المُعلّم الأعظم
١٦ - « كَانَ ضالاًّ فَوُجِدَ ”
(يعتمد هذا الفصل على ما جاء في لوقا ١٥: ١١-٣٢).
إنّ مثل الخروف الضال والدرهم المفقود والابن الضال ترسم أمامنا في سطور واضحة محبة الله الرحيمة لمن هم ضالون بعيدا عنه. فمع أنهم قد ابتعدوا عن الله فانه لا يتركهم في شقائهم. إنّه مفعم القلب بالإشفاق والعطف الرقيق لكل من هم معرضون لتجارب العدو الماكر. COLAr 179.1
وفي مثل الابن الضال تُعرض أمامَنا معاملة الرب مع من قد عرفوا محبة الأب من قبل، ومع ذلك فقد سمحوا للمجرب بان يقودهم أسرى لإرادته. COLAr 179.2
« إِنْسَانٌ كَانَ لَهُ ابْنَانِ. فَقَالَ أَصْغَرُهُمَا لأَبِيهِ: يَا أَبِي أَعْطِنِي الْقِسْمَ الَّذِي يُصِيبُنِي مِنَ الْمَالِ. فَقَسَمَ لَهُمَا مَعِيشَتَهُ. وَبَعْدَ أَيَّامٍ لَيْسَتْ بِكَثِيرَةٍ جَمَعَ الابْنُ الأَصْغَرُ كُلَّ شَيْءٍ وَسَافَرَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ » (لوقا ١٥: ١١-١٣). COLAr 179.3
لقد ضجر هذا الابن الأصغر من القيود التي كانت مفروضة في بيت أبيه، وظن أن حريته مقيدة، وأساء تفسير محبة أبيه ورعايته له فعقد العزم على أن يتبع ميوله وأهواءه. COLAr 179.4
إنّ ذلك الشاب لا يعترف بأي التزام له تجاه أبيه، ولا ينطق بكلمة شكر، ومع ذلك فهو يطالب بامتياز الابن في اقتسام ميراث أبيه. إنّه يرغب في أن يحصل الآن على نصيبه من الميراث الذي يكون له الحق فيه عند موت أبيه. إنّه منصرف إلى التمتع بالبركات الحاضرة ولا يكترث للمستقبل. COLAr 180.1
فبعدما يحصل على ميراثه يسافر « إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ » بعيدا عن بيت أبيه. وإذ لديه المال الوفير والحرية ليفعل ما يشاء يتملق نفسه قائلا إنّه قد وصل إلى ما يصبو إليه قلبه. ولا يوجد من يقول له: لا تفعل هذا ففيه ضرر يلحقك، أو افعل هذا فهو الصواب. ثم إنّ رفاق السوء يساعدونه على الانغماس في عمق أعماق الخطية فيبذر « مَالَهُ بِعَيْشٍ مُسْرِفٍ ». COLAr 180.2
إن الكتاب يخبرنا عن قوم « بَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلاَءَ» (رومية ١: ٢٢). وهذا هو تاريخ الشاب المذكور في المثل. فالثروة التي، في أنانيته، طلبها من أبيه يبذرها على الزواني. وكنز شبابه يضيع هباء. وسنو الحياة الثمينة وقوّة الذكاء ورؤى الشباب المشرقة والأشواق الروحية — كل هذه احترقت بنيران الشهوة. COLAr 180.3
ثم إذ يحدث جوع شديد يبتدئ هو يحتاج فيلتصق بواحد من أهل الكورة يرسله إلى حقوله ليرعى خنازير. وقد كان هذا العمل أحقر أنواع الأعمال وأشدها انحطاطا في نظر أي يهودي. فهذا الشاب الذي كان يفخر بحريته يجد نفسه الآن عبدا. وهو في أردأ حالات العبودية — « بِحِبَالِ خَطِيَّتِهِ يُمْسَكُ » (أمثال ٥: ٢٢). والبريق والزخرفة اللذان قد غررا به تلاشيا وها هو الآن يحسّ بثقل قيوده. وإذ يجلس على الأرض في تلك البلاد الموحشة التي قد ضربتها المجاعة ولا عشراء له غير الخنازير كان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله. أمّا رفاقه المرحون الذين اجتمعوا حوله في أيام اليسر والذين كانوا يأكلون ويشربون على نفقته فلم يبق منهم أحد يصادقه. أين الآن فرحُه وعربدته؟ فإذ اسكت ضميره وخدر مشاعره ظن نفسه سعيدا، أما الآن وقد أنفق ماله وصار فريسة للجوع فقد أُذِلت كبرياؤه، وتضاءلت طبيعته الأدبية وضعفت إرادته بحيث لم يعُدْ يثق بها. وقد بدا أنّ مشاعره الحساسة قد ماتت فهو أتعس إنسان. COLAr 181.1
