قِصَّة الفداء

9/229

تحذير لآدم وحوَّاء

جمعَ الله أجناد السماء لاتِّخاذ التدابير اللازمة لتجنُّب التهديد الذي يشكِّله الشرُّ. لقد تقرَّر في المجلس السماويِّ أنْ يقوم الملائكة بزيارة جنَّة عدن وتحذير آدم مِن أنَّه في خطر قد يأتيه مِن قِبَل العدوِّ. أسرعَ ملاكان في طريقهما لزيارة أبوَينا الأوّلَين. استقبل الزوجان المُقدَّسان هذين الملاكين بفرح البراءة مُعبِّرين عن شكرهما وامتنانهما الجزيل لخالقهما على بركاته الوفيرة التي أحاطت بهما. إنَّ كلَّ ما كان جميلًا وجذَّابًا كان عندهما ليستمتعا به، وبدا بأنَّ كلَّ شيء كان مُعَدًّا بحكمة لِيُناسِب احتياجاتهما؛ وكانت عشرتهما وشركتهما مع ابن الله والملائكة السماويّين الأمر الذي نظرا إليه بعين التقدير أكثر مِن جميع البركات الأخرى، فقد كان لديهما الكثير كان بإمكانهما أنْ يروياه عن كلِّ ما اكتشفاه مِن أمور جديدة حول جمال الطبيعة التي في بيتهما الجميل في جنَّة عدن، وكان لديهما الكثير مِن الأسئلة حول أمور عديدة لم يقدرا أنْ يفهماها بجلاء. SRAr 29.2

وقد أطلعتهما الملائكة على ما كانا يرغبان في معرفته مِن معلومات بكلِّ محبَّة ولطف. وأوضحا لهما أيضًا التاريخ المُحزِن لتمرُّد الشيطان وسقوطه. ثم أعلموهما بوضوح أنَّ شجرة معرفة الخير والشرِّ قد وُضِعَت في الجنَّة لتكون عهدًا وبُرهانًا على طاعتهما ومحبَّتهما لله؛ وأنَّ حالة السعادة والرفعة التي تمتَّع بها الملائكة القدِّيسون كانت مشروطة بالطاعة؛ وأنَّ وضعهما كان يشبه وضعهم؛ إذ يمكنهما إطاعة شريعة الله والتمتُّع بسعادة لا توصف، أو عصيانها وفقدان مقامهما السامي والغرق في يأس لا أمل في الخروج منه. SRAr 29.3

قال الملائكة لآدم وحوَّاء أنَّ الله لن يُجبرهما على الطاعة، وأنَّه لم ينزع عنهما إمكانيَّة السير عكس إرادته؛ وأنَّهما بشر عقلاء لهما حرِّيَّة الطاعة أو العصيان. كان هناك نَهْيٌ واحد فقط رأى الله أنَّه مِن المُناسب أنْ يطرحه عليهما. فإنْ هما تعدَّيا إرادته، سيموتان بلا شكِّ. وقالوا لآدم وحوَّاء بأنَّ أسمى ملاك مِن ملائكة السماء، والذي كان يشغل المنزلة التالية بعد المسيح، رفض إطاعة شريعة الله الموضوعة لحكم الخلائق السماويَّة؛ وأخبروهما بأنَّ هذا التمرُّد تسبَّب في حربٍ في السماء، وبالنتيجة طُرِد منها المتمرِّد وأخرِجَ مِن السماء أيضًا كلُّ ملاك قد اتَّحد معه في التشكيك في سُلطة يهوه العظيم؛ وأنَّ هذا العدوَّ الساقط قد صار الآن عدوًّا لكلِّ ما كان له علاقة بالمصالح الخاصَّة بالله وابنه الحبيب. SRAr 30.1

وقالوا لهما بأنَّ الشيطان يهدِف لأنْ يوقع بهما الضرر، ومِن الضروري أنْ يكونا يقظَيْن إذ يُمكِن أنْ يجدا نفسيهما في حالة مواجهة مع هذا العدوِّ الساقط؛ إلَّا أنَّه لا يستطيع أنْ يضرَّهما طالما بقيا خاضعَين طائِعَين لشريعة الله، لأنَّ جميع ملائكة السماء، إذا دَعَت الضرورة، سيأتون لتقديم العون لهما ولن يسمحوا له بأنْ يُضرَّهما بأيّ شكل كان. ولكن إذا لم يُطيعا شريعة الله، فسيكون للشيطان القدرة على إزعاجهما وإرباكهما وتكديرهما دائِمًا. أّمَّا إذا بقيا ثابِتَين أمام أولى دسائس الشيطان، فسيكونان آمِنَين مِثلَ ملائكة السماء. ولكنْ إذا انصاعا للمُجرِّب، فإنَّ ذاك الذي لم يُشفِق على ملائكة السماء لن يُشفِق عليهما أيضًا. وسيكون عليهما أنْ يُقاسيا عقوبة تعدِّيهما، لأنَّ شريعة الله مُقدَّسة مِثلَ الله، وهو يطلب الطاعة التامَّة مِن كلِّ مَن هُم في السماء ومَن هُم على الأرض. SRAr 30.2

حذَّر الملائكة حوَّاء مِن الانفصال عن زوجها أثناء قيامها بعملها لأنَّها قد تتواجد في مواجهة مع هذا العدوِّ الساقِط. فإذا انفصل أحدهما عن الآخر سيكونان في خطر أعظم ممَّا لو بقيا معًا. كلَّفتهما الملائكة بأنْ يتبعا بِدقَّة الإرشادات التي أعطاها الله لهما بخصوص شجرة معرفة الخير والشرِّ، لأنَّ في الطاعة الكامِلة سلامتهما، ولن يكون في قُدرة ذلك العدوِّ الساقِط أنْ يخدعهما. لن يسمح الله للشيطان بأنْ يتعقَّب الزوجَين المقدَّسين بتجارب مُستمرَّة. ولن يكون في مقدور الشيطان أنْ يصل إليهما إلَّا عن طريق شجرة معرفة الخير والشرِّ. SRAr 31.1

أكَّد آدم وحوَّاء للملائكة أنَّهما لن يعصيا شريعة الله أبدًا، لأنَّ عمل إرادته كان أقصى سعادتهما. انضمَّ الملائكة إلى آدم وحوَّاء في الترنُّم بموسيقى مُتناغِمة ومُقدَّسة، وإذ صدحت الترانيم مِن جنَّة عدن السعيدة، سَمِعَ الشيطان صوت تسابيح الفرح والتمجيد المرفوعة للآب والابن. وعندئذ ازداد حسده وكراهيَّته وحقده وعبَّر لأتباعه عن انزعاجه آمِرًا إيَّاهم بأنْ يُحرِّضوا آدم وحوَّاء على العصيان لكي يُنْزِل الله غضبه عليهما فورًا، وبهذا تتحوَّل ترانيم الحمد إلى كُره ولعنات يلعنان بها خالقهما. SRAr 31.2