المُعلّم الأعظم
٢٩ - « لِلِقــَاء العـَريس »
(يعتمد هذا الفصل على ما جاء في متى ٢٥: ١-١٣).
ها هو المسيح جالس مع تلاميذه فوق جبل الزيتون وقد غابت الشمس خلف الجبال فالتحفت السَّمَاوَات بغلاف من ظلال المساء. وأمامهم تماما بيت أضيئت فيه الأرض متألقة كما لو أن هناك احتفالا مبهجاً. والنور ينبثق من النوافذ، وهناك جماعة منتظرة حول الباب مما يدل على قرب ظهور موكب عرس. ففي كثير من بلدان الشرق تقام حفلات الأعراس في وقت المساء. والعريس يخرج لملاقاة عروسه والإتيان بها إلى بيته. والجماعة المرافقة للعروس تسير على نور المشاعل متقدمة من بيت أبيها إلى بيت العريس حيث تقام وليمة للضيوف المدعوين. وفي المشهد الذي يراه المسيح توجد جماعة منتظرة ظهور موكب العرس على نيّة الانضمام إلى الموكب. COLAr 375.1
وبالقرب من بيت العروس تقف عشر عذارى متسربلات بالحلل البيضاء. وكل منهنّ تحمل مصباحا منيرا أو آنية صغيرة للزيت. وكلّهن ينتظرون ظهور العريس بشوق. ولكنّ العريس يتأخّر. تمرّ ساعة بعد ساعة. فتنام العذارى المنتظرات وينمن. وفي نصف الليل يُسمع صراخ يقول: « هُوَذَا الْعَرِيسُ مُقْبِلٌ، فَاخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ » (متى ٢٥: ٦). فإذ تصحو العذارى النائمات فجأة ينهضن على أقدامهن. إنّهن يرين الموكب سائرا وقد أشرقت فيه الأنوار وصدحت الموسيقى. وها هنّ يسمعن صوت العريس وصوت العروس. فتمسك العذارى العشر مصابيحهن ويصلحنها ليخرجن سريعا. ولكن خمسا منهن أهملن أن يملأن آنيتهن زيتا. إنّهن لم يكنّ يحسبن حساب هذا التأخّر الطويل فلم يتأهّبن لذلك الطارئ. ففي كربهنّ لجأن إلى رفيقاتهن الحكيمات قائلات: « أَعْطِينَنَا مِنْ زَيْتِكُنَّ فَإِنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئُ » (متى ٢٥: ٨). أمّا الخمس العذارى المنتظرات فكن قد أفرغن الزيت من آنيتهن بعدما أصلحـن مصابيحهـن. فلم يتبقَ معهن زيت ولذلك يُجبن صواحبهن قائلات: « لَعَلَّهُ لاَ يَكْفِي لَنَا وَلَكُنَّ، بَلِ اذْهَبْنَ إِلَى الْبَاعَةِ وَابْتَعْنَ لَكُنَّ » (متى ٢٥: ٩). COLAr 375.2
وفيما هنّ ذاهبات ليبتَعْن تقدم الموكب أما هنّ فتخلّفن أما الخمس العذارى ذوات المصابيح المضاءة فانضممن إلى الموكب ودخلن البيت مع موكب الفرح واُغلق الباب. وعندما وصلت العذارى الجاهلات إلى بيت الوليمة لم يُسمح لهن بالدخول على عكس ما كنّ يتوقعن. فقد أعلن صاحب الوليمة قائلا لهنّ: ما أعرفكنّ. فتُرِكن واقفاتٍ خارجا في الشارع الخالي من المارة وفي ظلمة الليل الداجية. COLAr 376.1
فإذ جلس المسيح ليرى تلك الجماعة المنتظرة قدوم العريس أخبر تلاميذه بقصّة العذارى العشر، وباختبارهنّ شرحن اختبار الكنيسة التي ستعيش قبيل مجيئه الثاني. COLAr 376.2
