المُعلّم الأعظم

23/61

١٢ - اطلـبوا لِـتُـعـطـوا

(يعتمد هذا الفصل على ما جاء في لوقا ١١: ١-١٣).

لقد كان المسيح على الدوام يتناول من الآب حتى يمكنه أن يوصّل إلينا. فلقد قال: « الْكَلاَمُ الَّذِي تَسْمَعُونَهُ لَيْسَ لِي بَلْ لِلآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي » (يوحنا ١٤: ٢٤). « ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ » ( متى ٢٠: ٢٨). لقد عاش وفكر وصلى لا لأجل نفسه بل لأجل الآخرين. فمن الساعات التي قضاها مع الله الآب خرج من صباح إلى صباح ليجيء بنور السماء إلى الناس. وفى كل يوم كان يحصل على معمودية الرُّوح الْقُدُس من جديد. ففي بكور ساعات اليوم الجـديد أيقظه الرب من نومه، وقد مسحت نفسـه وشفتاه بالنعمـة حتى يمكنه أن يوزع على الآخرين. لقد أُعطيَ له الكلام سائغا وجديدا من المواطن السماوية، الكلام الذي كان يمكنه أن ينطق به في وقته للمُعَيين والمظلومين. فقد قال: « أَعْطَانِي السَّيِّدُ الرَّبُّ لِسَانَ الْمُتَعَلِّمِينَ لأَعْرِفَ أَنْ أُغِيثَ الْمُعْيِيَ بِكَلِمَةٍ. يُوقِظُ كُلَّ صَبَاحٍ لِي أُذُنًا، لأَسْمَعَ كَالْمُتَعَلِّمِينَ » (إِشَعْيَاء ٥٠: ٤). COLAr 125.1

تأثر تلاميذ المسيح بصلاته وبشركته مع الله التي كان قد اعتادها. وفى أحد الأيام بعدما غابوا غيبة قصيرة عن سيدهم وجدوه منهمكا في الصلاة والابتهال. وإذ بدا وكأنه غير شاعر بوجودهم ظل يصلي بصوت عال. تأثـّرت قلوب التلاميذ تأثّرا عميقا، فلما انتهى من الصلاة صاحوا قائلين: « يَا رَبُّ، عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ » (لوقا ١١: ١). COLAr 126.1

وجوابا على سؤالهم كـرّر لهم المسيح الصلاة الربانية كما نطق بها في موعظته على الجـبل. ثم شرح لهم الدرس الذي أراد أن يعلمهم إيّاه بمثل فقال: « مَنْ مِنْكُمْ يَكُونُ لَهُ صَدِيقٌ، وَيَمْضِي إِلَيْهِ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُولُ لَهُ يَاصَدِيقُ، أَقْرِضْنِي ثَلاَثَةَ أَرْغِفَةٍ، لأَنَّ صَدِيقًا لِي جَاءَنِي مِنْ سَفَرٍ، وَلَيْسَ لِي مَا أُقَدِّمُ لَهُ. فَيُجِيبَ ذلِكَ مِنْ دَاخِل وَيَقُولَ: لاَ تُزْعِجْنِي! اَلْبَابُ مُغْلَقٌ الآنَ، وَأَوْلاَدِي مَعِي فِي الْفِرَاشِ. لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَقُومَ وَأُعْطِيَكَ. أَقُولُ لَكُمْ: وَإِنْ كَانَ لاَ يَقُومُ وَيُعْطِيهِ لِكَوْنِهِ صَدِيقَهُ، فَإِنَّهُ مِنْ أَجْلِ لَجَاجَتِهِ يَقُومُ وَيُعْطِيهِ قَدْرَ مَا يَحْتَاجُ» (لوقا ١١: ٥-٨). COLAr 126.2

إنّ المسيح هنا يصور المصلّي كمن يسأل ليُعطي آخر بدوره. ينبغي له أن يحصل على الخبز، وإلاّ فلا يستطيع أن يقدم للمسافر المُتعب المتأخر احتياجاته. ومع أنّ قريبه لا يريد أي إزعاج فإنه لن يصد صديقه المتوسل بل لابد من أن يسعف ذلك الصديق، وأخيرا تُكافأ لجاجته وتُسدّ احتياجاته. COLAr 126.3

