قِصَّة الفداء

91/229

إرجاع التابوت إلى إسرائيل

لم يؤيِّد البعض إعادة التابوت. كان مِن المُهين إعادة تابوت العهد، وقد ألحُّوا على الفلسطينيِّين ألَّا يغامر أحدٌ منهم بحياته ويحمل تابوت إله إسرائيل الذي جلب مِثل هذا الموت عليهم. ناشد مُستشاروهم الناسَ ألَّا يُقسُّوا قلوبهم، كما فعل المصريُّون وفرعون، وإلَّا فسيتسبَّبون بالمزيد مِن المصائِب والضربات التي ستقع عليهم. وإذ كانوا جميعًا مُرتعدين مِن أخذ تابوت عهد الله، نصحهم المُشيرون قائلين: «فَالآنَ خُذُوا وَاعْمَلُوا عَجَلَةً وَاحِدَةً جَدِيدَةً وَبَقَرَتَيْنِ مُرْضِعَتَيْنِ لَمْ يَعْلُهُمَا نِيرٌ، وَارْبِطُوا الْبَقَرَتَيْنِ إِلَى الْعَجَلَةِ، وَأَرْجِعُوا وَلَدَيْهِمَا عَنْهُمَا إِلَى الْبَيْتِ. وَخُذُوا تَابُوتَ الرَّبِّ وَاجْعَلُوهُ عَلَى الْعَجَلَةِ، وَضَعُوا أَمْتِعَةَ الذَّهَبِ الَّتِي تَرُدُّونَهَا لَهُ قُرْبَانَ إِثْمٍ فِي صُنْدُوق بِجَانِبِهِ وَأَطْلِقُوهُ فَيَذْهَبَ. وَانْظُرُوا، فَإِنْ صَعِدَ فِي طَرِيقِ تُخُمِهِ إِلَى بَيْتَشَمْسَ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي فَعَلَ بِنَا هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ. وَإِلاَّ فَنَعْلَمُ أَنْ يَدَهُ لَمْ تَضْرِبْنَا. كَانَ ذلِكَ عَلَيْنَا عَرَضًا. فَفَعَلَ الرِّجَالُ كَذلِكَ، وَأَخَذُوا بَقَرَتَيْنِ مُرْضِعَتَيْنِ وَرَبَطُوهُمَا إِلَى الْعَجَلَةِ، وَحَبَسُوا وَلَدَيْهِمَا فِي الْبَيْتِ، وَوَضَعُوا تَابُوتَ الرَّبِّ عَلَى الْعَجَلَةِ مَعَ الصُّنْدُوقِ وَفِيرَانِ الذَّهَبِ وَتَمَاثِيلِ بَوَاسِيرِهِمْ. فَاسْتَقَامَتِ الْبَقَرَتَانِ فِي الطَّرِيقِ إِلَى طَرِيقِ بَيْتَشَمْسَ، وَكَانَتَا تَسِيرَانِ فِي سِكَّةٍ وَاحِدَةٍ وَتَجْأَرَانِ، وَلَمْ تَمِيلاَ يَمِينًا وَلاَ شِمَالاً، وَأَقْطَابُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ يَسِيرُونَ وَرَاءَهُمَا إِلَى تُخُمِ بَيْتَشَمْسَ» (صموئيل الأوّل ٦: ٧-١٢). SRAr 189.2

كان الفلسطينيُّون على علم بأنَّ البقرتين لن تتركا ولديهما في البيت دون أنْ تدفعهما قوَّة خفيَّة ما لعمل ذلك. سارت البقرتان مُباشرة نحو بيتشمس، وكانتا تجأران لأجل ولديهما، ومع ذلك كانتا تبتعدان مُباشرة عنهما. كان أقطاب الفلسطينيِّين يسيرون وراء التابوت إلى حدود بيتشمس، ولم يتجرَّأوا على أنْ يأتمنوا البقرتين بالكامل على التابوت المُقدَّس. كانوا يخشون أنْ تقع عليهم مصائب أعظم في حال أصابه أيُّ مكروه. ولم يعلموا أنَّ ملائكة الله كانوا يرافقون التابوت ويُرشدون البقرتين في مسارهما نحو المكان حيث كان التابوت موجودًا في الأصل. SRAr 190.1