إنّ الفريقين المنتظرين يمثّلان الفريقين اللذين سيعترفان بأنهما ينتظران السيد. إنّهما يُسمّيان عذارى لأنهما يعترفان باعتناق الإيمان النقي. والمصابيح ترمز إلى كلمة الله. فالمرنم يقول: « سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي » (مزمور ١١٩: ١٠٥). والزيت رمز إلى الرُّوح الْقُدُس. وهكذا نجد أن الروح يُرمز إليه في نبوة زكريا بالقول: « فَرَجَعَ الْمَلاَكُ الَّذِي كَلَّمَنِي وَأَيْقَظَنِي كَرَجُل أُوقِظَ مِنْ نَوْمِهِ. وَقَالَ لِي: مَاذَا تَرَى؟ فَقُلْتُ: قَدْ نَظَرْتُ وَإِذَا بِمَنَارَةٍ كُلُّهَا ذَهَبٌ، وَكُوزُهَا عَلَى رَأْسِهَا، وَسَبْعَةُ سُرُجٍ عَلَيْهَا، وَسَبْعُ أَنَابِيبَ لِلسُّرْجِ الَّتِي عَلَى رَأْسِهَا. وَعِنْدَهَا زَيْتُونَتَانِ، إِحْدَاهُمَا عَنْ يَمِينِ الْكُوزِ، وَالأُخْرَى عَنْ يَسَارِهِ. فَأَجَبْتُ وَقُلْتُ لِلْمَلاَكِ الَّذِي كَلَّمَنِي قَائِلاً: مَا هذِهِ يَا سَيِّدِي؟ ... فَأَجَابَ وَكَلَّمَنِي قَائِلاً: هذِهِ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى زَرُبَّابِلَ قَائِلاً: لاَ بِالْقُدْرَةِ وَلاَ بِالْقُوَّةِ، بَلْ بِرُوحِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ... وَأَجَبْتُ ثَانِيَةً وَقُلْتُ لَهُ: مَا فَرْعَا الزَّيْتُونِ اللَّذَانِ بِجَانِبِ الأَنَابِيبِ مِنْ ذَهَبٍ، الْمُفْرِغَانِ مِنْ أَنْفُسِهِمَا الذَّهَبِيَّ؟ ... فَقَالَ: هَاتَانِ هُمَا ابْنَا الزَّيْتِ الْوَاقِفَانِ عِنْدَ سَيِّدِ الأَرْضِ كُلِّهَا » (زكريا ٤: ١-١٤). COLAr 376.3
لقد أفرغ الزيت الذهبي من الزيتونتين في الأنابيب الذهبية ليصب في طاس المنارة ومنها إلى المصابيح الذهبية التي أنارت القدس. وهكذا بواسطة القديسين الواقفين في حضرته يعطى الله روحه للأداة البشرية المكرسة لخدمته. إن رسالة الممسوحين هي أن يوصلا إلى شعب الله تلك النعمـة السـماوية التي تسـتطيع وحـدها أن تجعـل كلمته سراجاً ونوراً لسبلنـا: « لاَ بِالْقُدْرَةِ وَلاَ بِالْقُوَّةِ، بَلْ بِرُوحِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ » (زكريا ٤: ٦). COLAr 378.1
إننا نجد في المثل أنّ العذارى العشر جميعهن خرجن للقاء العريس. وكانت معهن جميعاً المصابيح وأواني الزيت. وقد ظللن بعض الوقت وكأن لا فرق بينهن. وكذلك ستكون الحال مع الكنيسة التي ستكون موجودة قبيل المجيء الثاني للمسيح مباشرة. فالجميع يعرفون الكتب. وقد سمع الجميع الرسالة المنبئة بقرب مجيء المسيح وهم ينتظرون ظهوره بثقة. ولكن كما في المثل كذلك الحال الآن. فان فترة انتظار ستتوسط في ذلك الوقت ويُجرَّب الإيمان، وعندما يسمع الصراخ القائل: « هُوَذَا الْعَرِيسُ مُقْبِلٌ، فَاخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ » سيكون كثيرون غير مستعدين. إذ لا يوجد زيت في آنيتهم مع مصابيحهم. إنّهم محرومون من الرُّوح الْقُدُس. COLAr 378.2
إنّ معرفة كلمة الله بدون روحه لا جدوى منها. ونظرية الحق ما لم يصحبها الرُّوح الْقُدُس لا يمكنها أن تحيي النفس أو تقدس القلب. قد يكون الإنسان على علم ودراية بأوامر الكتاب المُقَدَّس ومواعيده ولكن ما لم يعمـّق روح الله الحق في القلب فلن تتغير الأخــلاق. وبدون إنـارة الروح لن يستطيع الناس أن يميزوا الحق من الضلال فيسقطون في تجارب الشيطان البارعة. COLAr 378.3
