قِصَّة الفداء

109/229

اعتراف يهوذا

امتلأ قلب يهوذا بمرارة الندم والعار نتيجة فعله الغادر في خيانته ليسوع. وعندما شاهد الإساءات التي احتملها المُخلِّص، شعر بهزيمته وانهار. كان يهوذا يحبُّ يسوع، لكنَّه أحبَّ المال أكثر. لم يخطر بباله أنَّ يسوع سيسمح بأنْ يلقي القبض عليه أولئك الرعاع الذين قادهم هو في السابق. كان يتوقَّع أنْ يصنع يسوع مُعجزة ويُخلِّص نفسه مِن بين أيديهم، ولكنَّه عندما رأى ذلك الجمع الغاضب في قاعة المحكمة والمتعطِّش إلى سفك الدماء، شعر بِعُمق ندمه؛ وبينما كان كثيرون يتَّهمون يسوع بكلِّ عنيف، شقَّ يهوذا طريقه مُسرعًا وسط ذلك الجمع ومُعترفًا بأنَّه أخطأ إذ سلَّم دمًا بريئًا. طرح أمام الكهنة قطع الفضة التي كانوا قد دفعوها له، وتوسَّل إليهم أنْ يُطلقوا سراح يسوع، وأعلن أنَّ يسوع بريء تمامًا. SRAr 216.1

أسكت الغيظ والارتباك الكهنة لفترة قصيرة مِن الوقت. فَهُم لم يريدوا أنْ يعرف الشعب بأنَّهم قد استأجروا أحد أتباع يسوع ليُسلِّمه إلى أيديهم. لقد حرصوا على أنْ يُخفوا حقيقة مطاردتهم ليسوع كلصٍّ وإمساكهم به سرًّا. لكنَّ يهوذا، باعترافه ومظهره الشاحب والمُذنِب، فضح الكهنة أمام الجميع وأظهر أنَّ كرههم ليسوع هو الذي جعلهم يقبضون عليه. وإذ صرخ يهوذا مُعلنًا أنَّ يسوع كان بريئًا، أجابه الكهنة: «مَاذَا عَلَيْنَا؟ أنْتَ أبْصِرْ!” (متَّى ٢٧: ٤). كان يسوع قد وقع في قبضتهم، وقد صمَّموا على أنْ يكونوا على يقين مِن ناحيته. وإذ غمر الحزن والأسى قلب يهوذا، طرح المال الذي أصبح يحتقره الآن عند أقدام أولئك الذين استأجروه. وبكلِّ أسى ورُعب خرج وشنق نفسه. SRAr 216.2

كان للمسيح مُتعاطفون كُثر مِن بين الذين تجمَّعوا حوله، وقد أصابت الدهشة الجموع لعدم ردِّه على الأسئلة العديدة الموجَّهة إليه. وبالرغم مِن كلِّ السخرية والعنف مِن جانب الرُّعاع، إلَّا أنَّ ملامح وجهه لم تكن توحي بالعبوس ولا بالضيق. لقد وقف ثابتًا باتّزان ووقار. ونظر إليه المُشاهدون باندهاش وإعجاب. لقد قارنوا بين ثبات موقفه وجلال هيئته وكمالها مِن جهة، ومظهر القائمين ضدَّه في المحاكمة مِن جهة أخرى. وقال واحدهم للآخر بأنَّ مظهر يسوع يوحي بأنَّه مِلكٌ أكثر ممَّا يوحي مظهرُ أيٍّ مِن الحُكَّام. فهو لم يحمل أيَّة علامة أو أثر يوحي بأنَّه مجرم. وكانت عيناه سمحتين صافيتين، وجبهته عريضة وعالية. كما كانت جميع سِماته تتميَّز بالخير ونبل المبادئ. لقد كانت قدرته على الصبر والتسامح أبعد ما تكون عن تلك التي عند البشر، وهذا ما أرعب الكثيرين. وحتَّى هيرودس وبيلاطس اعتراهما قلق بالغ مِن منظره الإلهيِّ النبيل. SRAr 216.3