عِقاب الاستخفاف SRAr 190.2

كان أهل بيتشمس يحصدون حصادهم في الحقول، وعندما رأوا تابوت عهد الله مُحمَّلًا على عجلة تسحبها البقرتان، فرحوا فرحًا عظيمًا. لقد عرفوا أنَّ الأمر كان مِن عمل الله. جرَّت البقرتان العجلة التي كان عليها تابوت العهد حتَّى وصلتا إلى حجر كبير، ووقفتا هناك بشكل تلقائيّ. أنزل اللاويُّون تابوت عهد الربِّ وتقدمة الإثم التي أرسلها الفلسطينيُّون، وقدَّموا العجلة والبقرتين، اللتين حملتا التابوت المقدّس، وتقدمة الفلسطينيِّين مُحرقة للربِّ. عاد أقطاب الفلسطينيِّين إلى عقرون، وتوقَّفت الضربة. SRAr 190.3

دفع الفضول أهل بيتشمس ليكتشفوا القوَّة التي يمكن أنْ تكون داخل ذلك التابوت، والتي جعلته يقوم بمثل تلك الأعمال الرائعة. لقد نظروا إلى التابوت في حدِّ ذاته وكأنَّه يملك قوَّة عظيمة، ولم ينسبوا القوَّة إلى الله. لم يكن بإمكان أحد، سوى بعض الرجال المُكرَّسين لهذا الغرض، النظر إلى التابوت عند تجريده من غِطائه، دون أنْ يلاقي حتفه، وذلك لأنَّ هذا التصرُّف كان بمثابة النظر إلى الله ذاته. وإذ أشبع الشعب فضولهم وفتحوا التابوت لِيُحدِّقوا النظر في داخل ثناياه المقدَّسة، وهو الأمر الذي لم يجرؤ على فعله حتَّى الفلسطينيُّون الوثنيُّون، ضرب الملائكةُ مَن كانوا يلازمون التابوت أكثر مِن خمسين ألف رجل مِن الشعب. SRAr 191.1

وخاف أهل بيتشمس مِن التابوت، وقالوا: «‹مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَقِفَ أَمَامَ الرَّبِّ الإِلهِ الْقُدُّوسِ هذَا؟ وَإِلَى مَنْ يَصْعَدُ عَنَّا؟› وَأَرْسَلُوا رُسُلاً إِلَى سُكَّانِ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ قَائِلِينَ: ‹قَدْ رَدَّ الْفِلِسْطِينِيُّونَ تَابُوتَ الرَّبِّ، فَانْزِلُوا وَأَصْعِدُوهُ إِلَيْكُمْ›” (صموئيل الأوّل ٦: ٢٠-٢١). أتى أهل قرية يعاريم بتابوت عهد الربِّ إلى بيت أبيناداب وكرَّسوا ابنه لحِراسة التابوت. ولمدَّة عشرين سنة بقي العبرانيُّون خاضعين لقوَّة الفلسطينيِّين، وقد تواضعوا كثيرًا وتابوا عن خطاياهم، وتضرَّع صموئيل مِن أجلهم، ومرَّة أخرى رحمهم الله. فصنع الفلسطينيُّون حربًا معهم، وتدخَّل الربُّ بطريقة معجزيَّة لأجل إسرائيل، فانتصروا على أعدائهم. SRAr 191.2