ما أعظم هذه من صورة لحالة الخاطئ فمع انّه محاط ببركات محبة الله لا يوجد شيء يتوق إليه الخاطئ المنصبّ على تمتعاته الذاتية ومسراته الخاطئة قدر الانفصال عن الله. فهكذا الابن الجاحد يدّعي أن خيرات الله هي من حقه. وهو يأخذها كأمر طبيعي ولا يقدم شكرا عليها ولا يقدم خدمة محبة. فكما خرج قَايِين من حضرة الرب ليطلب بيته، وكما ضلّ الابن الضال تائها في « الكُورَة البَعِيدَة » هكذا يطلب الخطاة السعادة في نسيان الله (رومية ١: ٢٨). COLAr 181.2
مهما يكن المظهر فكل حياة مركّزة في الذات هي حياة مبعثرة. وكل من يعيش بعيدا عن الله يبذر جوهره. إنّه يبذر سني الحياة الغالية، يبذر قوى عقله وقلبه ونفسه، ويعمل على جلب الإفلاس الأبدي لنفسه. والإنسان الذي ينفصل عن الله ليخدم ذاته هو عبد للمال. فالكائن العاقل الذي خلقه الله ليكون عشيرا للملائكة صار منحطّا لخدمة ما هو أرضي ووحشي. هذه هي النهاية التي تنتهي إليها خدمة الذات. COLAr 181.3
فإذا كنت قد اخترت مثل هذه الحيـاة فأنت تعلـم أنك إنّما تزنُ فضةً لغير خبز وتتعب لغير شبع. وستأتي عليك ساعات فيها تُدرك انحطاطَك. فإذ تكـون وحيدا في الكـورة البعيدة تحــس بشقـــائك فتـصرخ قـائـلا في يـأس: « وَيْحِي أَنَا الإِنْسَانُ الشَّقِيُّ! مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هذَا الْمَوْتِ؟ » (رومية ٧: ٢٤). هذا شرح لحق عام متضمن في أقوال النبي الذي قال: « مَلْعُونٌ الرَّجُلُ الَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى الإِنْسَانِ، وَيَجْعَلُ الْبَشَرَ ذِرَاعَهُ، وَعَنِ الرَّبِّ يَحِيدُ قَلْبُهُ. وَيَكُونُ مِثْلَ الْعَرْعَرِ فِي الْبَادِيَةِ، وَلاَ يَرَى إِذَا جَاءَ الْخَيْرُ، بَلْ يَسْكُنُ الْحَرَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ، أَرْضًا سَبِخَةً وَغَيْرَ مَسْكُونَةٍ » (إِرْمِيَا ١٧: ٥، ٦). إنّ الله: « يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ » (متى ٥: ٤٥). ولكن الناس لهم القوة على أن يحبسوا أنفسهم بعيدا عن ضوء الشمس والمطر. وهكذا فيما يشرق « شَمْسُ البِرِّ » وتهطل سيول النعمة على الجميع بسخاء فقد نكون عاملين على فصل أنفسنا عن الله ونسكن « الحَرَّة في البَرِّيَّة ». COLAr 182.1
إنّ محبة الله لا تزال تحنّ إلى مَن قد اختار الانفصال عنه، وهو يشغّل العـوامل الكفيلـة بإرجـاعه إلى بيت الآب. إنّ الابن الضــال وهو في شقــائه « رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ ». لقد تلاشت قوى الخداع التي سلطها عليه الشيطان — فرأى أنّ جهالته هي التي سببت له آلامه. فقال: « كَمْ مِنْ أَجِيرٍ لأَبِي يَفْضُلُ عَنْهُ الْخُبْزُ وَأَنَا أَهْلِكُ جُوعًا! أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي » (لوقا ١٥: ١٧، ١٨). إنّ ذلك الابن الضال وهو في شقائه وجد رجاء في اقتناعه بمحبة أبيه. فتلك المحبة هي التي اجتذبته إلى البيت. وهكذا نجد أن يقين محبة الله هو الذي يحصر الخاطئ للرجوع إلى الله: « لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ » (رومية ٢: ٤). إنّ سلسلة ذهبية هي رحمة المحبة الإلهية وحنانها تحيط بكل نفس معرضة للخطر. والرب يعلن قائلا: « مَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ » (إِرْمِيَا ٣١: ٣). COLAr 183.1
