أعما لالرُّسل

37/59

الفصل السادس والثلاثون

ارتداد في غلاطية

(يعتمد هذا الفصل على ماجاء في الرسالة الى اهل غلاطية )

في اثناء وجود بولس كورنثوس كان هنالك مايدعوا الى الخوف الشديد من نحو بعض بعض الكنائس التي قد انشئت. فعن طريقتأثير المعلمين الكذبة الذين ظهروا بين مؤمني اورشليم ، بدأت الانقسامات والهرطقات والشهونية ترسخ أقدامها بسرعة بين مؤمني غلاطية . هؤلاء المعلمون الكذبة مزجوا التقاليداليهودية بحقائق الانجيل . فإذ تجاهلو حكم المجمع العام الذي انعقد في اورشليم ، الحوا على المهتدين من الامم بأن يحفظوا الناموس الطقسي وقد صار الموقف حرجا ومتأزما . والشرور التي ادخلت الى الكنائس في غلاطية هددت بالقضاء عليها سريعا . AR 345.1

وقد نفذ الى قلب بولس جرح عميق فثارت نفسه بسبب هذا الارتداد العلني الذي حدث من الذين كان قد علمهم بكل امانة مبادئ الانجيل . فللوفت كتب الى أولئك المؤمنين المخدوعين رسالة شهر فيها بالنظريات الكاذبة التي قبلوها ، وبصرامة عظيمة وبخ الذين ارتدوا عن الايمان . فبعدما حيا الغلاطيين قائلا: ( نعمة لكموسلام من الله الآب ، ومن ربنا يسوع المسيح) جعل يخاطبهم بكلمات التوبيخ الصارمة قائلا لهم: AR 345.2

«اني اتعجب انكم تنتقلون هكذا سريعاعن الذي دعاكم بنعمة المسيح الى انجيل اخر . ليس هو اخر ، غير انه يوجد قوم يزعجونكم ويريدون ان يحولواانجيل المسيح . ولكن ان بشرناكم نحن او ملاك من السماء بغير مابشرناكم، فليكن اناثميا» ( غلاطية 1 : 3 6 -7). لقد كانت تعاليم بولس متوافقة مع الكتب المقدسة ، وقد شهد الروح القدس لخدماته . ولذلك فقد حذر اخوته أولئك من الاصغاء الى أي شيئ يناقض الحقائق التي علمهم اياها. AR 346.1

وقد امر الرسول مؤمني غلاطية ان يفكروا ويتأملوابكل اهتمام في اختبارهم الاول في الحياة المسيحية فهتف يقول لهم : «أيها الغلاطيون الاغبياء ، من رقاكم حتى لاتذعنوا للحق ؟ انتم الذين امام عيونكم قد رسم يسوع المسيح بينكم مصلوبا ؟ اريد ان اتعلم منكم هذا فقط : ابأعمال الناموس اخذتم الروح ام بخير الايمان ؟ أهكذاانتم اغبياء ؟ ابعدما ابتدأتم بالروحتكملون الان بالجسد ؟ اهذا المقدار احتملتم عبثا ؟ ان كان عبثا فالذييمنحكم الروح ، ويعمل قوات فيكم اباعمال الناموس ام بخير الايمان» ( غلاطية 3 : 1 — 5). AR 346.2

وهكذا اوقف بولس مؤمني غلاطية كمتهمين امام محكمة ضمائرهم ، وقام يستجوبهم وحاول ان يوقفهم عن السير في طريقهم . فإذ كان الرسول معتمداعلى قدرة اللهعلى ان يخلص ، واذ رفض الاعتراف بتعاليم المعلمين المرتدين ، فقد حاول ان يرى أولئك المهتدين انه قد غرر بهم وخدعوا خداعا مشينا ، وانهم برجوعهم الى ايمانهم الاول بالانجيليمكنهم ان يحبطوا مقاصد الشيطان. وقد ثبت في موقفه الى جانب الحق والبر . كما اعان ايمانه العظيم وثقته في الرسالة التي كان يحملها كثيرون ممكن خذلهم ايمانهم في الرجوع الى ولائهم للمخلص . AR 346.3

