الصراع العظيم

159/424

”كيف يتبرر الانسان عند الله“

رأى وسلي وزميلاه أن الدين الحقيقي مركزه القلب، وأن شريعة الله تمتد الى الافكار كما الى الأقوال والأعمال . واذ اقتنعوا بلزوم قداسة القلب كما بوجوب استقامة السلوك الخارجي عكفوا على أن يحيوا حياة جديدة بكل جد وعزم . وحاولوا بكل الجهود الجدية المصحوبة بالصلاة أن يقمعوا شر القلب الطبيعي . فعاشوا حياة انكار الذات و المحبة والاتضاع، وكانوا بكل دقة وصرامة يراعون كل الاجراءات التي ظنوا أنها قد تعينهم في الحصول على ما كانوا يتحرقون شوقا اليه، القداسة التي تظفر برضى الله . ولكنهم لم ينالوا مطلبهم . وعبثاً حاولوا تحرير أنفسهم من دينونة الخطيئة أو تحطيم قوتها أو سلطانه ا. هذا هو الصراع نفسه الذي اختبره لوثر في حجرته بدير ارفرت . ولقد كان هذا هو السؤال ذاته الذي عذب نفسه: ”كيف يتبرر الانسان عند الله؟“ (أيوب ٩ : ٢). GC 284.1

ان نار الحق الالهي التي كادت تخمد على المذابح البروتست انتية كانت ستشعل من جديد من المشعل القديم الذي قد سلمه المسيحيون في بوهيميا عبر الاجيال لمن جاءوا بعدهم . فالبروتستانتية في بوهيميا بعد أيام الاصلاح امتُهنت وداستها أقدام حشود روم ا. وكل من رفضوا نبذ الحق أجبروا على الهرب. فبعض من هؤلاء اذ وجدوا لانفسهم مل جأ في سكسونيا احتفظوا بالحق القديم هناك . ومن نسل هؤلاء المسيحيين حصل وسلي وزميلاه على النور. GC 284.2

أن جون وتشارلس وسلي بعدما رسما للخدمة ارسلا الى اميركا للتبشير . وكان على ظهر تلك السفينة جماعة من المورافيين . وقد غضبت الطبيعة وثارت العواصف، فاذ وقف جون وسلي وجها لوجه أمام الموت أحس بأن ليس عنده يقين السلام مع الله . أما أولئك الالمان فعلى العكس من ذلك أبدوا هدوءاً وثقة لم يكن هو يعرف عنهما شيئاً. GC 285.1

وقال: ”لقد ظللت طويلا أراقب رزانتهم وحكمة تصرفاتهم وقد برهنوا على الدوام أنهم قوم ودعاء اذ قاموا بخدمات وضيعة لاج ل المسافرين وهذا ما يترفع كل انجليزي عن القيام به، ولم يرغبوا ولا قبلوا أن يأخذوا أجرا عن كل تلك الخدمات، قائلين أنها خير علاج لقلوبهم المتكبرة، وأن مخلصهم الحبيب أسدى اليهم خدمات أجل وأعظم . وقد أعطاهم كل يوم فرصة لاظهار وداعة لم يستطع أن يثيرها أي أذى . فلو أن أحد المسافرين دفعهم أو ضربهم أو طرحهم أرضا فانهم كانوا يقومون ويسيرون في طريقهم من دون أن تصدر من أفواههم كلمة شكوى . وها قد عرضت فرصة لاختبار ما اذا كانوا قد تحرروا من روح الخوف كما قد تحرروا من روح الكبرياء والغضب والانتقام . ففي وسط المزمور الذي رتلو ه وبدأوا به الخدمة هاج البحر فانشق الشراع مِزقا ودخلت المياه السفينة وفاضت على متنها كما لو أن الغمر العظيم قد ابتلعه ا. فسُمعت صرخات مخيفة من الانجليز. أما الالمان فبكل هدوء ظلوا يواصلون الترنيم . وبعد ذلك سألت واحدا منهم قائلا: ”ألم تكن خائفا؟“ فأجابني قائلا: ”شكرا لله فأنا لم أكن خائفا“ فعدت أسأله: ”ولكن ألم يكن أولادكم ونساؤكم خائفين؟“ فقال بكل لطف: ”كلا، لأن نساءنا وأولادنا لا يخافون الموت“ (٢٣٠). GC 285.2

ولدى وصولهم الى سافانا مكث وسلي مع المورافيين وقتا قصيرا وقد أثر فيه سلوكهم المسيحي تأثيرا عميق ا. وعلى نقيض الرسميات الميتة التي كانت تُرى في كنيسة انجلترا كتب عن احدى خدماتهم الدينية يقول: ”ان البساطة العظيمة والوقار الذي شمل الخدمة كلها كادا ينسيانني الالف والسبع مئة سنة السالفة فتصورت نفسي وسط احدى تلك الجماعات التي لم يكن فيها وجود للرسميات أو المقامات، بل كان يرأس الاجتماع بولس صانع الخيام أو بطرس الصياد؛ ولكن في تلك الخدمات كان يتجلى الروح والقوة“. GC 285.3