بمثل هذه الكيفية كان يجب على التلاميذ أن يطلبوا البركات من الله. فعند إشباع الجموع، وعندما ألقى عظته عن الخبز النازل من السماء كشف لهم المسيح عن عملهم كنواب عنه. فقد كان عليهم أن يقدموا للناس خبز الحياة. فذاك الذي عين لهم عملهم رأى كم مرّة سيُجرّب إيمانهم. وكثيرا ما سيقعون في مواقف غير منتظرة ويدركون عدم كفايتهم كبشر. والنفوس الجائعة إلى خبز الحياة كانت ستأتي إليهم وسيحسّون هم أنهم في حال الفقر والعجز. فعليهم أن يحصلوا على الخبز الروحي وإلاّ فلن يكون لديهم ما يقدمونه للغير. ولكن لم يكن لهم أن يصرفوا نفسا جائعة. فالمسيح يرشدهم إلى مصدر المؤونة. إنّ الرجل الذي أتاه صديقه ليضيفه مع أنه قد جاءه في نصف الليل وهو وقت غير مناسب، لم يطرده. لم يكن عنده ما يقدمه له ولكنّه ذهب إلى آخر كان يوجد عنده طعام وألحّ عليه بطلبه حتى أعطاه ذلك القريب حاجتهم. فهل الله الذي قد أرسل خدامه ليطعموا الجياع يكف عن إمدادهم بحاجتهم لأجل عمله؟ COLAr 126.4

ولكن ذلك القريب الأناني المذكور في المثل لا يمثّل صفات الله. والدرس مُستخلص لا بالمقارنة بل بالمفارقة. إنّ رجلا أنانيا يمنح طالبا لجوجا طلبه لكي يتخلص من ذلك الإنسان الذي يزعج راحته. ولكنّ الله يسر بأن يُعطي. إنّ قلبه عامر بالرأفة والحنان وهو يتوق لإجابة طلبات من يأتون إليه بإيمان. إنّه يعطينا حتى نخدم حاجات الآخرين وهكذا نتشبه به. COLAr 127.1

والمسيح يعلن قائلا: « اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ » ( العددان ٩، ١٠). COLAr 127.2

ثم يستطرد المُخَلِّص قائلا: « فَمَنْ مِنْكُمْ، وَهُوَ أَبٌ، يَسْأَلُهُ ابْنُهُ خُبْزًا، أَفَيُعْطِيهِ حَجَرًا؟ أَوْ سَمَكَةً، أَفَيُعْطِيهِ حَيَّةً بَدَلَ السَّمَكَةِ؟ أَوْ إِذَا سَأَلَهُ بَيْضَةً، أَفَيُعْطِيهِ عَقْرَبًا؟ فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الآبُ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ، يُعْطِي الرُّوح الْقُدُس لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ » (الأعداد ١١-١٣ ). COLAr 127.3

إنّ المسـيح لكي يقوّي ثقتنا في الله يعلمنا أن نخاطبه باسم جديد، اسم مرتبط بأعزّ صلات القلب البشري. إنّه يعطينا امتياز مخاطبة الإله السرمدي بالقول: أبانا. هذا الاسم إذ يُنادى به أو يُطلق عليه هو رمز محبّتنا له وثقتنا به وضمان لاهتمامه وصلته بنا. فإذ ننطق بهذا الاسم عندما نطلب رضاه أو بركته فإنّه يقع على أذنيه وقع الموسيقى. وحتى لا نظنّ أنها غطرسة منا إذ نناديه بهذا الاسم فقد ردده مرارا وتكرارا. وهو يريد أن يكون هذا الاسم مألوفا لدينا. COLAr 127.4