ماكان ابعد الفرق بين ما كتبه بولس الى كنيسة كورنثوس ، وبين هذاالمسلك الذي سلكه حيال اهل غلاطية ؟ لقد كان توبيخه لأهل كورنثوس ممتزجا بالحيطة والرقة، اما توبيخه لأهل غلاطية فكان قاسيا لايعرف الرحمة . ان الكورنثيين كانوا قد انهزموا اما التجربة . فإذ انخدعوا بالمغالطة البارعة التي أبداها المعلمون في تقديم الضلالات في زي الحق ، فقد تحيروا وارتبكوا وذهلوا . فلكي يعلمهم التميييز بين الزائف والحقيقي فقد كان محتاجا الى الخذر والصبر . فلو أبدى بولس فظاظة او تسرعا غير حكيم لكان قد اضاع تأثيره على كثيرين ممن تاق لمساعدتهم. AR 346.4

اما في كنائس غلاطية فقد احتل الضلال العلني السافر مكان رسالة الانجيلفالمسيح الذي هو الاساس الحقيقي للايمان نبذ في الواقع واستبدل بالطقوس اليهودية العقيمة الميتة. وقد رأى الرسولانه لكي ينجو المؤمنون في غلاطية من المؤثرات الخطرة المحدقة بهم كان لابد له من ان يتخذ اقوى الاجراءات االحاسمة ويقدم اليهم اقسى الانذارات. AR 347.1

ثمة درس هام ينبغي لكل خادم للمسيح ان يتعلمهالا وهو ان يوفق بين خدماته وبين حالة الذين يقصد ان يفيدهم. فالرقة والصبر والتصميم والثباتكلها لازمة ولكن هذهيجب التدربعليها بالتمييز والحصافةاللائقة .فالتصرف الحكيم مع الناس ذوي العقليات المختلفة وفي ظروف وأحوال مختلفة هو عمل يتطلب حكمة وتمييزا مستنيرين ومقدسين بروح الله. AR 347.2

وفي رسالته الى مؤمني غلاطية استعرض الرسول باختصار الحوادث الهامةالمتصلة باهتدائه واختباره المسيحي الاول. وبهذه الوسيلة حاول ان يبرهن انه امكنه ان يرى ويفهم حقائق الانجيل العظيمة عن طريق اعلان خاص لقدرة الله . وعن طريقالتعليمالذي تلقاه من اله رأسا جعل بولس ينذرويوصي اهل غلاطية بمثل تلك الكيفية الخطيرة الايجابية الجازمة. وقد كتب لابتردد او شك ، بل بيقين واقتناع ثابت ومعرفة تامة . فبكل وضوح لخص الفرق بين ان يكون الانسان متعلما من الناس وبين ان يكون قد تلقى تعليمه من المسيح مباشرة . AR 347.3

وقد الح الرسول على الغلاطيين ا ن يتركواالمرشدين الكذبة الذين اضولهم ويعدود الى الايمان الذي كان مصحوبا ببراهين لاتخطئ على مصادقة الله عليه .فالذين حاولوا ان يبعدومهم عن اعتقادهم في الانجيل كانوا مرائين وقلوبهم نحسة وحياتهم فاسدة . وكان ديانتهم تنحصر في طقوس لاتنتهي حلقاتها واكنوا ينتظرون بواسطة ممارستها ان يظفروا برضى الله . لم يكونوا يحبون الانجيل الذي كان يتطلب الطاعة للكلمة الالهية القائلة : «ان كان احد لايولد منفوق لايقدر ان يرى ملكوت الله» ( يوحنا 3:3 ). وقد احسوا ان ديانة مبنية على مثل هذه القعيدة تتطلب تضحية عظيمة جدا . فكانوا وهم متشبثون بضلالاتهميخدعون انفسهم والآخرين . AR 348.1