وها هو الابن يعقد العزم على الاعتراف بجرمه. فسيذهب إلى أبيه قائلا له: « أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ، وَلَسْتُ مُسْتَحِقًّا بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْنًا». لكنه يضيف قائلا: « اِجْعَلْنِي كَأَحَدِ أَجْرَاكَ ». مُظْهرا بذلك إدراكه الضيّق لمحبة أبيه. COLAr 183.2
وها هو الشاب يترك قطعان الخنازير والخَرْنُوب ويتجه إلى البيت. وإذ هو مرتجف من الضعف وخائر القوى بسبب الجوع يتقدم في طريقه بحنين وشوق. إنّه لا يجد شيئا يستر به أسماله ولكن شقاءه انتصر على كبريائه فأسرع ليسأل أن تعطى له منزلة أجير في البيت الذي كان فيه ابنا. COLAr 183.3
إنّ ذلك الشاب المستهتر الطائش قلما كان يحلم وهو خارج من بيت أبيه بالآلام والحنين التي خلّفها في قلب ذلك الأب. وعندما كان يرقص ويرتع في الولائم مع رفاقه المتهورين قلّما كان يفكر في الكآبة التي أُطبقت على بيته. والآن في طريق العودة وهو يجرّ رجليه في خطوات متثاقلة كليلة لم يكن يعرف أنّ شخصا ينتظر رجوعه. ولكن إذ كان لم يزل « بَعِيدًا » عرفه أبوه، إنّ المحبة سريعة وحادة البصر. فحتى انحطاط سنيّ الخطية لا يمكن أن يخفي الابن عن عيني أبيه بحيث لا يعرفه. « تَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ » في عناق طويل رقيق. COLAr 184.1
إنّ الأب لا يسمح لأي عين مزدرية بأن تسخر من ابنه وهو في بؤسه وثيابه البالية. لذلك فهو يخلع وشاحه الفضفاض الغالي الثمن عن كتفيه ويلف به جسم ابنه المُضنى، وإذا بالابن يعلن توبته وندامته وهو ينتحب قائلا: « يَا أَبِي، أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ، وَلَسْتُ مُسْتَحِقًّا بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْنًا ». فيضمه الأب إلى حضنه ويأتي به إلى البيت، ولا يعطيه فرصة فيها يطلب مكان أجير. إنّه ابن وسيُكرم بأفضل ما يمكن للبيت أن يقدمه، وسيكرمه ويخدمه الرجال والنساء الواقفون في انتظار أوامره. COLAr 184.2
قال الأب لعبيده « أَخْرِجُوا الْحُلَّةَ الأُولَى وَأَلْبِسُوهُ، وَاجْعَلُوا خَاتَمًا فِي يَدِهِ، وَحِذَاءً فِي رِجْلَيْهِ، وَقَدِّمُوا الْعِجْلَ الْمُسَمَّنَ وَاذْبَحُوهُ فَنَأْكُلَ وَنَفْرَحَ، لأَنَّ ابْنِي هذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالاًّ فَوُجِدَ. فَابْتَدَأُوا يَفْرَحُونَ » (لوقا ١٥: ٢٢-٢٤). COLAr 185.1
إنّ الابن الضال في سني شبابه، سنيّ التبرم والضجر كان ينظر إلى أبيه كمن هو شديد وصارم. أمّا الآن فكم تبدّل فكره عنه وهكذا الذين يخدعهم الشيطان ينظرون إلى الله كمن هو قاس لا يعرف الرحمة. إنّهم ينظرون إليه كمن يراقب ليشتكي ويدين، وكمن يرفض قبول الخاطئ طالما يوجد عذر شرعي يمنع تقديم العون له. وهم يعتبرون شريعة الله على أنّها تقييد لسعادة الناس ونير ثقيل يسعدهم التهرّب منه. أما الذي فتحت محبة المسيح بصيرته فإنّه يرى الله كمن هو ممتلئ رحمة. فهو لا يبدو ككائن طاغية لا يعرف الرحمة، بل كأب يتوق لاحتضان ابنه التائب. وحينئذ يهتف الخاطئ قائلا مع المرنم: « كَمَا يَتَرَأَفُ الأَبُ عَلَى الْبَنِينَ يَتَرَأَفُ الرَّبُّ عَلَى خَائِفِيهِ » (مزمور ١٠٣: ١٣). COLAr 185.2