ظلَّ تابوت العهد في بيت أبيناداب إلى أنْ تُوِّج داود ملكًا. جمع داود جميع الرجال المنتخبين مِن إسرائيل، ثلاثين ألفًا، وذهب ليُصعِد تابوت عهد الله. وضعوا التابوت على عجلة جديدة وأخرجوه مِن بيت أبيناداب. وكان عُزَّة وأخيو، ابنا أبيناداب، يسوقان العجلة. وراح داود وكلُّ بيت إسرائيل يلعبون أمام الربِّ بكلِّ أنواع الآلات الموسيقيَّة. «وَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى بَيْدَرِ نَاخُونَ مَدَّ عُزَّةُ يَدَهُ إِلَى تَابُوتِ اللهِ وَأَمْسَكَهُ، لأَنَّ الثِّيرَانَ انْشَمَصَتْ. فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى عُزَّةَ، وَضَرَبَهُ اللهُ هُنَاكَ لأَجْلِ غَفَلِهِ، فَمَاتَ هُنَاكَ لَدَى تَابُوتِ اللهِ» (صموئيل الثاني ٦: ٦-٧). غضب عزَّة مِن الثيران لأنَّها تعثَّرت. وبذلك فهو قد أظهر شكًّا واضحًا في الله، وكأنَّما ذاك الذي أتى بالتابوت مِن أرض الفلسطينيِّين لا يقدر أنْ يهتمَّ به. والملائكة الذين كانوا يُلازمون التابوت ضربوا عزَّة بسبب استهانته وتسرُّعه في وضع يده على تابوت عهد الله. SRAr 191.3

«وَخَافَ دَاوُدُ مِنَ الرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ وَقَالَ: «كَيْفَ يَأْتِي إِلَيَّ تَابُوتُ الرَّبِّ؟” وَلَمْ يَشَأْ دَاوُدُ أَنْ يَنْقُلَ تَابُوتَ الرَّبِّ إِلَيْهِ، إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ، فَمَالَ بِهِ دَاوُدُ إِلَى بَيْتِ عُوبِيدَ أَدُومَ الْجَتِّيِّ» (صموئيل الثاني ٦: ٩-١٠). كان داود يعلم بأنَّه رجل خاطئ، وكان يخشى أنْ يكون متعجرفًا أو مستخفًّا بطريقة ما، فيجلب على نفسه غضب الله كما حدث مع عُزَّة. «وَبَقِيَ تَابُوتُ الرَّبِّ فِي بَيْتِ عُوبِيدَ أَدُومَ الْجَتِّيِّ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. وَبَارَكَ الرَّبُّ عُوبِيدَ أَدُومَ وَكُلَّ بَيْتِهِ» (صموئيل الثاني ٦: ١١). SRAr 192.1

أراد الله أنْ يُعلِّم شعبه أنَّه في حين سبَّب تابوت عهده الرعب والموت للذين تعدّوا على وصاياه المحفوظة فيه، فهو أيضًا بَركة وقوَّة للذين أطاعوا. وعندما سمع داود أنَّ بيت عوبيد قد نالوا بَركة عظيمة، وأنَّ كلَّ ما كان له قد ازدهر بفضل تابوت عهد الله، تلهَّف لأنْ يأتي بالتابوت إلى مدينته. ولكنْ، قبل أنْ يُقدِم على نقل التابوت المقدَّس، قدَّس نفسه أمام الله وأمرَ الرجال في أعلى مراكز السُّلطة في المملكة أنْ يمتنعوا عن أيَّة أعمال دنيويَّة، وعن كلِّ ما مِن شأنه أنْ يُلهي أذهانهم عن العبادة المقدَّسة. وهكذا توجَّب عليهم أنْ يُقدِّسوا أنفسهم بهدف إيصال التابوت المُقدَّس إلى مدينة داود. «فَذَهَبَ دَاوُدُ وَأَصْعَدَ تَابُوتَ اللهِ مِنْ بَيْتِ عُوبِيدَ أَدُومَ إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ بِفَرَحٍ …” (صموئيل الثاني ٦: ١٢). SRAr 192.2

«فَأَدْخَلُوا تَابُوتَ الرَّبِّ وَأَوْقَفُوهُ فِي مَكَانِهِ فِي وَسَطِ الْخَيْمَةِ الَّتِي نَصَبَهَا لَهُ دَاوُدُ. وَأَصْعَدَ دَاوُدُ مُحْرَقَاتٍ أَمَامَ الرَّبِّ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ» (صموئيل الثاني ٦: ١٧). SRAr 193.1