إنّ الله يعتبرنا أولادا له. لقد افتدانا من بين العالم العديم الاكتراث واختارنا لنصير أعضاء في الأسرة الملكية، أبناء وبنات ملك السماء. وهو يدعونا لأن نثق به ثقة أعمق وأقوى من ثقة الابن بأبيه الأرضي. الوالدون يحبون أولادهم، ولكن محبة الله أرحب وأعرض وأعمق مما يمكن أن تصل إليه المحبة البشرية. إنّها لا تقاس. إذاً فإذا كان الوالدون الأرضيون يعرفون أن يعطوا أولادهم عطايا جيدة فكم بالحري الآب الذي من السماء يعطي الرُّوح الْقُدُس للذين يسألونه؟ COLAr 128.1

ينبغي لنا أن نتأمل بكل اهتمام في التعاليم التي يقدمها المسيح عن الصلاة. إنّ في الصلاة علماً إلهيّا، وشرحه يضع أمام أنظارنا المبادئ التي يحتاج الجميع إلى فهمها. فهو يرينا ما هي الروح الحقيقية للصلاة، ويعلمنا لزوم المثابرة في تقديم طلباتنا إلى الله ويؤكد لنا استعداده وشوقه إلى أن يسمع الصلاة ويجيبها. COLAr 128.2

صلواتنا ينبغي ألا تكون صلوات أنانية، فلا نطلب فقط ما يؤول إلى فائدتنا الذاتية، بل علينا أن نطلب لنُعطي. فمبدأ حياة المسيح ينبغي أن يكون مبدأ حياتنا. إنّ السـيد وهو يتحدث عن تلاميذه صلى قائلا: « لأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا مُقَدَّسِينَ » (يوحنا ١٧: ١٩). ونفس التكريس ونفس التضحية ونفس التسليم لمطاليب كلمة الله التي ظهرت في حياة المسيح ينبغي أن تُرى في خدامه. إنّ رسالتنا إلى العالم ليس القصد منها أن نخدم أو نرضي ذواتنا بل علينا أن نمجد الله بالتعاون معه على تخليص الخطاة. علينا أن نسأل البركات من الله حتى نقدمها للآخرين. إنّ المقدرة على الأخذ تحفظ فقط إذ نوزع على الآخرين. إننّا لا نستطيع المداومة على تلقي كنوز السماء ما لم نوزعها على من حولنا. COLAr 128.3

إنّ ذلك الرجل السائل في المثل قد صُدّ مرارا وتكرارا لكنّه لم ينثنِ عن عزمه، وهكذا صلواتنا لا يبدو دائما أننا نتلقّى عنها إجابة سريعة، ولكن المسيح يعلّمنا ألاّ نكفّ عن الصلاة. ليس القصد من الصلاة أن تحدث أي تغيير في الله، بل لتجعلنا في حالة توافق وانسجام معه تعالى. فعندما نتقدم أليه بطلب، قد يرى هو أن من اللازم لنا أن نفحص قلوبنا ونتوب عن الخطية، فلهذا يجيزنا في المحن والتجارب ويجيزنا في وادي الاتضاع لكي نرى العوائق التي تعطل عمل الرُّوح الْقُدُس بواسطتنا. COLAr 129.1

توجد شروط لإتمام مواعيد الله، والصلاة لا يمكن أن تحل في مكان الواجب. لقد قال المسيح: « إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ » « اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي » ( يوحنا ١٤: ١٥، ٢١). فالذين يقدمون توسلاتهم إلى الله ويطالبونه بوعده في حين أنهم لا يتممون الشروط يهينون الرب. إنّهم يذكرون اسم المسيح كسند لإتمام الوعد، ولكنّهم لا يعملون الأعمال التي تظهر إيمانهم بالمسيح ومحبتهم له. COLAr 129.2

كثيرون يزيفون شروط القبول لدى الآب. إننا بحاجة إلى فحص صكّ ثقتنا بكل دقة، ذلك الصكّ الذي بموجبه ندنو من الله. فإذا كنا عصاة فإننا نقدم للرب كمبيالة لصرفها في حين أننا لم نتمم الشروط التي بموجبها تكون مستحقة الدفع لنا. فنحن نقدم لله مواعيده ونسأله أن يتمّمها في حين أنّه لو فعل ذلك لأهان اسمه. COLAr 129.3

