قِصَّة الفداء

198/229

خائبون ولكن غير متروكين

ولكنْ، كان لا بدَّ أنْ يُصابوا بالخيبة مرَّة أخرى. لقد مرَّ وقت الانتظار ولم يظهر مخلِّصهم. وراحوا ينظرون إلى الأمام في انتظار مجيئه بثقة ثابتة، والآن ها هم يشعرون كما شعرت مريم عندما ذهبت إلى قبر المخلِّص ووجدته فارغًا، فصرخت باكية تقول: «إِنَّهُمْ أَخَذُوا سَيِّدِي، وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ!” (يوحنَّا ٢٠: ١٣). SRAr 371.3

إنَّ شعورهم بالرهبة والخوف مِن أنْ تكون الرسالة صادقة وصحيحة كان رادعًا للعالَم غير المؤمن لبعض الوقت. وهذا الشعور لم يختفِ في الحال بعد انقضاء المهلة؛ ولم يتجرَّأوا على الشماتة بِمَن خابت آمالهم، ولكنْ عندما لم تُر أيَّة علامة على غضب الله، أفاقوا مِن خوفهم واستأنفوا تعييرهم وسخريتهم. إِنَّ كثيرين ممَّن كانوا قد اعترفوا بإيمانهم بقرب مجيء الربِّ هجروا إيمانهم. وبعض الذين كانت لهم ثقة شديدة طعنوا بِعُمقٍ في كبريائهم بحيث شعروا برغبة في الهروب مِن العالَم. فتذمَّروا على الله وطلبوا الموت لأنفسهم بدلًا مِن الحياة، كما فعل يونان. إنَّ الذين أسَّسوا إيمانهم على آراء الآخرين، لا على كلمة الله، صاروا الآن على استعداد لتغيير آرائهم مرَّة أخرى. وقد كسب الساخرون الجبناءَ والمستضعفين إلى صفوفهم، واتَّحدوا جميعًا في إعلان أنَّه لم تعد هناك مخاوف أو توقُّعات الآن. لقد مرَّ الوقت ولم يأتِ الربُّ، وقد يظلُّ العالَم على حاله آلاف السنين. SRAr 372.1

ترك المؤمنون الصادقون الغيُّورون كلَّ شيء في سبيل المسيح، وتمتَّعوا بحضوره كما لم يتمتَّعوا مِن قبل. لقد قدَّموا ــ حسب اعتقادهم ــ آخر إنذار للعالَم، وإذ كانوا ينتظرون أنْ يُقبَلوا عمَّا قريب في عِشرة سيِّدهم الإلهيّ وملائكة السماء انسحبوا إلى حدٍّ كبير مِن جموع غير المؤمنين. لقد صلُّوا بشوق حارّ قائلين: «تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ» (رؤيا يوحنَّا ٢٢: ٢٠)، لكنَّه لم يأتِ. والآن إذ كان عليهم أنْ يعودوا ليحملوا أعباء الحياة وارتباكاتها الثقيلة مِن جديد ويتحمَّلوا تعيير العالَم الساخر وهزئه، كانت تلك بالفعل تجربة قاسية مرعبة لإيمانهم وصبرهم. SRAr 372.2

ومع ذلك، فإنَّ هذه الخيبة لم تكن بجسامة الخيبة التي مرَّ بها التلاميذ في وقت المجيء الأوَّل للمسيح. فعندما دخل يسوع أورشليم منتصرًا، اعتقد تابعوه أنَّه على وشك أنْ يعتلي عرش داود ويخلِّص إسرائيل مِن ظالميهم. فبآمال عالية وتوقُّعات مُفرحة راحوا يتسابقون فيما بينهم لإكرام مليكهم. وكثيرون منهم فرشوا ثيابهم في الطريق كبساط يمرُّ عليه، أو كانوا ينثرون سعوف النخيل وأغصان الشجر في طريقه. وفي فرحهم الحماسيّ هتفوا معًا قائلين: «أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ!” (متَّى ٢١: ٩). SRAr 372.3

