قِصَّة الفداء
الامتحان الأسمى للإيمان
رأى الربُّ مرَّة أخرى أنَّه مِن المُلائم أنْ يمتحن إيمان إبراهيم بأكثر تجربة مُخيفة. لو أنَّه كان قد تحمَّل وصمد أمام الامتحان الأوَّل وانتظر بصبر إتمام الوعد في سارة ولم يأخذ هاجر زوجة له، لَما كان عليه أنْ يخضع لأقسى امتحان يُمكِن أن يُفرَض على إنسان. أمرَ الربُّ إبراهيم: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ» (تكوين ٢٢: ٢). SRAr 80.3
إنَّ إبراهيم لم يساوره الشكُّ في الله ولم يتردَّد، وفي الصباح الباكر أخذ اثنين مِن غلمانه وإسحق، ابنه، والحطب لأجل المُحرقة، وذهبوا إلى المكان الذي أخبره الله به. لم يكشف إبراهيم لسارة الطبيعة الحقيقيَّة لرحلته، إذ كان مُدركًا أنَّ محبَّتها لإسحق ستؤدِّي بها إلى عدم الثِّقة بالله والتمسُّك بابنها. لم يسمح إبراهيم لمشاعره الأبويَّة بأنْ تتحكَّم فيه وتقوده إلى التمرُّد على الله. كان القصد مِن أمر الله هو أنْ يهزَّ أعماق نفس إبراهيم. «خذ ابنك”. بعد ذلك، أضاف قائلًا وكأنّه يسبر غور قلب إبراهيم بعُمقٍ أكثر: «وحيدك، الذي تُحبُّه، إسحق»؛ الذي هو ابن الموعد الوحيد، «وأصعِده… مُحرقة». SRAr 80.4
وعلى مدى ثلاثة أيَّام سافر هذا الأب مع ابنه، ممَّا أعطاه الوقت الكافي لِيُجادِل ويشكّك في الله لو قرَّر ذلك. لكنَّه لم يفقد ثقته بالله، ولم يُفكِّر حينئذ بأنَّ الوعد سيتحقَّق مِن خلال إسماعيل، وذلك لأنَّ الله أخبره صراحة أنَّ الوعد سيتحقَّق مِن خلال إسحق. SRAr 81.1
آمن إبراهيم بأنَّ إسحق هو ابن الموعد. وآمن أيضًا بأنَّ الله كان يعني ما يقوله تمامًا عندما أمره أنْ يذهب ليُقدِّم ابنه مُحرقة. وهو لم يتزعزع مترنِّحًا تجاه الوعد الإلهي، بل آمن أنَّ الله، الذي بعنايته الإلهية أعطى سارة ابنًا في شيخوختها وطلب منه أنْ يُنهي حياة ذلك الابن، يقدر أيضًا أنْ يهب الحياة ثانية ويُقيم إسحق مِن الأموات. SRAr 81.2
ترك إبراهيم الغُلامَين في الطريق، وقال أنَّه سيذهب لوحده مع ابنه للعبادة بعيدًا عنهما. لم يسمح لغلاميه أنْ يرافقاهما لئلَّا تمنعهما محبَّتهما لإسحق مِن تنفيذ ما أمره به الله. أخذ الحطب مِن أيدي الغلمان ووضعه على كتفي ابنه، كما أخذ أيضًا السكِّين والنار. كان مُستعدًّا لتنفيذ المهمَّة المُخيفة الموكلة إليها مِن الله. سار الأب والابن معًا. SRAr 81.3
«وَكَلَّمَ إِسْحَاقُ إِبْرَاهِيمَ أَبِاهُ وَقَالَ: ‹يَا أَبِي!›. فَقَالَ: ‹هأَنَذَا يَا ابْنِي›. فَقَالَ: ‹هُوَذَا النَّارُ وَالْحَطَبُ، وَلكِنْ أَيْنَ الْخَرُوفُ لِلْمُحْرَقَةِ؟› فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: ‹اللهُ يَرَى لَهُ الْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ يَا ابْنِي›. فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعًا» (تكوين ٢٢: ٧-٨). وبخطى ثابتة سار ذلك الأب القويّ المُحِبّ المُعذَّب إلى جانب ابنه. وإذ اقتربا مِن المكان الذي عيَّنه الله لإبراهيم، بنى هُناك مذبحًا ووضع عليه الحطب للتقدمة، ثمَّ أخبر ابنه إسحق بأنَّ الله أمر أنْ يُقدِّمه كمُحرقة. وأعادَ عليه الوعد الذي قطعه الله معه عدَّة مرَّات والقائل أنَّه بإسحق سيُصير أمَّة عظيمة وأنَّ الله سيُحقّق وعده مِن خلال أنْ يقوم بتنفيذ أمر الله بأنْ يذبحه، فالله قادر أنْ يُقيمه مِن الأموات. SRAr 82.1