خواطر من جبل البَرَكَة
« لاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ » (متى 6: 13)
التجربة هي الإغواء ليرتكب الإنسان الخطية، وهي لا تأتي من الله بل من الشيطان ومن شرّ قلوبنا. « الله غَيْر مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا» (يعقوب 1: 13). ArMB 56.3
يحاول الشيطان أن يدخلنا في التجربة بقصد أن ينكشف شرّ أخلاقنا أمام الناس والملائكة حتى يدّعي أنّ له حق السيطرة علينا. في نبوة زكريا الرمزية يُرى الشيطان واقفا عن يمين ملاك الرب يتهم يهوشع الكاهن العظيم الذي يرتدي ثيابا قذرة ويقاوم العمل الذي يتوق الملاك لأن يعمله لأجله. هذا يصوّر لنا موقف الشيطان حيال كل نفس يحاول المسيح أن يجتذبها إليه. إنّ العدو يوقعنا في الخطية ومن ثـَمّ يشكونا أمام مسكونة السماء على أنّنا غير أهل لمحبة الله. ولكن « فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ يَا شَيْطَانُ! لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ الَّذِي اخْتَارَ أُورُشَلِيمَ! أَفَلَيْسَ هذَا شُعْلَةً مُنْتَشَلَةً مِنَ النَّارِ؟ » (زكريا 3: 2). ثم قال ليهوشع: « انْظُرْ. قَدْ أَذْهَبْتُ عَنْكَ إِثْمَكَ، وَأُلْبِسُكَ ثِيَابًا مُزَخْرَفَةً » (زكريا 3: 4). ArMB 56.4
إنّ الله في محبته العظيمة يحاول أن يربّى فينا فضائل روحه الثمينة. وهو يسمح بأنّنا نواجه العقبات والاضطهاد والمشقات لا على أنّها لعنة بل على أنها أعظم بركة في حياتنا. إنّ كل تجربة نقاومها وكل محنة نتحملها بشجاعة تعطينا اختبارا جديداً وتجعلنا نتقدم في عمل بناء الخلق. فالنفس التي تقاوم التجربة بقوة الله تعلن للعالم ولمسكونة السماء فعالية نعمة المسيح. ArMB 57.1
ولكن في حين أنّه ينبغي ألاّ نفزع من المحنة مهما تكن مريرة يجب أن نصلّي إلى الله حتى لا يسمح بأن نوجد حيث نُجتذَب بعيدا بأهواء قلوبنا الشريرة. إنّنا إذ نقدّم الصلاة التي علمنا المسيح إياها فنحن نسلّم ذواتنا لقيادة الله طالبين منه أن يرشدنا في طرق أمينة. ونحن لا نستطيع أن نقدّم هذه الصلاة بإخلاص في حين أننا نصمم على السير في أي طريق نختاره لأنفسنا. فسننتظر أن ترشدنا يدُه، ونصغي إلى صوته قائلا لنا: « هذِهِ هِيَ الطَّرِيقُ. اسْلُكُوا فِيهَا » (إِشَعْيَاء 30: 21). ArMB 57.2
إنّنا لن نكون بمأمن إذا كنا نتوانى لنتأمّل في المنافع التي يمكن أن نجتنيها فيما لو خضعنا لمقترحات الشيطان. إنّ الخطية معناها العار والكوارث لكل نفس تنغمس فيها. ولكنّها تعمي وتخدع في طبيعتها وهي تغوينا بعروضها الخادعة. فإذا جازفنا بالدخول إلى أرض الشيطان. فلا يوجد لنا ضمان للحفظ من قوته. وعلى قدر ما نستطيع ينبغي أن نسدّ كل منفذ يمكن للمجرّب أن يصل منه إلينا. ArMB 57.3
إنّ الطلبة القائلة: « لاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ » هي في ذاتها وعد. فإذا سلمنا ذواتنا لله فلنا هذا التأكيد: « لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا» (1 كورنثوس 10: 13). ArMB 57.4
إنّ الواقي الوحيد من الشرّ هو سكنى المسيح في القلب بالإيمان ببرّه. فلكون الأنانية رابضة في قلوبنا تتغلب التجربة علينا. ولكن عندما نرى محبة الله العظيمة تبدو الأنانية أمامنا في صفتها الفظيعة المنفرة ونتوق إلى طردها من النفس. فإذ يمجّد الرُّوح الْقُدُس المسيح تلين قلوبنا وتخضع وتتجرد التجربة من قوتها وتغير نعمة الله الخلق. ArMB 57.5
لن يترك المسيح النفس التي قد مات لأجلها. إنّ النفس قد تتركه فتطغى عليها التجربة، ولكن المسيح لا يمكنه أبداً أن يبتعد عن واحد ممّن قد قدم نفسه فدية عنهم. فلو صارت بصيرتنا الروحية حادة وقوية لكنا نرى النفوس منحنية تنوء تحت الظلم ومثقلة بالحزن ومضغوطا عليها كعجلة تحت الحزم وموشكة على الموت في خيبة الأمل والخوف، ولرأينا الملائكة وهم يطيرون بسرعة لنجدة هؤلاء المجربين الذين يقفون كأنما على حافة هوّة. إنّ الملائكة من السماء يصدّون أجناد الشر الذين يحاصرون هذه النفوس وترشدها إلى ترسيخ أقدامها على الأساس الوطيد. إنّ المعارك المحتدمة بين الجيشين هي حقيقية كالمعارك التي تخوضها جيوش العالم، وعلى نتيجة الصراع الروحي تتوقف المصائر الأبدية. ArMB 57.6
لنا يقال كما قد قيل لبطرس: « هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ! وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ » (لوقا 22: 31، 32). شكراً لله، فنحن غير متروكين وحدنا. فذاك الذي « لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ » (يوحنا 3: 16). لن يتركنا في المعركة مع عدو الله والإنسان. وهو يقول: « هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَانًا لِتَدُوسُوا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ الْعَدُوِّ، وَلاَ يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ » (لوقا 10: 19). ArMB 57.7
عيشوا على اتصال بالمسيح الحي فيمسككم بقوة في يده التي لن تفلت أحدا. اعرفوا المحبة التي يكنّها الله لنا وآمنوا بها فتكونوا في أمان، لأنّ تلك المحبة حصن منيع ضدَ كل مخادعات الشيطان وهجماته. « اِسْمُ الرَّبِّ بُرْجٌ حَصِينٌ، يَرْكُضُ إِلَيْهِ الصِّدِّيقُ وَيَتَمَنَّعُ » (أمثال 18: 10). ArMB 58.1