إنّ الفريق الذي ترمز إليه العذارى الجاهلات ليسوا مرائين. فهم يقدرون الحق وقد دافعوا عن الحق وهم يميلون إلى من يؤمنون بالحق، لكنهم لم يخضعوا ذواتِهم لعمل الروح. إنّهم لم يسقطوا على الصخرة، المسيح يسوع ولم يسمحوا لطبيعتهم القديمة أن تنكسر. وهذا الفريق يرمز إليهم أيضاً السامعون الذين تُشبه قلوبهم الأرض المحجرة. إنّهم يقبلون الكلمة حالا ولكنّهم لا يستوعبون مبادئها. فتأثير الكلمة لا يدوم. إنّ الروح يعمل في قلب الإنسان بحسب رغبة الإنسان ورضاه غارساً فيه طبيعة جديدة. ولكنّ أفراد الفريق الذين ترمز إليهم العذارى الجاهلات اقتنعوا بعمل سطحي. إنّهم لا يعرفون الله، إنّهم لم يتأملوا في صفاته ولا كانت لهم شركة معه، ولذلك فهم لا يعرفون كيف يثقون، ولا كيف ينظرون إليه ويحيون. إن خدمتهم لله تنحط بحيث تصير أمراً شكلياً « يَأْتُونَ إِلَيْكَ كَمَا يَأْتِي الشَّعْبُ، وَيَجْلِسُونَ أَمَامَكَ كَشَعْبِي، وَيَسْمَعُونَ كَلاَمَكَ وَلاَ يَعْمَلُونَ بِهِ، لأَنَّهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُظْهِرُونَ أَشْوَاقًا وَقَلْبُهُمْ ذَاهِبٌ وَرَاءَ كَسْبِهِمْ » (حِزْقِيَال ٣٣: ٣١). والرسول بولس يشير إلى أن هذا سيكون هو الصفة المميزة لمن يعيشون قبيل المجيء الثاني للمسيح. فيقول: « إنَّهُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ، لأَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمْ ... مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ دُونَ مَحَبَّةٍ للهِ، لَهُمْ صُورَةُ التَّقْوَى، وَلكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا » (٢تيموثاوس ٣: ١-٥). COLAr 379.1
هؤلاء هم الجماعة الذين في وقت الخطر يقولون سلام وأمان. إنّهم يسكنون قلوبهم لتشعر بالطمأنينة ولا يحلمون بأي خطر. وعندما يجفلون من سباتهم يستعيبون عوزهم ويتوسّلون إلى الآخرين ليسدوا تلك الحاجة، ولكن في الشؤون الروحية لا يمكن لإنسان إنّ يسد نقص إنسان آخر. إنّ نعمة الله قد قُدّمت مجاناً لكل نفس. وقد أذيعت بشرى الإنجيل تقول: « مَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا » (رؤيا ٢٢: ١٧) ولكن الخلُق لا يمكن نقله أو إعارته. فلا يمكن أن يؤمن إنسانٌ لإنسانٍ آخر، ولا يمكن لواحد أن يقبل الروح نيابة عن آخر. ولا يستطيع إنسان أن يُعطي لآخر الخلُق الذي هو ثمرة عمل الروح في قلبه: « وفى وسطها (وسط الأرض) نوح ودانيال وأيوب فحيّ أنا يقول السيد الرب أنّهم لا يخلّصون ابناً ولا ابنةً. إنّما يخلّصون أنفسهم ببرّهم » (حِزْقِيَال ١٤: ٢٠). COLAr 379.2
الخلُق يظهر في الأزمات. فعندما أعلن الصوت الغيور في نصف الليل قائلاً: « هُوَذَا الْعَرِيسُ مُقْبِلٌ، فَاخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ » واستيقظت العذارى النائمات من نومهن رُؤيَ من هنّ اللائي أعددن العدة لذلك الحادث. لقد أُخِذَ كلا الفريقين على غرّة، ولكن فريقاً منهما كان متأهباً لمواجهة ذلك الظرف الطارئ، بينما الفريق الآخر كان على غير استعداد. هكذا الآن فإنّ بليّة مفاجئة غير متوقعة، وشيئاً يوقف النفس وجهاً لوجه أمام الموت سيَرى ما إذا كان هنالك إيمان حقيقي بمواعيد الله. وهذه البلية ستبرهن ما إذا كانت النفس مدعمة بالنعمة. إنّ الامتحان الأخير العظيم يأتي في نهاية فرصة الإمهال المقدمة للناس عندما يكون قد مضى الوقت الذي فيه تُسدّ حاجة النفس. COLAr 380.1
