أعما لالرُّسل

الفصل الرابع

يوم الخمسين

(يعتمد هذا الفصل على ماجاء في أعمال 2 : 1-39)

عندما رجع التلاميذ من جبل الزيتون إلى أورشليم نظر الناس إليهم متوقعين أن يروا على وجوههم دلائل الحزن والارتباك والهزيمة ، ولكن بدلاَ من ذلك رأوا نور الفرح والنصرة يشع من عيونهم . فلم يعد التلاميذ ينوحون على آمالهم التي اعتقدوا أنها خابت. فلقد رأوا مخلصهم الذي قام ، وظل وعده الوداعي لهم يرن في آذانهمدائما . AR 23.1

وامتثالاَ لوصية المسيح أقاموا في أورشليم في انتظار موعد الآب بانسكاب الروح القدس . إنهم لم ينتظروا في خمول أو بلادة. فالسّفر المقدس يقول عنهم: «وَكَانُوا كُلَّ حِينٍ فِي الْهَيْكَلِ يُسَبِّحُونَ وَيُبَارِكُونَ اللهَ» (لوقا 24 : 53) . كما أنهم كانو يجتمعون معا ليقدموا صلواتهم وطلباتهم إلى الآب باسم يسوع . فقد علموا أن لهم نائباَ يمثلهم في السماء . إنه شفيعهم أمام عرش الله .ففي خشوع مقدس انحنوا يصلون مرددين وعد الرب الأكيد القائل : « الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْإِنَّ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ مِنَ الآبِ بِاسْمِي يُعْطِيكُمْ . إِلَى الآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئًا بِاسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً» (يوحنا 16 : 23 ،24). لقد مدوا يد الايمان عالية جدا وفي أفواههم هذه الحجة القوية : «اَلْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي مَاتَ، بَلْ بِالْحَرِيِّ قَامَ أَيْضًا، الَّذِي هُوَ أَيْضًا عَنْ يَمِينِ اللهِ، الَّذِي أَيْضًا يَشْفَعُ فِينَا» (رومية 8 : 34).وإذا كان التلاميذ ينتظرون إتمام الواعد ذللوا قلوبهم في توبة صداقة واعترفوا بعدم إيمانهم. فإذا ذكروا الأقوال التي كان المسيح قد تفوه بهالهم قبل موته أدركوا فحواها إدراكا الأقوال التي كان المسيح قد تفوه بها لهم قبل موته أدركوا فحواها إدراكا أكمل . لقد عادت الحقائق التي كانت قد غابت عن أذهانهم إلى عقولهم فجعلوا يرددونها الواحد للآخر. كما لاموا أنفسهم على سوء فهمهم للمخلص . وقد مرت أمام أذهانهم مشاهد حياته العجيبة الواحدة تلو الأخرى كما في موكب عظيم . وإذ تأملوا في حياته ماعادوا يحسون أن أي تعب هو أشق من أن يحتملوه ولا أية تضحية أعظم من أن يُقدِموا عليها لو أمكنهم أن يمثلوا في حياتهم جمال صفات المسيح . وكم تمنوا لو أمكنهم أن يعيشوا السنوات الثلاث الماضية من جديد، وكانوا يفكرون قائلين لو حدث ذلك فكم كان يبدوا تصرفهم مغايراً لما اعتادوه في الماضي. ولو أمكنهم أن يروا معلمهم مرة أخرى فأي غيرة سيحاولون أن يبرهنوا على حبهم العميق له، وحزنهم الصادق لكنوهم أحزنوا قلبه بكلمة أو عمل من أعمال عدم الإيمان. ولكن الذي عزاهم هو الفكر أنه قد غُفِر لهم . ولذلك عقدوا العزم على التكفير بقدر الإمكان عن عدم إيمانهمالسابق بالاعتراف به الآن أمام العالم بكل جرأة . AR 23.2

وقد صلى التلاميذ بغيرة عظيمة طالبين أن يكونوا مؤهلين لمواجهة الناس وأن يتحدثوا بكلمات أثناءاتصالاتهم اليومية، يكون من شأنها أن تقود الخطاة إلى المسيح. وإذ طرحوا عنهم كل الخلافات وكل تطلع إلى السيادة، اتحدوا معا في شركة مسيحية وثيقة . كما ازدادوا قرباإلى الله . وإذ فعلوا هذا تحققوا من قيمة الامتياز الذي كان لهم إذ سمح لهم بمصاحبة المسيح عن قرب. وقد استولى على قلوبهم الحزن وهم يفكرون في المرات التي أحزنوا فيها قلب السيد بسبب بطء فهمهم وإخفاقهم في تعلم الدروس التي كان يحاول أن يعلمهم إياها لخيرهم. AR 24.1

