المُعلّم الأعظم
وزنات أخرى
إنّ هبات الروح الخاصة ليست هي الوزنات الوحيدة المبينة في المثل. فهي تشمل كل الهبات والعطايا سواء أكانت أصيلة أو مكتسبة، طبيعية أو روحية. وهذه كلها ينبغي استخدامها في خدمة المسيح. فنحن إذ نصير تلاميذَ له. نسلم ذواتنا له بكل كياننا وكل ما نملك. وهو يعيد إلينا هذه الهبات طاهرة وسامية لتُستخدَم لمجده في جلب البركة لبني جنسنا. COLAr 299.2
إنّ الله قد أعطى كل واحد « عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ » (متى ٢٥: ١٥). إنّ الوزنات لا تُقّسم لكل واحد على هواه. ولكن الذي له المقدرة على استثمار خمس وزنات أُعطِيَ خمسا. والذي يمكنه أن يحسّن وزنتين يأخذ اثنتين، والذي يمكنه أن يتصرف بحكمة في وزنة واحدة فقط أعطيت له وزنة. فلا حاجة لأحد في أن ينتدب لأنَّه له وزنات أكثر، لأنّ الذي قسم لكل واحد نصيبه يتمجد عندما تحسّن كل وديعة سواء أكانت كثيرة أو قليلة. فالذي سُلّمَت إليه خمس وزنات عليه أن يستثمر الوزناتِ الخمس، والذي أخذ وزنة واحدة عليه أن يُحسن استخدام الواحدة فالله ينتظر نتائج « عَلَى حَسَبِ مَا لِلإِنْسَانِ، لاَ عَلَى حَسَبِ مَا لَيْسَ لَهُ » (٢كورنثوس ٨: ١٢). COLAr 299.3
نجد في المثل أن « الَّذِي أَخَذَ الْخَمْسَ وَزَنَاتٍ » مضى « وَتَاجَرَ بِهَا، فَرَبحَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخَرَ. وَهكَذَا الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَتَيْنِ، رَبِحَ أَيْضًا وَزْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ » (متى ٢٥: ١٦، ١٧). COLAr 300.1
إنّ الوزنات مهما تكن قليلة العدد ينبغي أن تُستثمر. إنّ السؤال الذي يهمنا أكثر من غيره هو ليس: كم أخذت؟ بل: ماذا أنا فاعل بما قد أخذت؟ إنّ تحسين كل قوانا هو أول واجب نحن مدينون به لله ولبني جنسنا. فمن لا ينمو كل يوم في المقدرة والنفع لا يتمّم غرضَ الحياةِ. إننا إذ نعترف بإيماننا بالمسيح فنحن نتعهد أن نصبو إلى كل ما يمكننا أن نصير إليه كخدام للسيد، وان ننمّي كلّ قوة فينا إلى أقصى درجات الكمال حتى نستطيع أن نعمل أعظم قدر من الخير الذي نحن قادرون عليه. COLAr 300.2
إنّ للرب عملا عظيما يجب إنجازه، وفي الحياة العتيدة سيورث النصيب الأكبر لمن يقومون بأعظم خدمة أمينة عن طيب خاطر في الحياة الحاضرة. والرب يختار عماله وفي كل يوم في ظروف مختلفة يقدّم لهم اختبارا في خطة عمله، وفي كل مسعى أمين لتنفيذ خطّته يختار عماله لا لأنهم كاملون، بل لأنهم عن طريق ارتباطهم به يمكنهم أن يبلغوا حدّ الكمال. COLAr 301.1
والله لا يقبل إلاّ من يصمّمون على أن يسموا بأهدافهم. وهو يجعل كل عامل تحت التزام بأن يفعل أفضل ما يستطيعه. والكمال الأدبي مطلوب من الجميع. فينبغي ألاّ نخفض مقياس البرّ لكي نوفق بين الميول الموروثة أو المغروسة وبين عمل الشر. وعلينا أنّ ندرك أن النقص في الخلُق هو خطية. وكل سجايا الخلق البارة هي في الله الذي هو كلُّ كامل ومنسجم، وكل من يقبل المسيح مخلّصاً شخصيا له يصبح له امتياز امتلاك هذه السجايا. COLAr 301.2
وعلى الذين يريدون أن يكونوا عاملين مع الله أن يجتهدوا في جعل كل عضو من أعضاء الجسم وكل صفة من صفات العقل في حالة الكمال. الثقافة الصحيحة هي إعداد القوى الجسمية والعقلية والأدبية لأداء كل واجب، وهي تهيئة الجسم والعقل والنفس للخدمة المقدسة — تلك هي الثقافة الباقية للحياة الأبدية. COLAr 301.3