إنّ العذارى العشر ساهراتٍ في مساء تاريخ العالم هذا. والجميع يدّعون أنّهم مسيحيون. والجميع لهم دعوة واسم ومصباح، والجميع يعترفون بأنّهم يعملون خدمة الله. والجميع يبدو عليهم أنّهم ينتظرون مجيء المسيح. ولكن خمساً غيرُ مستعداتٍ، خمساً سيجدن أنفسهن مندهشاتٍ بئِسات خارج بيت الوليمة. COLAr 380.2
وفى اليوم الأخير سيَدّعي كثيرون أنّ لهم الحق في دخول ملكوت المسيح إذ يقولون: « أَكَلْنَا قُدَّامَكَ وَشَرِبْنَا، وَعَلَّمْتَ فِي شَوَارِعِنَا »، يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ » فيأتي الجـواب: « أَقُولُ لَكُمْ: لاَ أَعْرِفُكُمْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ، تَبَاعَدُوا عَنِّي » (لوقا ١٣: ٢٦، ٢٧؛ متى ٧: ٢٢). إنّهم لم يعاشروا المسيح في هذه الحياة، ولذلك فهم لا يعرفون لغة السماء وهم غرباء عن أفراحها: « لأَنْ مَنْ مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ الإِنْسَانِ إِلاَّ رُوحُ الإِنْسَانِ الَّذِي فِيهِ؟ هكَذَا أَيْضًا أُمُورُ اللهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ » (١ كورنثوس ٢: ١١). COLAr 380.3
إنّ أعظم الأقوال حزناً سمعتها أذنُ إنسانٍ هي كلمات الدينونة هذه القائلة: « لا أعرفكن ». إنّ شركة الروح التي قد ازدريتم بها هي دون سواها التي كان يمكنها أن تجعلكم متّحدين مع ذلك الجمع الفرح في وليمة العرس. ولكنكم لا تستطيعون الاشتراك في ذلك المشهد. فنوره يقع على عيونكم العمياء وآذانكم الصمّاء لا تسمع أنغامه. ومحبة تلك الوليمة وفرحها لا يمكنها أن توقظ أوتار الفرح في قلب خدّره العالم. فأنتم تُمنعون من الدخول إلى السماء لأنكم غير مؤهلين لمعاشرة سكانها. COLAr 381.1
ونحن لا يمكننا أن نكون مستعدين لملاقاة الرب إذا كنا لا نستيقظ إلا عند سماع صوت الصراخ القائل: « هُوَذَا الْعَرِيسُ مُقْبِلٌ » وحينئذ نجمع مصابيحنا الفارغة لكي تُملأ ثانية. ولا نستطيع أن نُبقي المسيح بعيداً عن حياتنا هنا ومع ذلك نكون مؤهلين لمعاشرته في السماء. COLAr 381.2
أنّنا نجد في المثل أنّ العذارى الحكيمات أخذن زيتاً في آنيتهنّ مع مصابيحهنّ. وقد تألق نورهنّ بلهيب لامع في ليل الانتظار. وهذا زاد من الإنارة لإكرام العريس. فإذ أشرق النور في تلك الظلمة فقد أعان على إنارة الطريق لبيت العريس وإلى وليمة العرس. COLAr 382.1
وكذلك يجب على تلاميذ المسيح أن يشرقوا بنورهم في ظلمة العالم. فبواسطة الرُّوح الْقُدُس تصير كلمة الله نوراً إذ تصير قوّةً مجددةً لحياة من يقبلها. إنّ الرُّوح الْقُدُس إذ يغرسُ في قلوب الناس مبادئ كلمته فهو ينمّي فيهم صفات الله. فيجب أنّ نور مجده — أي صفاته — يضيء في حياة تابعيه. وهكذا عليهم أن يمجدوا الله، وأن ينيروا الطريق إلى بيت العريس، إلى مدينة الله، إلى عشاء عرس الحمل. COLAr 382.2