الوعد هو هذا: « إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كَلاَمِي فِيكُمْ تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ » (يوحنا ١٥: ٧). ويوحنا يعلن قائلا: « وَبِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا قَدْ عَرَفْنَاهُ: إِنْ حَفِظْنَا وَصَايَاهُ. مَنْ قَالَ: قَدْ عَرَفْتُهُ وَهُوَ لاَ يَحْفَظُ وَصَايَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ وَلَيْسَ الْحَقُّ فِيهِ. وَأَمَّا مَنْ حَفِظَ كَلِمَتَهُ، فَحَقًّا فِي هذَا قَدْ تَكَمَّلَتْ مَحَبَّةُ اللهِ » (١يوحنا ٢: ٣-٥). COLAr 130.1

من بين أوامر المسيح الأخيرة لتلاميذه قوله « أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ » (يوحنا ١٣: ٣٤). فهل نحن مطيعون لهذا الأمر أم أننا منغمسون في أخلاق جارحة لا تمتّ إلى المسـيحية بصلة؟ فإذا كنا قد أحزنا الآخرين أو جرحنا مشاعرهم بأيّة كيفية فواجبنا يقتضينا أن نعترف بخطئنا ونلتمس المصالحة. هذا استعداد جوهري حتى يمكننا أن نقترب إلى الله بالإيمان لنسأل بركته. COLAr 130.2

وهنالك أمر آخر مهمل ومتروك في غالب الأحيان ممن يطلبون الرب في الصـلاة. فهل أنتم أمناء مع الله؟ إنّ الرب يعلن على لسان ملاخي النبي قائلا: « مِنْ أَيَّامِ آبَائِكُمْ حِدْتُمْ عَنْ فَرَائِضِي وَلَمْ تَحْفَظُوهَا. ارْجِعُوا إِلَيَّ أَرْجعْ إِلَيْكُمْ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. فَقُلْتُمْ: بِمَاذَا نَرْجعُ؟ أَيَسْلُبُ الإِنْسَانُ اللهَ؟ فَإِنَّكُمْ سَلَبْتُمُونِي. فَقُلْتُمْ: بِمَ سَلَبْنَاكَ؟ فِي الْعُشُورِ وَالتَّقْدِمَةِ » ( ملاخي ٣: ٧، ٨ ). COLAr 130.3

إنّ الله، معطي كل بركة. يطالبنا بجزء من كلّ ما نملكه. هذه هي المؤونة التي تموّل الكرازة بالإنجيل. وإذ نقدم للرب هذا الإيراد نظهر أننا نقدّر عطاياه. أما إذا كنا نضنّ عليه بما هو من حقه فكيف يمكننا أن نطلب بركته؟ إذا لم نكن وكلاء أمناء على الأشياء الأرضية فكيف ننتظر منه أن يأتمننا على الأمور السماوية؟ قد يكون هذا هو السبب في عدم استجابة صلاتنا. COLAr 130.4

ولكنّ الرب في رحمته الكثيرة مستعدّ لأن يغفر، فيقول: « هَاتُوا جَمِيعَ الْعُشُورِ إِلَى الْخَزْنَةِ لِيَكُونَ فِي بَيْتِي طَعَامٌ، وَجَرِّبُونِي بِهذَا ... إِنْ كُنْتُ لاَ أَفْتَحُ لَكُمْ كُوَى السَّمَاوَاتِ، وَأَفِيضُ عَلَيْكُمْ بَرَكَةً حَتَّى لاَ تُوسَعَ. وَأَنْتَهِرُ مِنْ أَجْلِكُمْ الآكِلَ فَلاَ يُفْسِدُ لَكُمْ ثَمَرَ الأَرْضِ، وَلاَ يُعْقَرُ لَكُمُ الْكَرْمُ فِي الْحَقْلِ ... وَيُطَوِّبُكُمْ كُلُّ الأُمَمِ، لأَنَّكُمْ تَكُونُونَ أَرْضَ مَسَرَّةٍ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ » (ملاخي ٣: ١٠-١٢). COLAr 130.5