إنّ الرب يطلب من كل مسيحي أن ينمو في الكفاءة والمقدرة في كل فروع العمل. لقد دفع لنا المسيح أجرتنا أي دمَه وآلامَه، لكي يحصل على خدمتنا الطوعية. ولقد أتى إلى عالمنا ليقدم لنا مثالا في كيف يجب أن نخدم وأي روح يجب أن ندخلها في عملنا. وهو يريدنا أن نفكر في كيف يمكننا أن نتقـدم بعملــه ونمجد اسـمه في العـــالم، ونتـوّج بالكــرامة وبأعظم محبة وتكريس الآب الذي « هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ » (يوحنا ٣: ١٦). COLAr 301.4
ولكن المسيح لم يقدم لنا ضمانا بإنّ بلوغ الكمال في الخلُق مسألة سهلة. إنّ الخلُق النبيل المكمّل لا يورث، ولا نؤتاه بمحض الصدفة، بل يُكتسب بالمجهود الشخصي باستحقاق المسيح ونعمته. فالله يُعطي الوزنات وقوي العقل أمّا نحن فنصوغ الخلُق. وهو إنما يُصاغ بمعارك شديدة حامية مع الذات، إذ لابدّ من إثارة حرب بعد حرب ضدّ الميول الموروثة، ولابد لنا من أن ننتقد نفوسنا بشدة وألاّ نسمح لأي خلة من الخلال غير المقبولة أن تظل بدون إصلاح. COLAr 302.1
لا يقل أحد: أنا عاجز عن إصلاح ضعفاتي الخلقية. فإذا وصلت إلى هذا القرار فستخفق في الحصول على الحياة الأبدية. إنّ الاستحالة كامنة في أرادتك أنت، فإذا لم ترد فلن تنتصر. إنّ الصعوبة الحقيقة ناشئة من فساد القلب النجس والنفور من الخضوع لسلطان الله. COLAr 302.2
ولكن كثيرين ممن قد أهّلهم الله للقيام بعمل جليل لا ينجزون إلاّ قليلا جدا، لأنهم يحاولون قليلا. إنّ آلافا من الناس يسيرون في الحياة وكأنّ ليس لهم غرض معين يعيشون لأجله ولا جعالة يصلون إليها. هؤلاء سينالون مجازاة تتناسب وأعمالهم. COLAr 302.3
واذكر أنك لن تصل إلى مقياس أعلى مما قد وضعته لنفسك. إذا فاجعل هدفك عاليا، وحينئذ فخطوة بعد خطوة. وان يكن بمجهود مؤلم لك، وبإنكار ذات وتضحية اصعد سلم COLAr 302.4
النجاح إلى قمّته. ولا تدع شيئاً يعوقك. إنّ الحظ لم ينسج خيوطه حول أيّ إنسان بكل قوة بحيث يظل عاجزاً وفي شكّ. إنّ مقارعة الظروف ومقاومتها ينبغي أن تخلق في النفس العزم الصادق على الانتصار عليها. إنّ نقض سياج واحد كفيل بأن يخلق في النفس قوة وشجاعة أعظم للتقدم إلى الأمام. فسر قدماً بعزم صادق في طريق الحق، وستكون الظروف مساعدة لك لا معرقلة. COLAr 302.5
كن طموحا لأجل مجد السيد لأن تغرس في خلُقك كلّ فضيلة. عليك في كلّ دور من أدوار بناء خلُقك أن ترضي الله. وأنت تستطيع أن تفعل هذا، لأنّ أَخْنُوخ أرضى الله مع انّه كان يعيش في وسط جيل منحط، ويوجد كثيرون من أمثال أَخْنُوخ في يومنا هذا. COLAr 302.6
قف كدانيالَ السـياسي الأمـين، الذي لم يمكّنْ لأية تجربة أن تفسده. لا تخيّب انتظــارات من « هكذا أَحبـَـكَ حتى بـذل نفسـه ليمحـو خطـاياك ». إنّه يقول: « بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا » (يوحنا ١٥: ٥). فاذكر هذا. فإن كنت قد أخطأت فأنت بالتأكيد تحرز النصرة إذا كنت ترى هذه الأخطاء وتعتبرها إنذارات بالخطر. وهكذا تقلب الهزيمة إلى نصرة، وهكذا تخيب انتظارات العدو وتكرم فاديك. COLAr 302.7
إنّ الخُلُق الذي يُصاغ حسب صورة الله هو الكنز الوحيد الذي نستطيع أن ننقله من هذا العالم إلى العالم الآتي. والذين هم خاضعون لتعليمات المسيح في هذا العـالم سـيأخـذون معـهم كل ما قد حصلوه من الأمور الإلـهية إلى مساكن السماء. وفي السماء ستسير على الدوام في طريق التحسن. إذا فما أهم أن ننمّي خلقنا في هذه الحياة COLAr 302.8
إنّ أجناد السماء سيعملون مع العامل البشري الذي يطلب بإيمان ثابت كمال الخلق الذي يصل إلى كمال في العمل. إنّ المسيح يقول لكل من يشتغل في هذا العمل. إنّني سأعينك COLAr 302.9
وإذ تتعاون إرادة الإنسان مع إرادة الله فهي تصبح مقتدرة. وكل ما يمكـن أن يعمـل بأمـره يمكـن أن يتم بقـدرته. وكل ملـزمـاته تصير إمكـانيات. COLAr 303.1