وفى نصف الليل جاء العريس — أي في أظلم ساعات الليل. وهكذا سيجيء المسيح في أظلم فترة من تاريخ هذه الأرض. إنّ أيام نوح وأيام لوط تصوّر لنا حالة العالم قبيل مجيء ابن الإنسان. والكتب المقدسة إذ تشير إلى الأمام إلى هذا الوقت تعلن أن الشيطان سيعمل بكل قوة و « بِكُلِّ خَدِيعَةِ الإِثْمِ » (٢تيموثاوس ٢: ٩، ١٠). إنّ عمله يظهر بوضوح بواسطة الظلمة المنتشرة بسرعة والضلالات الكثيرة والهرطقات ومخادعات هذه الأيام الأخيرة. إنّ الشيطان ليس فقط دائباً على أن يأسر العالم بل إنّ غواياته تخمّر الكنائس المعترفة بربنا يسوع المسيح. وسيتطور الارتداد العظيم حتى يصير ظلمة داجية كظلمة منتصف الليل لا يمكن اختراقها كمسح من الشعر. وبالنسبة إلى شعب الله فسيكون ليل التجارب، ليل البكاء، ليل الاضطهاد لأجل الحقّ. ولكن من ليل الظلام ذاك سيضيء نور الله. COLAr 382.3
« يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ » (٢كورنثوس ٤: ٦). فحين « كَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ » كان « رُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ. وَقَالَ اللهُ: لِيَكُنْ نُورٌ، فَكَانَ نُورٌ » (تكوين ١: ٢، ٣). وكذلك في ليل الظلمة الروحية تخرج كلمة الله قائلة: « لِيَكُنْ نُورٌ » ثم يقول لشعبه: « قُومِي اسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ » (إِشَعْيَاء ٦٠: ١). COLAr 383.1
والكتاب يقول: « لأَنَّهُ هَا هِيَ الظُّلْمَةُ تُغَطِّي الأَرْضَ وَالظَّلاَمُ الدَّامِسُ الأُمَمَ. أَمَّا عَلَيْكِ فَيُشْرِقُ الرَّبُّ، وَمَجْدُهُ عَلَيْكِ يُرَى » (إِشَعْيَاء ٦٠: ٢). COLAr 383.2
إنّ الظلمة التي تكتنف العالم هي ظلمةَ سوءِ إدراك الناس لله. فالناس يضيّعون معرفتهم لصفاته. لقد أُسيء فهمها وحُرّفت. ففي هذا الوقت ستعلن رسالة من الله. رسالة منيرة بتأثيرها ومخلصة بقوّتها. فيجب أن تعرف صفاتُه. فسيخترق ظلام العالم نور مجده ونور صلاحه ورحمته وحقه. COLAr 383.3
هذا هو العمل الذي يلخّصه إِشَعْيَاء النبي في قوله: « ارْفَعِي صَوْتَكِ بِقُوَّةٍ، يَا مُبَشِّرَةَ أُورُشَلِيمَ. ارْفَعِي لاَ تَخَافِي. قُولِي لِمُدُنِ يَهُوذَا: هُوَذَا إِلهُكِ. هُوَذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ بِقُوَّةٍ يَأْتِي وَذِرَاعُهُ تَحْكُمُ لَهُ. هُوَذَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ وَعُمْلَتُهُ قُدَّامَهُ.” (إِشَعْيَاء ٤٠: ٩، ١٠). COLAr 383.4
فالذين ينتظرون مجيء العريس عليهم أن يقولوا للشعب: « هُوَذَا إِلهُكُمُ ». إنّ آخر أشعة نور الرحمة. وآخر رسالة الرحمة للعالم هي الإعلان عن صفته صفة المحبّة. وعلى أولاد الله أن يعلنوا مجده. ففي حياتهم وصفاتهم عليهم أن يعلنوا ما قد صنعته نعمة الله لأجلهم. COLAr 383.5
ويجب أن يشرق نور شمس البرّ في الأعمال الصالحة — في أقوال الحق وأعمال القداسة. COLAr 384.1