وكذلك الحال بالنسبة إلى كل مطاليب الله الأخرى. فكل عطاياه قد وعد بأن يعطيها لمن يتممون شرط الطاعة. إنّ عند الله سماء ملأى بالبركات لمن يتعاونون معه . وكل من يطيعونه يمكنهم بكل ثقة أن يطالبوه بإتمام مواعيده. COLAr 131.1

ولكن علينا أن نبرهن على ثقة في الله ثابتة غير منحـرفة. ففي كثير من الأحيان يؤخر الإجابة ليمتحن إيماننا أو ليختبر خلوص رغائبنا. فإذ نسأله طبقا لكلمته علينا أن نؤمن بوعده ونلحّ في توسلاتنا بعزيمة تأبى الرفض. COLAr 131.2

إنّ الله لا يقول: اسـألوا مرة واحدة تعطوا. ولكنه يأمرنا بأن نسـأل. فثابروا على الصلاة في غير تعب أو مـلل. إنّ المداومة على السؤال تضع الطالـب في حالة أكثر جدّية. وتعطيه رغبة متزايدة في الحصول على الأشياء التي يسألها. لقد قال المسيح لمرثا عند قبر لعازر: « إن آمنتِ ترين مجد الله » (يوحنا ١١: ٤٠). COLAr 131.3

ولكنّ كثيرين يعوزهم الإيمان الحي. هذا هو السبب الذي يجعلهم لا يرون مزيدا من قوة الله. إنّ ضعفهم سببه عدم إيمانهم. فإنّ إيمانهم بعملهم هو أكثر من إيمانهم بعمل الله لأجلهم. إنهم يجعلون أنفسهم تحت حراستهم هم. يرسمون الخطط ويدبرون، ولكنّهم قلّ ما يصلون وثقتهم الحقيقية في الله قليلة. إنهم يظنّون أنّ عندهم إيمانا ولكنه فقط وازع وقتي. فإذ هم لا يدركون حاجتهم أو استعداد الله للاستجابة لا يواظبون على عرض طلباتهم أمام الله. COLAr 131.4

إنّ صلواتنا ينبغي أن تكون حارة وملحّة كما كان توسل الصديق المحتاج الذي طلب أرغفة الخبز في نصف الليل. فكلما سألنا بغيرة وثبات ازداد اتحادنا الروحي بالمسيح وثوقا. وحصلنا على بركات أكثر لأن إيماننا عظيم. COLAr 132.1

إنّ الدور الذي علينا أن نقوم به هو أن نصلّي ونؤمن. اسهروا وصلوا. اسهروا وتعاونوا مع الله سامع الصلاة. واذكروا دائما « إِنَّنَا نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ » (١كورونثوس ٣: ٩). كما يجب أن تتحدثوا وتتصرفوا بما يتوافق مع صلواتكم. إنّه مما يجعل فرقا عظيما بالنسبة إليكم ما إذا كان الامتحان يبرهن على صدق إيمانكم، أو يبرهن على أن صلواتكم ليست أكثر من مظهر. COLAr 132.2

وعندما تظهر الارتباكات وتواجهكم الصعوبات، فلا تنتظروا عونا من إنسان. بل ثقوا بالله في كل شيء. إنّ عادة التحدث مع الآخرين عن مشاكلنا أنها تضعفنا ولا تمنح الآخرين قوّة. وهي تلقى على كواهلهم عبء ضعفاتنا الروحية التي لا يمكنهم يريحونا منها. أننا نطلب القوة من الإنسان المخطئ المحدود في حين يمكننا الحصول على القوة من الله السرمدي الذي لا يخطئ. COLAr 132.3

