الصراع العظيم

176/424

ماذا بعد ذلك

”واذ هرب الهيجونوت شمل فر نسا انحطاط عام . فالمدن الصناعية الزاهرة أصابها العطب والخراب، والاقاليم الخصبة استحالت قفارا، وأعقبت فترة النجاح غير العادي فترة جمود وبلادة عقلية وانحطاط خلقي. وصارت باريس ملجأ كبيرا وبيتا من بيوت الاحسان. وقدَّر بعضهم أنه عند نشوب الثورة وُجد ٢٠٠ ألف صعلوك يستجدون الملك. لكنّ الجزويت هم وحدهم الذين نجحوا وازدهرت أحوالهم من دون تلك الامة الخربة المتسوسة، وقد تحكموا في الكنائس والمدارس والسجون وسفن الرقيق بطغيان رهيب“. GC 312.1

كان يمكن أن يأتي الانجيل لفرنسا بحل صحيح ناجع لكل مشاكلها السياسية والاجتماعية التي أربك ت كهنتها ومليكها ومشترعيها، وأخيرا أودت بالامة الى الفوضى والدمار . ولكن تحت حكم روما خسر الشعب تعاليم المخلص المباركة عن التضحية والمحبة المنكرة لنفسه ا. ولقد أُبعدوا عن ممارسة انكار الذات لاجل خير الاخرين . فالاغنياء لم يوبخهم أحد على ظلمهم الفقراء، والفقراء لم يجدوا عونا في عبوديتهم وانحطاطهم . وقد زادت أنانية الاثرياء والاقوياء وصارت أكثر جلاء وجور ا. ولمدى قرون طويلة نجم عن طمع النبلاء وخلاعتهم اغتصاب ساحق للفلاحين . لقد ظلم الاغنياء الفقراء، بينما أبغض الفقراء الاغنياء. GC 312.2

وفي كثير من الا قاليم كان النبلاء مالكي الارض، أما الطبقات العاملة فكانوا مجرد مستأجرين تحت رحمة سادتهم، ومرغمين على إجابة مطالبهم الباهظة. ان عبء اعانة الكنيسة والدولة وقع كله على عاتق الطبقات المتوسطة والفقيرة الذين كانت تفرض عليهم ضرائب فادحة. ”وكانت مسرات الن بلاء معتبرة القانون الاسمى؛ ويمكن أن يموت المزارعون والفلاحون جوعا، لكنّ ظالميهم لم يكونوا يكترثون لذلك في شيء ... وكان الناس مرغمين في كل كبيرة وصغيرة أن يقصروا خدمتهم على مصلحة صاحب الارض . وكانت حياة العمال الزراعيين حياة تعب متواصل، ولم يكن ما يفرج عنهم بؤسهم وشقاءَهم. وشكواهم، ان كانوا يتجرأون على الشكوى، كانت تقابل باحتقار وقح. ومحاكم العدل كانت دائما تستمع لشكوى نبيل يقدمها ضد أحد الفلاحين. واشتهر القضاة بقبولهم الرشوة، وأقل مزاج يبديه أحد الاشراف كانت له قوة القانون بفضل هذا الفساد العام . والضرائب التي كانت تُغتصب من عامة الشعب بأيدي الوجهاء الدنيويين من ناحية وبأيدي رجال الاكليروس من الناحية الاخرى لم يكن نصفها يجد طريقه الى الخزانة الملكية أو الكنيسة، فك انت المبالغ الباقية تتبدد في الانغماسات الخليعة. أما الذين كانوا يفقرون رعاياهم فكانوا يُعفون من الضريبة، وكانوا مخولين بموجب القانون أو العادة أن يحتلوا كل وظائف الدولة. كان عدد أفراد الطبقات المحظوظة ١٥٠ ألفا، فلأجل ارضاء هؤلاء كان يُحكم على ملايين من الشعب أن يحيوا حياة منحطة يائسة“ (انظر التذييل). GC 312.3