ان استبدال قداسة القلب والحياة بطقوس الديانة الخارجية لايزال الان مهبجا للطبيعة غير المتجددة كما كان في ايام معلمي اليهود .وفي هذه الايام ، كما في العصور القديمة ، يوجد مشردون روحيون كذبة يستمع لتعاليمهم كثيرون من الناس بكل شوق وشغف . انه مسعى الشيطانالمدروس ان يحول عقول الناس عن رجاء الخلاصبالايمان بالمسيح والطاعة لشريعة الله . وفي كل عصر يوفق العدو الاعظم تجاربه لتكون منطبقة على شكوك او تعصب او ميول الذين يحاول تضليلهم ففي العصر الرسولي جعل اليهود يمجدون الشريعة الطقسية ويرفضون المسيح . وفي الوقت الراهن يخدع كثيرين من المعترفين بالمسيحية بحجة اكرام المسيح ليحتقروا الناموس الادبي ويعلموا الناس انه يمكن التعدي على وصاياه دون ان يلحق الانسان أي قصاص . انه من واجب كل خادم لله ان يصمد بكل ثبات واصرار اما مفسدي الايمان أولئك ، وبكلمة الحق يشهر بضلالاتهم بلاخوفان بولسفي محاولته ان يستعيد ثقة اخوته في غلاطية زكى ، بكل براعة ، مركزه كرسول للمسيح . وقد اعلن عن نفسه بانه رسول : «لامن الناس ولا بانسان ، بل بيسوع المسيح والله الآبالذي اقامهمن الاموت» ( غلاطية 1 : 1). فقد اخذ توفوضيه لا من الناس بل من قبل اسمى سلطة في السماء . وقد اعترف المجمع العام في اورشليم بمركزه ، بما في ذلك القرارات التي اطاعها بولس كل خدماته بين الامم. AR 348.2

لقد قدم بولس البرهان على انه «لم ينقص شيئا عن فائقي الرسل» ( 2 كورنثوس 11: 5). ردا على أولئك الذين كانوا ينكرون عليه مرسليته ، وقد فعل ذلك لاليمجد ذاته بل ليمجد نعمة الله . فالذين حاولوا تحقير دعوته وعمله انما كانو يشنون الحرب ضد المسيح الذي ظهرت نعمته وقدرته من خلال بولس . وقد اطر الرسول ، بسبب مقاومة اعدائه ، ان يقف موقفا حاسما لتثبيت مركزه وسلطانه . AR 349.1

وقد توسل بولس الى الذين عرفوافي حياتهم قبلا قوة الله ، ان يعودوا الىمحبتهم الاولى لحق الانجيل . فبحجج لاتقبل جدا وضع امامهم امتياز كونهم قد صارو رجالا ونساؤا احرارا في المسحي الذي عن طريق نعمته المكفرة يتسربل كل من يخضعون له خضوعا تاما بثوب بره .لقد اتخذ المركز الذي مؤداه انكل نفس تريد الخلاص ينبغي ان يكون لها اختبار حقيقي شخصي في امور الله . ولم تكن اقوال الرسولوتوسلاته الحارة بلا ثمر . فلقد عمل الروح بقوة عظيمة ، وكثيرون ممكن ضلت اقدامهم في طرق وشعاب غريبة عادوا الى ايمانهم الاول بالانجيل . ومنذ ذلك الحين ظلوا ثابتين في الحرية التي قد حررهم المسيح بها . وقد ظهرت في حياتهم ثمار الروح —«محبة فرح سلام ،طول اناة لطف صلاح ، ايمان وداعة تعفف» ( غلاطية 5 : 22 ، 23). وقد تمجد اسم الله وكثيرون انضموا الىجماعات المؤمنين في كل ذلك الاقليم . AR 349.2