قِصَّة الفداء

7/229

الشيطان يسعى لاستعادة منصبه

ارتعدَ الشيطان وهو يُشاهد ما أتى به مِن أفعال، وأخذ يُفكِّر وحيدًا في الماضي والحاضر وبخططه في المُستقبل. لقد ارتجَّ كيانه كما لو أنَّه في عاصفة. كان ملاكٌ مِن السماء عابراً، فناداه الشيطان وتوسَّل إليه في طلب مُقابلة مع المسيح، وقُبِل طلبه. قال الشيطان لابن الله أنَّه قد تاب عن تمرُّده ويأمل أنْ يستعيد رضا الله. كان على استعداد لأنْ يشغل المنصب الذي عيَّنه له الله سابقًا ويكون تحت أمره الحكيم. بكى المسيح على المحنة التي حلَّت بالشيطان، ولكن قال له ــ وهو (أي المسيح) فكرُ الله ــ أنَّه لا يُمكن قبوله في السماء. لا ينبغي أنْ تُوضع السماء في خطر. إنَّ السماء بأسرها سيشوبها الفساد في حال قُبِل فيها مِن جديد لأنَّه هو مصدر الْخَطِيَّةِ والتمرُّد، وهو ما يزال يحتضن بِذار التمرُّد، ولم يكن هناك سبب لاتِّباعه مسلك التمرُّد مِن الأساس، وهو لم يدمِّر نفسه بشكل يائس وحسب، بل دمَّر معه جمعًا غفيرًا مِن الملائكة الذين كان يُمكِن أنْ يبقوا سُعداء في السماء لو أنَّه ظلَّ أمينًا وثابتًا. إنَّ شريعة الله تقدر أنْ تدين، لكنَّها لا تقدر أنْ تعفو. SRAr 26.1

إنَّ الشيطان لم يتب عن تمرُّده نتيجة إدراكه لصلاح الله الذي أساء هو إليه. كان مِن المستحيل أنْ يكون حُبَّه لله قد ازداد إلى هذا الحدِّ منذ سقوطه بحيث يقوده إلى الخضوع بفرح وطاعة لشريعة الله التي احتقرها. إنَّ البؤس الذي أدركه ولاحظه عندما فَقَدَ نور السماء الجميل، والشعور بالذنب الذي فرض نفسه عليه، وخيبة الأمل التي اختبرها وجلبها على نفسه في عدم تمكُّنه مِن تحقيق ما كان يصبو إليه، كانت سبب حزنه وكآبته. إنَّ كونه قائدًا خارج السماء اختلف اختلافًا هائلًا عن كونه قائِدًا مُكرَّمًا في السماء. إنَّ ما تكبَّده مِن خسارة لكلِّ مزايا السماء بَدَا أكثر ممَّا أمكنه تحمُّله، فتاق لأنْ يستعيد ذلك كلَّه. SRAr 26.2

هذا التغيير الكبير في المركز لم يدفع الشيطان لأنْ يزداد حبًّا لله ولا لِحِكْمة شريعته وعدالتها. عندما اقتنع الشيطان تمامًا أنَّه لم يعد ممكناً على الإطلاق أنْ يستعيد مركزه في رضا الله، أظهر حقده بمزيد مِن الكُره والعُنف المُلتهِب. SRAr 27.1

كان الله يعلم بأنَّ مثل هذا التمرُّد الحاسِم لن يظلَّ خامِدًا، حيث أنَّ الشيطان كان مُزمعاً أنْ يبتكر سبلًا ليُزعِج بها الملائكة السماويِّين ولِيُظهر ازدراءه بسُلطة الله. وإذ كان ممنوعًا مِن دخول أبواب السماء، فها هو ينوي أنْ ينتظر بالقرب مِن المدخل لِيَتهكَّم على الملائكة سعيًا لإثارة الخلاف والجدال بينهم عند دخولهم وخروجهم. وسوف يحاول تدمير السعادة التي يهنأ بها آدم وحوَّاء وأنْ يسعى جاهِدًا ليُحرِّضهم على التمرُّد إذ كان يعلم أنَّ هذا سيُسبّب حُزنًا في السماء. SRAr 27.2