قِصَّة الفداء

11/229

حوَّاء تصير مصدرًا للتجربة

بعد ذلك قطفت حوَّاء لنفسها بعضًا مِن الثمار وأكلت، وتخيَّلت بأنَّها تشعر بالقوَّة المُتسارعة التي جاءت مع كيانها الجديد السامي كنتيجة لتأثير الثمرة المُحرَّمة. لقد دخلت في حالة إثارة غريبة وغير طبيعيَّة وهي تبحث عن زوجها وقد امتلأت يداها بالثمار المُحرَّمة. وقصَّت عليه الخطاب الحكيم الذي سمعَتْهُ مِن الحيَّة، وتمنَّت أنْ تأخذه معها في الحال إلى شجرة المعرفة. قالت له بأنَّها أكلت مِن الثمار، وبدلًا مِن أنْ تشعر بأيّ إحساس بالموت، فإنَّها تختبر تأثيرًا مُسِرًّا ومُنعِشًا. وبمجرَّد أنْ عَصَت حوَّاء وتعدَّت، أصبحت وسيلة قويَّة سيُمكِن مِن خلالها الإيقاع بزوجها. SRAr 35.1

لقد رأيتُ حُزنًا يُخيِّم على ملامِح آدم، حيث بدت عليه علامات الخوف والذهول، وكأنَّ صِراعًا كان يعتمل في ذهنه. قال لحوَّاء بأنَّه كان على يقين مِن أنَّ ذلك كان العدوَّ الذي حُذِّرا منه، وإذا كان الأمر كذلك، فلا بُدَّ أنْ تموت. أكَّدت له حوَّاء بأنَّها لم تشعر بأيِّ تأثير سيِّئ، بل على العكس، فهي تشعر بتأثير مُبهِج جدًّا، وتوسَّلت إليه أنْ يأكل هو أيضًا. SRAr 35.2

أدرك آدم جيِّدًا أنَّ شريكته قد تعدَّت على النهي الوحيد الذي أقامه الله عليهما ليكون امتحانًا لولائهما ومحبَّتهما. احتجَّت حوَّاء بأنَّ الحيَّة قالت بأنَّهما لن يموتا، ولا بُدَّ أنْ تكون صادقة في ما قالته، وذلك لأنَّها لم تشعر بأيّة علامات على استياء الله، بل شعرت بتأثير مُسِرّ كالذي تشعر به الملائكة، بحسب ما كانت تتخيَّل. SRAr 36.1

نَدِم آدم لأنَّ حوَّاء ابتعدت عنه، ولكنْ ها قد حدث ما حدث وينبغي أنْ ينفصل عن تلك التي أحبَّ رفقتها كثيرًا. كيف يُمكن أنْ يكون ذلك؟ فحُبَّه لحوَّاء كان شديدًا. وبمنتهى الإحباط عزم على أنْ يُشاركها مصيرها، واعتقد أنَّ حوَّاء كانت جزءًا منه، وإذا كان لا بُدَّ أنْ تموت فسوف يموت هو معها لأنَّه لم يحتمل فكرة الانفصال عنها. لقد افتَقَر إلى الإيمان برحمة خالقه وصلاحه، ولم يُفكِّر بأنَّ الله الذي جبله مِن تُراب الأرض وجعله نفسًا حيَّة حسنَ الصورة، وخلق حوَّاء لتكون شريكةً له، يقدر أنْ يسدَّ مكانها. على أيَّة حال، ألا يمكن أنْ تكون كلمات تلك الحيَّة الحكيمة صادقة؟ ها هي حوَّاء واقفة أمامه بجمالها ورقَّتها وتبدو عليها البراءة كما كانت قَبْلَ أنْ ترتكب المعصية. لقد عبَّرت عن حُبِّها له أكثر وأعظم ممَّا فعلت قَبْلَ عِصيانها، وهذا تأثير الثمرة التي أكلتها، ولم تُرَ عليها أيَّة علامة مِن علامات الموت. لقد أخبرته عن التأثير المُبهِج الذي تركته الثمرة فيها وعن حُبِّها الشديد له، فقرَّر أنْ يتحمَّل العواقِب. أمسك بالثمرة وجعل يأكل منها بسرعة، ومثل حوَّاء، لم يشعر مُباشرة بآثارها السيِّئة. SRAr 36.2

كانت حوَّاء تظنُّ بأنَّها قادرة على التمييز بين الصواب والخطأ. إنَّ الأمل المُغري بالدخول في حالة مِن المعرفة الأكثر سموًّا قادها إلى الاعتقاد بأنَّ الحيَّة كانت صديقتها المميَّزة التي تهتمُّ اهتمامًا شديدًا بما هو لخيرها. لو أنَّها سَعَت في طلب زوجها وسَرَدا على صانعهما كلمات الحيَّة، لكانا قد أنقِذا على الفور مِن تلك التجربة الماكِرة. إنَّ الربَّ لم يكن ليجعلهما يتفحَّصان ثمر شجرة المعرفة لأنَّهما بذلك سيتعرَّضان للشيطان وهو مُقَنَّع مُتنكِّر. كان الله يعلم بأنَّهما سيكونان بأمان تامٍّ إذا لم يلمسا الثمرة. SRAr 36.3