إنّ المسـيح الذي هو بهاء مجد الآب قد أتى نوراً للعالم. وهو جاء ليمثل الله للنـاس. وقد قـال عنه الكتــاب انه قد مُسـح « بِالرُّوح الْقُدُس وَالْقُوَّةِ » و « جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا » (أعمال ١٠: ٣٨). وإذ كـان في مجمـع الناصـرة قـال: « رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ » (لوقا ٤: ١٨، ١٩). كان هذا هو العمـل الذي فوض لتلاميـذه أمر القيـام به. وقد قال: « أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ » « فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ » (متى ٥: ١٤، ١٦). COLAr 384.2
هذا هو العمل الذي يصفه النبي إِشَعْيَاء حين يقول: « أَلَيْسَ أَنْ تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ، وَأَنْ تُدْخِلَ الْمَسَاكِينَ التَّائِهِينَ إِلَى بَيْتِكَ؟ إِذَا رَأَيْتَ عُرْيَانًا أَنْ تَكْسُوهُ، وَأَنْ لاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ. حِينَئِذٍ يَنْفَجِرُ مِثْلَ الصُّبْحِ نُورُكَ، وَتَنْبُتُ صِحَّتُكَ سَرِيعًا، وَيَسِيرُ بِرُّكَ أَمَامَكَ، وَمَجْدُ الرَّبِّ يَجْمَعُ سَاقَتَكَ » (إِشَعْيَاء ٥٨: ٧، ٨). COLAr 385.1
وهكذا ففي ليل الظلام الروحي يشرق مجد الله بواسطة كنيسته في إقامة المنحنين وتعزية النائحين. COLAr 385.2
ففي كل مكان حولنا تسمع ولولةَ أحزان العالم. وفى كل ناحية يوجد المحتاجون والمتضايقون. وواجبنا أن نساعد على إراحة الناس والتخفيف من مشقات الحياة وشقائها. COLAr 385.3
إنّ العمل الفعلي سيكون له تأثير أبعد في مداه من مجرّد إلقاء العظات. فعلينا أن نقدّم طعاماً للجياع وكساء للعراة وملجأ للمشرّدين. ثم إنّنا مدعوون لأن نفعل أكثر من هذا. فحاجات النفس لا يمكن أن تسدّها غير محبّة المسيح. فإذا كان المسيح ساكناً فينا فستمتلئ قلوبنا بالعطف الإلهي. وستنفتح الينابيع المختومة ينابيع المحبة المسيحية الغيورة COLAr 385.4
والله لا يطلب فقط أن نقدّم عطايانا للمحتاجين بل يطلب أيضا أن تكون وجوهنا طلقة باسمة فرحة، وأن يكون كلامَنا باعثا على الرجاء وأن تكون مصافحتنا مشفقة. فالمسيح عندما شفى المرضى كان يضع يده عليهم. فكذلك علينا أن نختلط بمن نحاول أن نساعدهم. COLAr 386.1
يوجد كثيرون ممن قد فارقهم الرجاء. فعليكم بأن تعيدوا إليهم نور الشمس. وكثيرون قد ضاعت شجاعتهم فعليكم أن تحدثوهم بكلام يدخل الفرح إلى قلوبهم. صلّوا لأجلهم. ويوجد من هم بحاجة إلى خبز الحياة. فاقرأوا لهم من كلمة الله. وكثيرون نفوسهم سقيمة ولا يمكن لأي علاج أرضي أن يصل إليها ولا يستطيع أي طبيب أن يشفيها. فصلّوا لأجل هذه النفوس وأحضروهم إلى يسوع. وقولوا لهم انه يوجد بلسان في جلعاد ويوجد هناك طبيب. COLAr 386.2
إنّ النور هو بركة. بركة عامة يسكب كنزه على عالم غير شاكر ونجس وفاسد الأخلاق. كذلك الحال مع نور شمس البرّ. فالأرض كلها وهي ملتحفة بظلمة الخطية والحزن والألم يجب أن تستنير بمعرفة محبة الله. وهذا النور المنبثق من عرش السماء يجب أن لا تُحرم منه أية طائفة أو طبقة أو فريق من الناس. COLAr 386.3
