرب الذي سينير خفايا الظلام ويظهر آراء القلوب“ (١ كورنثوس ٤ : ٥). ودانيال يعلن انه عندما جاء القديم الايام ”أعطى الدين لقديس ي العلي“ (دانيال ٧ : ٢٢). وفي هذا الوقت يملك الابرار كملوك وكهنة لله . وفي سفر الرؤيا يقول يوحنا: ”ورأيت عروشا فجلسوا عليها واعطوا حكم ا“ ”سيكونون كهنة لله والمسيح وسيملكون معه ألف سنة“ (رؤيا ٢٠ : ٤ و ٦). وفي هذا الوقت كما قد انبأ بولس قائلا: ”ان القديسين سيدينون العالم“ (١ كورنثوس ٦: ٢) فاذ يكونون متحدين مع المسيح سيدينون الاشرار اذ يقيسون اعمالهم على كتاب الشريعة، الكتاب المقدس، ويحكمون في كل قضية بموجب الاعمال التي عملوها وهم في الجسد. وحينئذ يكال للاشرار النصيب الذي يجب ان يقاسوه بحسب اعمالهم وهو مسجل امام أسمائهم في سفر الموت. GC 713.2

والشيطان والملائكة الاشرار ايضا يدينهم المسيح وشعبه . يقول بولس: ”ألستم تعلمون اننا سندين ملائكة“. (١ كورنثوس ٦ : ٣). ويهوذا يعلن قائلا: ”والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم الى دينونة اليوم العظيم بقيود ابدية تحت الظلام“ (يهوذا ٦). GC 713.3

وفي نهاية الالف السنة تكون القيامة الثانية . وحينئذ يقام الاشرار من الاموات ليمثلوا أمام الله لاجل تنفيذ “ الحكم المكتوب ”. وهكذا بعدما وصف الرائي قيامة الابرار يقول: ”وأما بقية الاموات فلم تعش حت ى تتم الالف السنة“ (رؤيا ٢٠ : ٥). واشعياء يعلن قائلا عن الاشرار: ”ويُجمعون جمعا كأسارى في سجن ويغلق عليهم في حبس ثم بعد ايام كثيرة يتعهدون“ (اشعياء ٢٤ : ٢٢). GC 714.1