ولا حاجة بكم للذهاب إلى أقصى الأرض في طلب الحكمة لأن الله قريب. إنّ الذي يمنحكم النجاح ليس هو الإمكانيات التي لديكم الآن أو التي ستكون لكم ولكن ذلك هو ما يستطيع الرب أن يصنعه لأجلكم. إننا نحتاج إلى أن نقلل من ثقتنا بما يمكن للإنسان أن يفعله ونزيد من ثقتنا بما يستطيع الله أن يفعله لكلّ نفس مؤمنة. إنه يشتاق إلى أن تسعوا إليه بالإيمان. ويتوق إلى أن يراكم تنتظرون منه العظائم. ويتوق إلى أن يمنحكم فهما وإدراكا في الأمور الزمنية كما في الأمور الروحية. إنّه يستطيع أن يشحذ الذكاء. ويستطيع أن يمنح اللباقة والحذق. شغّلوا وزناتكم واسألوا الحكمة من الله فتعطى لكم. COLAr 132.4

اتخذوا كلمة المسيح مستندا لكم. ألم يدعوكم لتُقبلوا إليه. لا تسمح لنفسك أبدا بان تتحدث بكيفية يائسة وبقنوط. فلو فعلت ذلك فستخسر الكثير. إنّك إذ تنظر إلى ظواهر الأمور وتشكو عندما تهجم عليك الصعوبات والضغط الشديد فإنك بذلك تبرهن على أنّ إيمانك ضعيف وسقيم. بل عليك أن تتحدث وتتصرف كما لو أنّ إيمانك لا يُقهر. إنّ الرب غنيّ في موارده وله العالم بما فيه. فانظر إلى السماء بإيمان، انظر إلى من عنده النور والقوة والكفاية. إنّ في الإيمان الحقيقي نشاطا وثباتا في المبدإ وثباتا في العزم لا يمكن للزمن أو التعب أن يضعفه. « اَلْغِلْمَانُ يُعْيُونَ وَيَتْعَبُونَ، وَالْفِتْيَانُ يَتَعَثَّرُونَ تَعَثُّرًا. وَأَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ » (إِشَعْيَاء ٤٠: ٣٠، ٣١). COLAr 132.5

يوجد كثيرون ممن يتوقون لمساعدة الآخرين، ولكنهم يحسون بأنّه ليست لديهم القوة الروحية أو النور ليعطوه لهم. ليقدم هؤلاء طلباتهم أمام عرش النعمة. توسلوا في طلب الرُّوح الْقُدُس. إنّ الله يسند كل وعد قدمه. فأذ تضع كتابك المقدس بين يديك قل: إنّي قد فعلت كما قلت. وها أنا أتقدم إليك بوعدك القائل: « اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ » (لوقا ١١: ٩). COLAr 133.1

وينبغي ألاّ نصلّي فقط باسم المسيح بل علينا أن نصلي أيضا بإلهام الرُّوح الْقُدُس. هذا يوضح المقصود بما قيل عن أن الروح « يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا » (رومية ٨: ٢٦). مثل هذه الصلاة يسر الله بان يجيبها. فعندما نقـدم صلاة باسم المسـيح بغيرة وقوة فيوجد في تلك القوة نفسها الضمان من الله على أنه سيجيب صلاتنا « أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ » (أَفَسُس ٣: ٢٠). COLAr 133.2

لقد قال المسيح: « كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ، فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ، فَيَكُونَ لَكُمْ » (مرقس ١١: ٢٤). « مَهْمَا سَأَلْتُمْ بِاسْمِي فَذلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ الآبُ بِالابْنِ » (يوحنا ١٤: ١٣). وها هو يوحنا الحبيب يتكلم بوحي الرُّوح الْقُدُس بصراحة ويقين عظيمين فيقول: « إِنْ طَلَبْنَا شَيْئًا حَسَبَ مَشِيئَتِهِ يَسْمَعُ لَنَا. وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَهْمَا طَلَبْنَا يَسْمَعُ لَنَا، نَعْلَمُ أَنَّ لَنَا الطِّلِبَاتِ الَّتِي طَلَبْنَاهَا مِنْهُ» (١ يوحنا ٥: ١٤، ١٥). إذا يجب أن تلح على الآب بطلبتك باسم يسوع. والله لابدّ أن يكرم ذلك الاسم. COLAr 133.3