وقد كانت أيام الاستعداد هذه أياماَ فحصوا فيها قلوبهم فحصاَ عميقاَ دقيقاَ. لقد أحس التلاميذ بحاجتهم الروحية فصرخوا إلى الرب في طلب المسحة المقدسة التي ستؤهلهم لعمل خلاص النفوس . إنهم لم يطلبوا البركة لأنفسهم فقط. ولكنهم كانوا مثقلين بعبء خلاص النفوس. كانوا متأكدين من أن الإنجيل ينبغي أن يذاع على كل العالم ، فجعلوا يطالبون بالقوة التي قد وعدهم المسيح بها . AR 25.1

في إبان عهد الآباء أعلنت قوة الروح القدس وظهر تأثيره بشكل ملحوظ ، ولكن الروح لم يتجلَّ في ملئه أبداَ . أما الآن فقدم التلاميذ ابتهالاتهم إطاعة لقول المخلص في طلب هذه العطية ، كما أن المسيح في السماء أضاف شفاعته ووساطته إلى هذه الابتهالات. فقد طالب بموهبةالروح القدس لكي يسكبها على شعبه . AR 25.2

«وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ، وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ» (أعمال 2 : 1 ،2). AR 25.3

وإذ كان التلاميذ منتظرينومصلين حل عليهم الروح بفيض وصل إلى كل قلب .فالإله السرمدي أعلن نفسه لكنيستهبقوة . وقد بدا كأن هذه القوة قد حُجزت مدى أجيال طويلة ، أما الآن فها السماء تفرح لأنها استطاعت أن تسكب على الكنيسة غنى نعمة الروح . وتحت تأثير الروح اختلطت كلمات التوبة والاعتراف بأغاني الشكر على الخطايا التي غفرت . كما سمعت أقوال الشكر والنبوة. وقد انحنى كل سكان السماء ليشاهدوا ويمجدوا حكمة المحبة التي لا تبارى ولا يدركها العقل. وإذ استولت الدهشة على الرسل صاحوا قائلين «في هَذَا هِيَ الْمَحَبَةُ» . لقد تمسكوا بالعطية الممنوحة لهم . وماذا تبع ذلك ياترى ؟ إن سيف الروح الذي حُدد حديثاً بالقوة واغتسل في برق السماء ، شق طريقه مخترقاً عدم الإيمان . وقد اهتدى وتجدد آلاف الناس في يوم واحد . AR 25.4

كان المسيح قد قال لتلاميذه : «خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ» «مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ» (يوحنا 16 : 7 ، 13). AR 26.1

إن صعود المسيحإلى السماء كان علامة على أن تابعيه سيقبلون البركةالموعود بها . لهذا كان عليهم أنت ينتظروا هذه البركة قبل البدء في عملهم. وعندما دخل المسيح من أبواب السماء جلس على عرشه وسط تمجيد الملائكة .وحالما تم كل هذا نزل الروح القدس على التلاميذ في سيول غامرة وتمجد المسيح حقا بالمجد الذي كان له عند الآب منذ أيام الأول . إن انسكاب الروح في يوم الخمسين كان علامة السماء على أن عملية تتويج الفادي وتسلمه للسلطة قد تمت . فبناءًا على وعده أرسل الروح الدس من السماء إلى تابعيه كعلامة على أنه قد أخذ كل سلطان في السماء وعلى الأرض ككاهن وملك، وصار هو المسيح (الممسوح) على شعبه. AR 26.2

«وَظَهَرَتْ لَهُمْأَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْوَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا» (أعمال 2 : 3، 4). إن الروح القدس إذ اتخذ هيئة السنة من نار استقر على أولئك المجتمعين. وكان هذا رمز العطية التي منحت للتلاميذ حينئذ والتي مكنتهم أن يتكلموا بطلاقة بلغات لم يسبق لهم أ عرفوها ولاكان لهم بها أدنى علم . إن منظر الناس كان يرمز إلى الغيرة الملتهبة التي كان الرسل مزمعين أن يخدموا بها ، والقوة التي سترافق عملهم . AR 26.3