عندما طلب الفرِّيسيُّون منه أنْ ينتهر تلاميذه إذ أزعجتهم هزَّة الفرح تلك، أجابهم يسوع قائلًا: «إِنْ سَكَتَ هَؤُلاءِ فَالْحِجَارَةُ تَصْرُخُ!” (لوقا ١٩: ٤٠). كان ينبغي أنْ تتمَّ النبوءة. كان التلاميذ يُتمِّمون قصد الله؛ وبالرغم مِن ذلك فقد حُكِم عليهم بأنْ يُصابوا بخيبة أمل مريرة. فما إنْ مرَّت أيَّام قليلة حتَّى شاهدوا مخلِّصهم يُعاني آلام الموت ويُوضع في القبر. إنَّ توقُّعاتهم لم يتحقَّق منها شيء، فماتت آمالهم بموت يسوع. وهم لم يُدركوا إلَّا بعد قيامة سيِّدهم مُنتصرًا مِن القبر أنَّ كلَّ تلك الأحداث كان الأنبياء قد سبقوا وأنبأوا بها، وأنَّه «كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ» (أعمال الرسل ١٧: ٣). وبنفس هذا الأسلوب تمَّت النبوءات بخصوص رسالتَي الملاكَين الأوَّل والثاني. لقد أعطِيَت هذه الرسائل في الوقت المناسب وأتمَّتا العمل الذي قصد الله أنْ يتمَّ مِن خلالهما. SRAr 373.1

كان العالَم يترقَّب منتظرًا أنْ يتخلَّى الناس عن نظام المجيء الثاني بأكمله إذا مرَّ الوقت ولم يظهر المسيح. ولكنْ، في حين أنَّ كثيرين تخلّوا عن إيمانهم تحت ضغط التجارب الشديدة، بقي آخرون ثابتين. ولم يستطيعوا اكتشاف غلطة واحدة في حساباتهم للفترات النبويَّة. ولم ينجح أقوى خصومهم في الإطاحة بموقفهم. لا يمكننا أنْ ننكر أنَّه كانت هنالك خيبة أمل بالنسبة لذلك الحدث المُرتقب، ولكنْ حتَّى هذا لم يكن ليزعزع إيمانهم بكلمة الله. SRAr 373.2

إنَّ الله لم يترك شعبه؛ فلقد مكث روحه مع الذين لم ينكروا بتهوُّر النور الذي حصلوا عليه، ولم يندِّدوا مشهِّرين بحركة المجيء. والرسول بولس، إذ نظر عبر العصور، كتب كلمات لتشجيع المُجرَّبين والمُنتظرين في هذه الأزمة وإنذارهم: «فَلاَ تَطْرَحُوا ثِقَتَكُمُ الَّتِي لَهَا مُجَازَاةٌ عَظِيمَةٌ. لأَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى الصَّبْرِ، حَتَّى إِذَا صَنَعْتُمْ مَشِيئَةَ اللهِ تَنَالُونَ الْمَوْعِدَ. لأَنَّهُ بَعْدَ قَلِيل جِدًّا «سَيَأْتِي الآتِي وَلاَ يُبْطِئُ. أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا، وَإِنِ ارْتَدَّ لاَ تُسَرُّ بِهِ نَفْسِي”. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا مِنَ الارْتِدَادِ لِلْهَلاَكِ، بَلْ مِنَ الإِيمَانِ لاقْتِنَاءِ النَّفْسِ» (عبرانيّين ١٠: ٣٥-٣٩). SRAr 374.1

وكان أَسْلَمُ طريق يسيرون فيه هو أنْ يحتفظوا بالنور الذي حصلوا عليه مِن الله ويعتزُّوا به، ويتمسَّكوا بثبات بوعوده، ويداوموا على تفتيش الأسفار المقدَّسة، وينتظروا بكلِّ صبر، ويسهروا للحصول على نور أعظم. SRAr 374.2