ورسالة الرجاء والرحمة يجب أن تصل إلى أقصى الأرض. فأي من يريد يمكنه أن يمدّ يده ويمسك بقوة الله ويتصالح معه فيصطلح. ولا حاجة بالوثنيين إلى أن يلتحفوا بالظلمة، ظلمة منتصف الليل فيما بعد. فالظلمة تنقشع أمام أشعة شمس البرّ المتألقة. فلقد غلبت قوة الجحيم. COLAr 386.4
ولكن لا يمكن لإنسان أن يوزّع على الآخرين ما لم يحصل عليه. ففي عمل الله لا يمكن للبشرية أن تخلق شيئاً منه. فلا يمكن لإنسان بمجهوده أن يجعل ذاته حامل النور لأجل الله. فالزيت الذهبي المفرغ بأيدي رسل السماء في الأنابيب الذهبية ليصل من الطاس الذهبية إلى مصابيح القدس هو الذي أوجد نوراً دائماً ولامعاً ومضيئاً. ومحبة الله التي تُنقل إلى الإنسان بلا انقطاع تجعله قادراً على أن يوزع النور. إنّ زيت المحبة الذهبي يفيض بغزارة في قلوب كل من هم مرتبطون بالله بالإيمان لينير من جديد في الأعمال الصالحة، وفى الخدمة الحقيقية القلبية لله. COLAr 386.5
إنّ كل موارد السماء مشتملةٌ في عطية الرُّوح الْقُدُس العظيمة غير المحدودة. فالسبب الذي لأجله لا يفيض غنى نعمة الله تجاه الأرض للناس ليس هو أي تحديد من جانب الله. فلو أنّ الجميع يرغبون أن يأخذوا فالجميع سيصيرون ممتلئين بروحه. COLAr 387.1
إنّه امتياز لكل إنسان أن يكون قناة حيّة يمكن لله بواسطتها أن يمنح للعالم كنوز نعمته، وغنى المسيح الذي لا يُستقصى. لا يوجد ما يرغب فيه المسيح قدر أن يجد اتباعا له يمثلون للعالم روحه وصفاته. ولا شيء يحتاجه العالم قدر إعلان محبة المُخَلِّص بواسطة بني الإنسان. وكل السماء تنتظر قنواتٍ فيها يمكن أن يُصبّ الزيتُ المقدسُ ليكون فرحاً وبركة لقلوب الناس. COLAr 387.2
لقد أعد المسيح كل ما يلزم حتى تكون كنيسته هيئة متجددة مستنيرة بالذي هو نور العالم وحائزة على مجد عِمَّانُوئِيل. إنّه يقصدُ أن يكون كل مسيحي محاطا بجوّ روحي من النور والسلام. وهو يريدنا أن نُظهر فرحَه في حياتنا. COLAr 387.3
إنّ سكنى الرُّوح الْقُدُس فينا يتبرهن بواسطة المحبة السماوية الفائضة. فملء الله يفيض عن طريق الوسائل البشرية المكرسة ليُعطى للآخرين. COLAr 387.4
إنّ شمس البرّ تشرق و « الشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا » (ملاخي ٤: ٢). وهكذا سيشع من كل تلميذ أمين قوةٌ للحياة وشجاعةٌ ومعونةٌ وشفاءٌ حقيقي. COLAr 387.5
إنّ ديانة المسيح تعنى شيئاً أكثر من غفران الخطية، فهي تعني إبعاد خطايانا وملءَ الفراغ بهبات الرُّوح الْقُدُس. وهي تعني الإنارةَ الإلهيةَ والفرحَ في الله. وتعني خلوّ القلب من الذات وحصوله على البركة بحلول المسيح الدائم فيه. ومتى ملك المسيح في النفس فهناك الطهارة والتحرر من الخطية. ويتمّ في النفس مجدُ تدبير الإنجيل وملؤه وكماله. وقبولنا للمخلص يُكسب النفسَ تألّقَ السلام الكامل والمحبة الكاملة واليقين الكامل. وإنّ جمال صفات المسيح ورائحتَه الزكيةَ الظاهرةَ في النفس تشهد بأنّ الله قد أرسل ابنه حقاً إلى العالم ليكون مخلّصاً له. COLAr 387.6
