قِصَّة الفداء

116/229

الدَّفن

احتار يوحنَّا فيما ينبغي أنْ يفعله بجسد معلِّمه الحبيب. لقد ارتعد إذ فكَّر في احتمال أنْ يُسلَّم الجسد إلى جنود قُساة عديميّ الشعور، وأنْ يُدفَن في مكانٍ حقير. كان يعلم أنَّه لن يتمكَّن مِن الحصول على مِنَّة مِن السُّلطات اليهوديَّة، ولم يكن ينتظر الكثير مِن بيلاطس. لكنَّ يوسف ونيقوديموس تصدَّرا المشهد في ذلك الظرف الطارئ. كان كلاهما عضوَين في مجمع السنهدريم، وكانت لهما صلة ببيلاطس، وكان كلاهما غنيَّين ويتمتَّعان بنفوذ قويّ. وعقدا العزم على أنْ يدفنا جسد يسوع بكلِّ إكرام. SRAr 227.1

توجَّه يوسف إلى بيلاطس بكلِّ جُرأة، وطلب منه جسد يسوع لكي يدفنه. عندئذ أصدر بيلاطس أمرًا رسميًّا بتسليم جسد يسوع إلى يوسف. بينما كان يوحنَّا التلميذ مضطربًا ومتحيِّرًا بشأن الجُثمان المُقدَّس الخاصّ بسيِّده الحبيب، عاد يوسف الرامي وبيده ترخيص مِن الحاكِم؛ وجاء نيقوديموس أيضًا مُتوقِّعًا نتيجة اللقاء الذي جمع بين يوسف وبيلاطس وحامِلًا مزيجًا مِن المرِّ والعود الغالي الثمن نحو مئة مَنًا لتحنيط الجثمان. إنَّ أرفع أشراف أورشليم ما كان ليظفر عند موته بإكرامٍ أعظم مِن هذا. SRAr 227.2

وبكلِّ رقَّة ووقار أنزلا بأيديهم جسد يسوع مِن على آلة التعذيب، ودموع العطف تنهمر مُتسارعة وهما ينظران إلى جسده المُرضرض والمُمزَّق الذي غسلوه بكلِّ عناية ونظَّفوه مِن بُقَع الدم. وكان يوسف يملك قبرًا جديدًا منحوتًا في صخرة. وكان محتفظًا به لنفسه؛ وبما أنَّه كان قريبًا مِن جلجثة فقد أعدَّه لجسد يسوع. وبكلِّ حرص لُفَّ الجسد في الأكفان مع الأطياب التي جاء بها نيقوديموس، وحَمَل التلاميذ الثلاثة حِمْلَهم الثمين إلى القبر الجديد الذي لم يُدفن فيه إنسان مِن قَبل. هناك مدَّدوا تلك الأطراف المُمزَّقة، وطووا اليدين المثقوبتين على صدره الذي توقَّف فيه القلب عن الخفقان. اقتربت النساء الجليليات ليرين أنَّ كلَّ ما يمكن أنْ يُعمل قد عُمِل لِجُثمان معلِّمهنَّ المحبوب. ثُمَّ رأين الحجر الثقيل يُدحرَج ويُوضَع على مدخل القبر، وتُرك ابن الله ليستريح. كانت النساء آخر مَن تركْن الصليب وآخر مَن تركْن قبر المسيح. SRAr 227.3

مع أنَّ الحكَّام اليهود نَفَّذوا قصدهم الشيطانيَّ في قتل ابن الله، إلّا أنَّ قلقهم لم يتلاشَ، ولا حتَّى حسدهم للمسيح الميت. إنَّ فرحهم بالانتقام الذي أرضاهم والذي أوقعوه على يسوع قد امتزج بخوفهم مِن أنْ تعود الحياة إلى جسده الميت الذي وُضِع في قبر يوسف. لذلك «اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ إِلَى بِيلاَطُسَ قَائِلِينَ:‹يَا سَيِّدُ، قَدْ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذلِكَ الْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ. فَمُرْ بِضَبْطِ الْقَبْرِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، لِئَلاَّ يَأْتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ، وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ: إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، فَتَكُونَ الضَّلاَلَةُ الأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الأُولَى! ›” (متَّى ٢٧: ٦٢-٦٤). لم يكن بيلاطس أقلَّ رغبة مِن اليهود في أنْ لا يقوم يسوع بقوَّة ليُعاقِب إثم الذين قتلوه، فوضع فرقة مِن الجنود الرومان تحت إمرة الكهنة. «فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ:‹عِنْدَكُمْ حُرَّاسٌ. اِذْهَبُوا وَاضْبُطُوهُ كَمَا تَعْلَمُونَ›. فَمَضَوْا وَضَبَطُوا الْقَبْرَ بِالْحُرَّاسِ وَخَتَمُوا الْحَجَرَ» (متَّى ٢٧: ٦٥، ٦٦). SRAr 228.1

أدرك اليهود الفائدة مِن وضع مِثل تلك الحراسة حول قبر يسوع. فوضعوا أختامًا على الحجر الذي سدَّ القبر كي لا يتمكَّن أحدٌ مِن أنْ يعبث به دون أنْ تنكسر الأختام ويُعرَف ما حدث، وأخذوا جميع الاحتياطات اللازمة لمنع التلاميذ مِن القيام بأيَّة حيلة لها علاقة بجسد يسوع. لكنَّ كلَّ خططهم واحتياطاتهم لم تؤدِّ إلَّا إلى توكيد حقيقة القيامة وجعل انتصارها أكثر اكتمالًا. SRAr 229.1