«وَكَانَ يَهُودٌ رِجَالٌ أَتْقِيَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ سَاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ» (أعمال 2:5). في أثناء الشتات كان اليهود قد تفرقوا وتبددوا في كل أنحاء المسكونة تقريباَ، وإذ كانوا في أرض غربتهم تعلموا التكلم بلغات مختلفة . وفي ذلك الحين تواجد كثيرون منهم في أورشليم لإحياء الأعياد الدينية التي كان قد حان ميعادها. كان المجتمعون يمثلون كل اللغات المعروفة وقت ذلك. وكان يمكن أن يكون هاذا الاختلاف في اللغات عائقًا عظيمًا يحول دون إذاعة الإنجيل، ولذلك سد الله عجز الرسل وقصورهم بطريقة معجزية . فقد عمل الروح القدس لأجلهم ما كانوا يعجزون عن القيام به بمفردهم مدى الحياة. فتمكنوا عندها من إذاعة حقائق الإنجيل في الخارج إذ كانوا يتكلمون بدقة وإتقان بلغات أولئك الذين كانوا يخدمونهم. فهذه العطية المعجزية كانت برهانَا قويًاللعالم أن التفويض المعطى لهم يحمل ختم السماء . ومنذ ذلك الحين صارت لغات التلاميذ نقية وبسيطة ومضبوطة سواء تكلموا بلغتهم الوطنية أو بلغة أجنبية . AR 27.1

«فَلَمَّا صَارَ هذَا الصَّوْتُ، اجْتَمَعَ الْجُمْهُورُ وَتَحَيَّرُوا، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَانَ يَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَتِهِ.فَبُهِتَ الْجَمِيعُ وَتَعَجَّبُوا قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «أَتُرَى لَيْسَ جَمِيعُ هؤُلاَءِ الْمُتَكَلِّمِينَ جَلِيلِيِّينَ؟ .فَكَيْفَ نَسْمَعُ نَحْنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا لُغَتَهُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا؟»» (عدد 6- 8). AR 27.2

وقد ثار غضب الكهنة والرؤساء بسبب هذا الإعلان العجيب ولكنهم لم يجسروا على التعبير عن حقدهم وخبثهم خشية تعريض أنفسهم لقسوة الشعب. قد قتلوا الناصري، ولكن هاهم عبيده الأميونمن أهل الجليل يخبرون الناس بقصة حياته وخدمت بكل اللغات المعروفة حينئذ. وإذ صمم الكهنة أن يعللوا سبب قوة التلاميذ الإعجازية بعوامل طبيعية أعلنوا أنهم سكارى لأنهم أفرطوا في شرب الخمر الجديدة المعدة للعيد . فبعض ممكن كانوا حاضرين، من أشد الناس جهلا ، تمسكوا بهذا الاقتراح على أنه الحق ، ولكن الأذكياء منهم عرفوا زيف هذا الادعاء ، والذين كانوا يستطيعون تمييز اللغاتوفهمها شهدوا للدقة التي كان يتكلم بها التلاميذ بتلك اللغات . AR 27.3

وردًا على تهمة الكهنة برهن بطرس على أن هذه الظاهرة كانت إتمامًا صريًحا لنبوة يوئيل النبي الذي أنبأ فيها بأنه مثل هذه القوة ستحل على الناس لتؤهلهم لعمل خاص . فقال: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الْيَهُودُ وَالسَّاكِنُونَ فِي أُورُشَلِيمَ أَجْمَعُونَ، لِيَكُنْ هذَا مَعْلُومًا عِنْدَكُمْ وَأَصْغُوا إِلَى كَلاَمِي،لأَنَّ هؤُلاَءِ لَيْسُوا سُكَارَى كَمَا أَنْتُمْ تَظُنُّونَ، لأَنَّهَا السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ النَّهَارِ .بَلْ هذَا مَا قِيلَ بِيُوئِيلَ النَّبِيِّ.يَقُولُ اللهُ: وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا.وَعَلَى عَبِيدِي أَيْضًا وَإِمَائِي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ فَيَتَنَبَّأُونَ».(عدد 14 -18) AR 28.1

