قِصَّة الفداء

211/229

لا حاجة أنْ ينخدع أحد

ولكنْ، لا حاجة لأحد أنْ ينخدع بالادِّعاءات الكاذبة التي يدَّعيها المتَّصلون بالأرواح. لقد أعطى الله العالَم نورًا كافيًا ليمكِّن الناس مِن اكتشاف الفخ. وإذا لم يكن هناك دليل آخر، فيكفي المسيحيَّ أنْ يعلم أنَّ الأرواح لا تُفرِّق بين البِرِّ والْخَطِيَّةِ، وبين أنبل رسل المسيح وأطهرهم مِن جهة، وأنجس عبيد الشيطان مِن جهة أخرى. فإذ يصوِّرون أرذل الناس على أنَّهم في السماء ولهم فيها مكانة رفيعة، فالشيطان يُعلن بصورة عملية للعالَم: «مهما كنتم أشرارًا وسواء آمنتم بالله والكتاب المُقدّس أم لا، عيشوا كما يحلو لكم؛ فالسماء هي موطنكم”. SRAr 396.2

بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الرُّسل، كما تُصوِّرهم وتُقلِّدهم هذه الأرواح الكاذبة، يُناقضون ما كتبوه بوحي الروح القدس حين كانوا أحياء على الأرض، ويُنكرون أنَّ مصدر الكتاب المقدَّس هو الله، وهكذا يُقوِّضون أساس الرجاء المسيحيّ ويُطفئون النور الذي يكشف الطريق المؤدِّي إلى السماء. SRAr 396.3

إنَّ الشيطان يجعل العالَم يعتقد بأنَّ الكتاب المقدَّس هو مُجرَّد قصص خياليَّة، أو على الأقلِّ أنَّه كتاب لا يصلح للجنس البشريِّ إلَّا في أيَّام طفولته الأولى، أمَّا الآن فيجب أنْ يُستخفَّ به أو يُلقى به جانبًا كما لو كان شيئًا عفا عليه الزمن. وفي مكان كلمة الله يعرض الشيطان الظهورات الروحانيَّة. وهنا قناة تخضع لسيطرته بالكامل؛ وبها يستطيع أنْ يجعل العالَم يعتقد بما يريده هو. فيضع في الظِلِّ الكتابَ الذي سيدينه هو وتابعيه وأعوانه تمامًا حيث يريد؛ وهو يجعل مُخلِّص العالَم مُجرَّد إنسانٍ عاديٍّ لا أقلَّ ولا أكثر. وكما أنَّ عساكر الرومان الذين كانوا يحرسون قبر يسوع نشروا الخبر الكاذب الذي لقَّنهم إيَّاه الكهنة والشيوخ ليكذِّبوا نبأ قيامته، كذلك يحاول مَن يؤمنون بالإعلانات والمظاهر الروحانيَّة أنْ يجعلوا الأمر يبدو كما لو أنَّ ما مِن شيء عجائبيّ في ظروف حياة مُخلِّصنا. فبعدما يحاولون بهذه الطريقة أنْ يضعوا يسوع في المؤخِّرة، يُوجِّهون الأنظار إلى مُعجزاتهم هم ويُعلِنون أنَّها تفوق معجزات المسيح بأشواط. SRAr 396.4

يقول النبيُّ إشعياء: «وَإِذَا قَالُوا لَكُمُ: «اطْلُبُوا إِلَى أَصْحَابِ التَّوَابعِ وَالْعَرَّافِينَ الْمُشَقْشِقِينَ وَالْهَامِسِينَ». «أَلاَ يَسْأَلُ شَعْبٌ إِلهَهُ؟ أَيُسْأَلُ الْمَوْتَى لأَجْلِ الأَحْيَاءِ؟” إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ!” (إشعياء ٨: ١٩، ٢٠). فلو كان الناس على استعداد ليقبلوا الحقَّ المُبيَّن بكلِّ وضوح في الأسفار المُقدَّسة عن حالة الموتى وعن عدم وعيهم، لرأوا في ادِّعاءات بدعة مناجاة الأرواح وإعلاناتها الشيطانَ وهو يعمل بقوَّة وبآيات وعجائب كاذبة. إنَّ جماهير كثيرة مِن الناس يُغمِضون عيونهم كي لا يروا النور بدلًا مِن أنْ يتخلّوا عن الحرِّيَّة التي هي مقبولة جدًّا لدى القلب الشهوانيّ وعن الخطايا التي يحبُّونها. وهم يتقدَّمون في طريقهم إلى الأمام غير مكترثين للإنذارات، في حين أنَّ الشيطان ينسج فخاخه حولهم وهكذا يُصبحون فريسة له: «لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا»، لذلك «سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ» (٢ تسالونيكي ٢: ١٠، ١١). SRAr 397.1

إنَّ الذين يُقاومون تعاليم عقيدة مناجاة الأرواح لا يهاجمون الناس وحسب، بل يهاجمون الشيطان وملائكته أيضًا. لقد اشتبكوا في حرب مع الرياسات والسلاطين وأجناد الشرِّ الروحيَّة في السماويَّات. ولن يتخلَّى الشيطان عن موقع قدم واحد مِن أرضه إلَّا إذا كانت قوَّة رسل السماء هي التي تصدُّه وتطرده. وينبغي لشعب الله أنْ يكونوا قادرين على منازلته كما قد فعل المُخلِّص، بقولهم: «مكتوب”. والشيطان يستطيع أنْ يقتبس الآيات الكتابيَّة في أيَّامنا هذه كما كان في أيَّام المسيح، وهو سيُحرِّف تعاليم الكتاب المُقدَّس ليدعم بها ضلالاته. لكنَّ عبارات الكتاب الصريحة ستُعِدُّ أسلحة قويَّة في كلِّ صراع. SRAr 398.1

فالذين يريدون الثبات والصمود في هذا الوقت الخطِر ينبغي لهم أنْ يفهموا شهادة الأسفار المُقدَّسة الخاصَّة بطبيعة الإنسان وحالة الموتى، لأنَّه في المستقبل القريب سيُواجَه كثيرون بأرواح الشياطين وهي تُقلِّد أقرباءهم أو أصدقاءهم الأحبَّاء وتنطق بأخطر الضلالات. هؤلاء الزوَّار سيلجأون إلى أرقِّ عواطفنا وسيصنعون عجائب لتدعم ذرائعهم وادِّعاءاتِهم. فعلينا أنْ نستعدَّ ونتأهَّب للصمود أمامهم بقوَّة الحقِّ الذي في الكتاب المُقدَّس والقائل بأنَّ الموتى لا يعلمون شيئًا، وأنَّ الذين يظهرون هكذا ما هم إلَّا أرواح شياطين. SRAr 398.2

لقد ظلَّ الشيطان يستعدُّ طويلًا لصراعه الأخير لتضليل العالَم. وكان أساس عمله التأكيد الذي قدَّمه إلى حوَّاء في عدن: «لَنْ تَمُوتَا!... يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ» (تكوين ٣: ٤، ٥). وشيئًا فشيئًا أعِدَّ الطريق لتحفته المُضلِّلة في نشر مُناجاة الأرواح. إنَّه لم يصل بعد إلى تحقيق أغراضه كاملة؛ لكنَّه سيصل إلى ذلك في ما تبقَّى مِن الوقت، والعالَم كلُّه سينساق وينحاز إلى صفوف هذا الضلال. وبينما يركن الناس بسرعة إلى طمأنينة كاذبة، يوقظهم غضب الله الذي ينسكب عليهم. SRAr 398.3