والمسيح لا يأمر تلاميذه أن يحاولوا أن ينيروا. ولكنّه يقول: ليضيء نوركم. فإذا كنت قد قبلت نعمة الله فالنور فيك. فإن أزلت الموانع سيعلن مجدُ الله. فالنور سيضيء مخترقاً أحشاء الظلمة ومبدداً غياهبها. ولن يمكنك إلاّ أن تنير ضمن نطاق تأثيرك. COLAr 388.1
إنّ إعلان المُخَلِّص لمجده في صورة البشرية سيقرّب السماء إلى الناس بحيث أنّ الجمال الذي يزيّن قدسَ الأقداسِ يُرى في كل نفس يسكن هو فيها. والناس سيُسْبون بمجد المسيح الساكن في النفس. وفى غمرة الحمد والشكر الذي تنطق به النفوس الكثيرة التي رُبحت لله سيعود المجد إلى المُعطي الأعظم. COLAr 388.2
« قُومِي اسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ » (إِشَعْيَاء ٦٠: ١). إنّ هذه الرسالة موجهة إلى من يخرجون للقاء العريس. فالمسيح آتٍ بقوة ومجد عظيم. إنّه آتٍ بمجده ومجد الآب. وهو آتٍ وجميع الملائكة القديسين معه. فحين يكون العالم كلّه غارقاً في الظلام فسيكون نور في كل مساكن القديسين وسينتبهون لأول نور لظهوره الثاني. فالنور النقيّ سيضيئ من بهاء المسيح. والمسيح الفادي سيُتعجب منه من جميع الذين خدمـوه. فحين يهرب الأشـرار من حضــرته سـيفرح تلاميـذ المسـيح. إنّ أيّوب القديس الشيخ إذ نظر عبر الأجيال إلى المجيء الثاني للمسيح قال: « الَّذِي أَرَاهُ أَنَا لِنَفْسِي، وَعَيْنَايَ تَنْظُرَانِ وَلَيْسَ آخَرُ » (أيوب ١٩: ٢٧). لقد كان المسيح رفيقاً في كل يوم وصديقاً وعشيراً لكل تلاميذه الأمناء. لقد عاشوا على اتصال وثيق وفي شركة دائمة مع الله. فلقد أشرق عليهم مجد الرب. وقد انعكس فيهم نور معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح. والآن هم يفرحون بالأنوار الساطعة أنوار بهاء مجد الملك في جلاله. وهم متأهبون لشركة السماء لأنّ السماء في قلوبهم. COLAr 388.3
وبأيادٍ مرتفعة, وبأنوار شمس البرّ المتلألئة والساطعة عليهم, وبفرحهم لأنّ فداءهم يقترب يخرجون للقاء العريس قائلين: « هوذا هذا إلهنا انتظرناه فخلصنا » (إشعياء ٢٥: ٩). لشركة السماء لأنّ السماء في قلوبهم. COLAr 389.1
وبأيادٍ مرتفعة, وبأنوار شمس البرّ المتلألئة والساطعة عليهم, وبفرحهم لأنّ فداءهم يقترب يخرجون للقاء العريس قائلين: « هوذا هذا إلهنا انتظرناه فخلصنا » (إشعياء ٢٥: ٩). لشركة السماء لأنّ السماء في قلوبهم. COLAr 389.2
وبأيادٍ مرتفعة، وبأنوار شمس البرّ المتلألئة والساطعة عليهم، وبفرحهم لأنّ فداءهم يقترب يخرجون للقاء العريس قائلين: « هُوَذَا هذَا إِلهُنَا. انْتَظَرْنَاهُ فَخَلَّصَنَا » (إِشَعْيَاء ٢٥: ٩). COLAr 389.3
« وَسَمِعْتُ كَصَوْتِ جَمْعٍ كَثِيرٍ، وَكَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، وَكَصَوْتِ رُعُودٍ شَدِيدَةٍ قَائِلَةً: « هَلِّلُويَا! فَإِنَّهُ قَدْ مَلَكَ الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ! لأَنَّ عُرْسَ الْخَرُوفِ قَدْ جَاءَ، وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا ... وَقَالَ لِيَ: اكْتُبْ: طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْخَرُوفِ ». « لأَنَّهُ رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ » (رؤيا ١٩: ٦-٩؛ ١٧: ١٤). COLAr 389.4