فبطلاقة وفصاحة وقوة شهد بطرس لموت المسيح وقيامه قائلا : «ايها الرجال الاسرائيليون اسمعوا هذه الاقوال. يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما انتم ايضا تعلمون‎.‎هذا اخذتموه مسلّما بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبايدي اثمة صلبتموه وقتلتموه.‎الذي اقامه الله ناقضا اوجاع الموت اذ لم يكن ممكنا ان يمسك منه» (عدد 22 -24) . AR 28.2

إن بطرس لم يشر إلى تعاليم المسيح ليبرهن على متانة مركزه ، لأنه كان يعلم أن تعصب سامعيه كان شديدًا بحيث أن كلامه عنهذا الموضوع لن يكون له أيتأثير. ولكن بدلا من ذلك حدثهم عن داود الذي كان اليهود يعتبرونه أحد الآباء في أمتهم . فأعلن قائلا «لأن داووديقول فيه : كنتأرى الرب أمامي في كل حين ، أنه عن يميني ، لكن لا أتزعزع , سر قلبي وتهلل لساني . حتى جسدي ايضا سيسكن على رجاء . لأنك لن تترك نفسي في الهاوية ولاتدع قدوسك يرى فسادا. AR 28.3

«أيها الرجال الإخوة يسوغ ان يقاللكم جهاراعن رئيس الآباء داود انه مات ودفن ، وقبره عندنا حتى هذا اليوم» . وداود «تكلم عن قيامة المسيح ، أنه لم تترك نفسه في الهاوية ولا رأى فسادا . فيسوع هذا أقامه الله ، ونحن جميعا شهود لذلك» (عدد 25 32). AR 29.1

إن هذا المشهد مثير للاهتمام . وهوذا الشعب يـاي من كل ناحية ليسمع التلاميذ وهم يشهدون للحق كما هو في يسوع . إنهم يزدحمون حولهم في الهيكل . والكهنة والرؤساء هناك وعلى وجوههم عبوسة الخبث القاتمة ، وقلوبهم لاتزال مليئة بالكراهية الدفينة الدائمة للمسيح ، وأيديهم ملطخة بالدم الذي سفك عندما صلبوا فادي العالم . لقد ظنوا أنه سيرون الرسل وقد جبنوا خوفا تحت وطأة يد الظلم والقتل القاسية ، ولكنهم يجدونهم الآن مرتفعين فوق كل خوف وممتلئين بالروح وبكل قوة يذيعون حقيقة لاهوت يسوع الناصري . ويسمعونهم يعلنون بكل جرأة أن ذاك الذي قد أذل منذ عهد قريب وعير ، وبالأيدي القاسية ضرب و صلب إن هو إالا رئيس الحياة الذي ارتفع الآن بيمين الله . AR 29.2

إن بعض من أصغوا إلى أقوال الرسل كانت لهم يد في إدانه المسيح وموته . لقد اختلطت أصواتهم بأصوات الدهماء وهم يطلبون صلبه . فعندما وقف يسوع وباراباس جنبا إلى جنب في دار الولاية وسألهم بيلاطس قائلا : «من تريدون أن أطلق لكم» صرخوا قائلين : ليس هذا بل باراباس وعندما أسلم بيلاطس المسيح إليهم قائلا «خذوه أنتمواصلبوه ، لأني لست اجد فيه علة» «إني بريئ من دم هاذا البار» ، صرخوا قائلين : «دمه علينا وعلى أولادنا» «متى 28 :17 ، يوحنا 18 ، 40، يوحنا19: 6 ، متى : 27 : 24 ، 25» AR 29.3

أما الآن فها هم يسمعون التلاميذ يعلنون أن الذي صلب هو ابن الله . وقد ارتعب الكهنة والرؤساء . كما تملك التبكيت والحزن قلوب الشعب و «نخسوا في قلوبهم ، وقالو لبطرس ولسائر الرسل : «ماذا نصنع أيها الرجال الإخوة»». وكان بين من أصغواإلى التلاميذ رجال أتقياء كانوا مخلصين في اعتقادهم . فالقوة التي كانت تصحب أقوال المتكلم أقنعهم بأن يسوع هو المسيا حقا . AR 30.1