ولا يوجد في المثل أي لوم أو تعيير موجّه لذلك الضال بسبب مسلكه الأثيم. فالابن يحس بأنّ الماضي قد نُسي وغُفِر ومُحي إلى الأبد. وهكذا يقول الله للخاطئ: « قَدْ مَحَوْتُ كَغَيْمٍ ذُنُوبَكَ وَكَسَحَابَةٍ خَطَايَاكَ » (إِشَعْيَاء ٤٤: ٢٢). « أَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ، وَلاَ أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْدُ » (إِرْمِيَا ٣٤:٣١). « لِيَتْرُكِ الشِّرِّيرُ طَرِيقَهُ، وَرَجُلُ الإِثْمِ أَفْكَارَهُ، وَلْيَتُبْ إِلَى الرَّبِّ فَيَرْحَمَهُ، وَإِلَى إِلهِنَا لأَنَّهُ يُكْثِرُ الْغُفْرَانَ » (إِشَعْيَاء ٧:٥٥). « فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَفِي ذلِكَ الزَّمَانِ، يَقُولُ الرَّبُّ، يُطْلَبُ إِثْمُ إِسْرَائِيلَ فَلاَ يَكُونُ، وَخَطِيَّةُ يَهُوذَا فَلاَ تُوجَدُ » (إِرْمِيَا ٥٠: ٢٠). COLAr 185.3
أي يقين هذا الذي فيه يبدي الله استعداده لقبول الخاطئ التائب! فهل اخترت أيها القارئ طريقا لنفسك؟ وهل ضللت بعيدا عن الله؟ وهل حاولت أن تمتع نفسك بثمار العصيان وإنما اكتشفت أنّها قد استحالت إلى رماد على شفتيك؟ والآن وقد أنفقت مالك وخابت خطط حياتك وماتت آمالك فهل تجلس وحدك مستوحشا؟ الآن ها هو الصوت الذي طالما تحدث إلى قلبك ولكنك رفضت الإصغاء إليه، ها هو يأتيك بكل وضوح وجلاء قائلا: « قُومُوا وَاذْهَبُوا، لأَنَّهُ لَيْسَتْ هذِهِ هِيَ الرَّاحَةَ. مِنْ أَجْلِ نَجَاسَةٍ تُهْلِكُ وَالْهَلاَكُ شَدِيدٌ» (ميخا ٢: ١٠). فارجع إلى بيت أبيك. فهو يدعوك قائلا: « اِرْجِعْ إِلَيَّ لأَنِّي فَدَيْتُكَ » (إِشَعْيَاء ٤٤: ٢٢). COLAr 186.1
لا تصغ إلى اقتراح الشيطان عليك بالبقاء بعيدا عن المسيح حتى تصلح نفسك، حتى تكون صالحا بالكفاية لتأتي إلى الله. فإن أنت انتظرت حتى يتم ذلك فإنك لن تأتي أبدا. وعندما يشير الشيطان إلى ثيابك القذرة كرر قول يسوع: « مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا » (يوحنا ٦: ٣٧). وقل لذلك العدو إنّ دم يسوع المسيح يطهَر من كل خطية. واجعل صلاة داود صلاتك: « طَهِّرْنِي بِالزُّوفَا فَأَطْهُرَ. اغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ » (مزمور ٥١: ٧). COLAr 186.2
قم واذهب إلى أبيك. إنّه سيلاقيك من بعيد. فإذا أنت خطوت نحوه ولو خطوة واحدة بالتوبة فهو سيسرع ليحتضنك بين ذراعي محبته اللامحدودة. إنّ أذنه مفتوحة لسماع صرخة النفس المنسحقة. وأول اشتياقات القلب إلى الله معلومة لديه. إنه لم تقدم صلاة وإن تكن متلعثمة، ولم تسكب دمعة وإن تكن في الخفاء، ولم تحتضن النفس أي شوق إلى الله مهما يكن واهنا إلاّ ويخرج روح الله ليلاقيه. وحتى قبلما ينطق الإنسان بالصلاة وقبلما يُعرف الشوق إلى الله فإنّ نعمة تخرج من قبل المسيح لتلاقي النعمة العاملة في نفس الإنسان. COLAr 187.1
إنّ أباك السماوي سينزع عنك الثياب التي قد لوثتها الخطية. ففي نبوة زكريا التشبيهية الجميلة إذ يقف يهوشع الكاهن العظيم وهو لابس ثيابا قذرة أمام ملاكِ الرب فهو يرمز إلى الخاطئ. ثم يتكلم الرب قائلا: « انْزِعُوا عَنْهُ الثِّيَابَ الْقَذِرَةَ. وَقَالَ لَهُ: انْظُرْ. قَدْ أَذْهَبْتُ عَنْكَ إِثْمَكَ، وَأُلْبِسُكَ ثِيَابًا مُزَخْرَفَةً … فَوَضَعُوا عَلَى رَأْسِهِ الْعِمَامَةَ الطَّاهِرَةَ، وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابًا » (زكريا ٣: ٤، ٥). هكذا يُلبسك الله « ثِيَابَ الْخَلاَصِ » ويكسوك « رِدَاءَ الْبِرِّ » (إِشَعْيَاء ٦١: ١٠). « إِذَا اضْطَجَعْتُمْ بَيْنَ الْحَظَائِرِ فَأَجْنِحَةُ حَمَامَةٍ مُغَشَّاةٌ بِفِضَّةٍ وَرِيشُهَا بِصُفْرَةِ الذَّهَبِ » (مزمور ٦٨: ١٣). COLAr 187.2