قِصَّة الفداء
٣٣ - شفاء الأعرج
يعتمد هذا الفصل على ما جاء في سِفر أعمال الرسل ٣ و٤.
بعد حلول الروح القدس بوقت قصير كان بطرس ويوحنَّا صاعدَين إلى الهيكل للعبادة بعد أنْ قضيا فترة في الصلاة الحارَّة، فشاهدا رجلًا بائسًا فقيرًا مُصابًا بالعَرَج، وكان يبلغ الأربعين مِن العمر، ولم يعرف في حياته إلَّا الألم والعجز. وقد اشتاق هذا الرجل السيِّئ الحظِّ لأنْ يذهب إلى يسوع لكي ينال منه الشفاء، ولكنَّه كان عاجزًا عجزًا يكاد يكون كاملًا، وقد أقصِيَ بعيدًا عن مشهد خدمات الطبيب العظيم. أخيرًا أفلحت توسُّلاته المُخلِصة في إقناع بعض الأشخاص الطيِّبين بحَمْلِه إلى باب الهيكل. ولكنْ، لدى وصوله إلى هناك اكتشف أنَّ الشافي، الذي تركَّزت فيه آماله، كان قد مات ميتة قاسية. SRAr 248.1
وقد أثارت خيبته عطف الذين عرفوا كم مِن الوقت بقي ذلك المسكين ينتظر بشوق ولهفة لكي يشفيه يسوع، فكانوا يحملونه إلى الهيكل كلَّ يوم أمَلًا في أنْ تتحرَّك مشاعر العابرين ليجودوا عليه بالقليل ممَّا عندهم ليسدَّ وإعوازاته المُؤقَّتة. فإذ مرَّ به بطرس ويوحنَّا سألهما صَدَقة. فتطلَّع إليه ذانك التلميذان بحنان وإشفاق، وقال له بطرس: «فَتَفَرَّسَ فِيهِ بُطْرُسُ مَعَ يوحنَّا، وَقَالَ: ‹انْظُرْ إِلَيْنَا!› فَلاَحَظَهُمَا مُنْتَظِرًا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا شَيْئًا. فَقَالَ بُطْرُسُ: ‹لَيْسَ لِي فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ، وَلكِنِ الَّذِي لِي فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ: بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ!›» (أعمال الرسل ٣: ٤-٦). SRAr 248.2
تغيَّرت ملامح ذلك الرجل المسكين عندما أعلن بطرس أنَّه فقير، لكنَّه أشرق بعد ذلك وتألَّق بنور الرجاء والإيمان عندما تابع الرسول كلامه. «وَأَمْسَكَهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَهُ، فَفِي الْحَالِ تَشَدَّدَتْ رِجْلاَهُ وَكَعْبَاهُ، فَوَثَبَ وَوَقَفَ وَصَارَ يَمْشِي، وَدَخَلَ مَعَهُمَا إِلَى الْهَيْكَلِ وَهُوَ يَمْشِي وَيَطْفُرُ وَيُسَبِّحُ اللهَ. وَأَبْصَرَهُ جَمِيعُ الشَّعْبِ وَهُوَ يَمْشِي وَيُسَبِّحُ اللهَ. وَعَرَفُوهُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ لأَجْلِ الصَّدَقَةِ عَلَى بَابِ الْهَيْكَلِ الْجَمِيلِ، فَامْتَلأُوا دَهْشَةً وَحَيْرَةً مِمَّا حَدَثَ لَهُ» (أعمال الرسل ٣: ٧-١٠). SRAr 248.3
اندهش اليهود لأنَّ التلاميذ استطاعوا أنْ يصنعوا معجزات شبيهة بما كان يصنعه يسوع. إنَّ يسوع ــ بحسب ما كانوا يظنُّون ــ قد مات، وقد توقَّعوا أنْ تكون مثل تلك المظاهر العجيبة قد انتهت بموته. ومع ذلك، ها هو هذا الرجل الذي كان أعرج وعاجزًا لأربعين سنة يفرح الآن متهلِّلًا لأنَّه استطاع أنْ يُحرِّك أطرافه التي لم يعد فيها أيُّ ألم، وهو الآن سعيد بإيمانه بيسوع. SRAr 249.1
رأى الرسولان دهشة الناس، واستفسرا منهم عن السبب الذي جعلهم يتعجَّبون مِن المُعجزة التي شهدوها ويشخصون إليهما بهيبة وكأنَّهما قد صنعا هذا الأمر بقوَّتهما الخاصَّة. وقد أكَّد لهم بطرس أنَّ الشفاء قد تمَّ باستحقاق يسوع الناصريّ الذي رفضوه وصلبوه، ولكنَّ الله أقامه مِن الأموات في اليوم الثالث. «وَبِالإِيمَانِ بِاسْمِهِ، شَدَّدَ اسْمُهُ هذَا الَّذِي تَنْظُرُونَهُ وَتَعْرِفُونَهُ، وَالإِيمَانُ الَّذِي بِوَاسِطَتِهِ أَعْطَاهُ هذِهِ الصِّحَّةَ أَمَامَ جَمِيعِكُمْ. ‹وَالآنَ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكُمْ بِجَهَالَةٍ عَمِلْتُمْ، كَمَا رُؤَسَاؤُكُمْ أَيْضًا. وَأَمَّا اللهُ فَمَا سَبَقَ وَأَنْبَأَ بِهِ بِأَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ، أَنْ يَتَأَلَّمَ الْمَسِيحُ، قَدْ تَمَّمَهُ هكَذَا›” (أعمال الرسل ٣: ١٦-١٨). SRAr 249.2
بعد أنْ تمَّت هذه المعجزة احتشد الناس في الهيكل، وفي إحدى ردهاته خاطبهم بطرس، بينما خاطبهم يوحنَّا في ردهة أخرى. وإذ تكلَّم الرسولان بكلِّ صراحة عن جريمة اليهود الشنيعة في رفض رئيس الحياة وتسليمه إلى الموت، كانا حريصين على ألَّا يثيرا سخطهم وجنونهم. رغب بطرس في أن يُهوِّن مِن فظاعة ذنبهم بقدر الإمكان، حيث افترض أنَّهم قاموا بذلك العمل عن جهالة. وأعلن لهم أنَّ الروح القدس يدعوهم لأنْ يتجدَّدوا ويتوبوا عن خطاياهم؛ وأنَّ لا رجاء لهم إلَّا برحمة المسيح الذي صلبوه؛ وبالإيمان به وحده يمكن أنْ تُمحى خطاياهم باستحقاقات دمه. SRAr 249.3