إنّ قوس قزح المحيطة بالعرش هي التأكيد بأنّ الله أمين، وان ليس عنده تغيير ولا ظلّ دوران. لقد أخطأنا إليه ولا نستحق رضاه، ومع ذلك فهو نفسه الذي وضع في أفواهنا أعجب حجة: « لاَ تَرْفُضْ لأَجْلِ اسْمِكَ. لاَ تَهِنْ كُرْسِيَّ مَجْدِكَ. اُذْكُرْ. لاَ تَنْقُضْ عَهْدَكَ مَعَنَا » (إِرْمِيَا ١٤: ٢١). فعندما نأتي إليه مقرين بعدم استحقاقنا وخطيتنا فقد تعهد أن يلتفت إلى صراخنا. إنّ كرامة عرشه مرهونة بإتمام وعده لنا. COLAr 134.1

إنّ مخلِّصنا، كهرون الذي كان يرمز إليه، يحمل كل أسماء شعبه على قلبه في القُدْس. فرئيس كهنتنا العظيم يذكر كلّ الأقوال التي بها شجعنا على أن نثق به. إنّه يذكر عهده على الدوام. COLAr 134.2

وكل من يطلبون منه يجدون وكل من يقرعون يفتح لهم. ولن يقدم هذا الاعتذار: لا تزعجني. الباب مغلق ولا أريد أن أفتحه. ولن يقال لأي واحد: لا يمكنني مساعدتك. فالذين يستطيعون في نصف الليل في طلب أرغفة لإشباع النفوس الجائعة لا بد أن ينجحوا. COLAr 134.3

نعلم من المثل أن من يسأل خبزا لأجل رجل غريب يأخذ « قدر ما يحتاج ». وبأي كيل يوزع الله علينا لنوزع على الآخرين؟ « حَسَبَ قِيَاسِ هِبَةِ الْمَسِيحِ» (أَفَسُس ٤: ٧). إنّ الملائكة يراقبون باهتمام عظيم ليروا كيف يتعامل الإنسان مع بني جنسه. فعندما يرون أحداً يبدي عطفا كعطف المسيح نحو المخطئين فإنّهم يتزاحمون إلى جانبه ويذكرونه بكلام يقوله الذي سيكون كخبز الحياة للنفس. وهكذا « يَمْلأُ إِلهِي كُلَّ احْتِيَاجِكُمْ بِحَسَبِ غِنَاهُ فِي الْمَجْدِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ » (فيلبي ٤: ١٩). إنّه سيجعل شهادتك في صراحتها الخالصة وحقيقتها قوية بقوة الحياة العتيدة. وستكون كلمة الرب في فمك كلمة الحق والبر. COLAr 134.4

إنّ المسعى الفردي لأجل الآخرين ينبغي أن تسبقه صلوات سرية كثيرة، لأنّ إدراك علم تخليص النفوس يتطلب حكمة عظيمة. فقبل التحدث مع الناس عليك بالتحدث مع المسيح. فأمام عرش نعمة السماء يجب أن تحصل على إعداد لخدمة الشعب. COLAr 135.1

لينسحق قلبك اشتياقا إلى الله إلى الإله الحي. لقد برهنت حياة المسيح على ما يمكن للبشرية أن تفعله بصيرورتها شريكة في الطبيعة الإلهية. فكل ما أخذه المسيح من الله يمكننا نحن أيضا أن نحصل عليه. إذا فاسألوا وخذوا. فبإيمان يعقوب المثابر وبإصرار إيليا الذي لا ينثني اطلب من الله أن يعطيك كل ما قد وعد به. COLAr 135.2

ولتسيطر على عقلك كل الأفكار المجيدة عن الله. ولترتبط حياتك بحياة يسوع بربط خفية. إنّ ذاك الذي أمر بان يشرق نور من ظلمة يريد أن يشرق في قلبك ويمنحك نور معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح. والرُّوح الْقُدُس سيأخذ الأمور الإلهية ويظهرها لك إذ ينقلها كقوة حيّة إلى القلب المطيع. وسيقودك المسيح إلى أعتاب الأبدية حيث الله السرمدي. ويمكنك مشاهدة المجد من خلف الحجاب، ويعلن للناس كفاية ذاك الذي هو حّي إلى الأبد ليشفع فينا COLAr 135.3