«فقال لهم بطرس : «توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا ، فتقبلوا عطية الروح القدس .لأن الموعد لكم ولأولادكمولكل الذين على بعد ، كل من يدعوه الرب إلهنا»»(عدد 38 ـ 39). AR 30.2

وقد أقنع بطرس أولئك الناس المتبكتين بحقيقة كونهم قد رفضوا المسيح لأنالكهنة والرؤساء قد غرروا بهم ، وأنهم إذا ظلوا يتطلعون إلى هؤلاء الرجال في طلب المشورة وانتظروهم حتى يعترفوا بالمسيح قبلما يجرؤون هم على عمل ذلك فلن يقبلوه أبدا . إن هؤلاء الرجال ذوي السلطان مع أنهم كانوا يعترفون بالتقوى كانوا يطمحون إلى الغنى والمجد الأرضيين . فلم يريدوا أن يأتوا إلى المسيح ليحلواعلى النور . AR 30.3

وتحت تأثير هذه الإنارة السماوية ظهرت الأقوال الكتابية التي أوضحها المسيح للتلاميذ أمام أذهانهم في بهاء الحق الكامل . والحجاب الذي كان قد أعاقهم عن رؤية ماقد أبطل ، أزيح الآن فأدركوا بكل وضوح غاية رسالة المسيح وطبيعة ملكوته . وقد أمكنهم أن يتحدثوا عن المخلص بقوة وإذ كشفوا لسامعيهم عن تدبير الخلاص تبكت كثيرون واقتنعواوقد اكتسحت الطقوس والخرافات التي فرضها الكهنة وتحررت عقولهم وقبل الناس تعاليم المخلص . «فقبلوا كلامه بفرح ، واعتمدوا ، وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس» (عدد41) AR 30.4

كان رؤساء اليهود يظنون أن عمل المسيح سيبطل ويتلاشى بموته ، ولكنهم بدلا من ذلك شهدوا أحداث يوم الخمسين المدهشة. وسمعوا التلاميذ وهم مزودون بسلطان وقوة لم يكون لهم بهما علم من قبل ، يكرزون بالمسيح ، وكانت أقوالهم تثبت بقوة الآيات والعجائب . وفي أورشليم التي كانت معقل الديانة اليهودية جاهر آلاف من الناس بإيمانهم بيسوع الناصرى باعتباره المسيا . AR 31.1

وقد ذهل التلاميذ وفرحوا فرحاَ عظيما عندما رأواعظمة حصاد النفوس هذا . إنهم لم يكونوا يعتبرون هذا الحصاد العجيب نتيجة أتعابهم أو جهودهم ، ولكنهم تحققوا أنهم كانوا يدخلون على تعب سواهم.فنمذ سقط آدم ، والمسيح يسلم لعبيده المختارين بذاركلمته ليزرعوها في قلوب الناس . وفي إبان سني حياته على هذه الأرض زرع هو بذار الحق ورواه بدمه . وحوادث اهتداء الناس التي تمت في يوم الخمسين كانت نتيجة هذا الزرع .إنه حصاد المسيح الذي أعلن سلطان تعاليمه. AR 31.2

إن الحجج التي قدمها الرسل وإن تكن واضحة ومقنعة لم تكن وحدها كافية لإزالة التعصب الذي تصدى للبراهين الكثيرة المفحمة . ولكن الروح القدس أدخل هذه الحجج إلى القلوب بقوة الله .وقد كانت أقوال الرسل كسهام القدير الحادة المبرية إذ بكتت الناس على جريتمتهم الهائلة في رفض رب المجد وصلبه. AR 31.3

وفي ظل تدريب المسيح وتعليمه ابتدأ التلاميذ يحسون بحاجتهم إلى قوة الروح. وفي ظل تدريب الروح وإرشاده قبلوا المؤهلات الأخيرة وخرجوالممارسة عمل حياتهم . وماعادوا بعد ذلك جهلة أو أميين . أو مجرد مجموعة من الأفراد المستقلين عن بعضهم البعض ومن العناصر المتنافرة المتضاربة ، وماعادوا يركزون آمالهم في العظمة الدنيوية . لقد صاروا (برأي واحد) «قلب واد ونفس واحدة» فقد ملأ المسيح أفكارهم واحتلها وكان هدفهم امتداد ملكوته ، فصاروا مثل سيدهم في الفكر والصفات بحيث أن الناس«عرفوهما أنها كانا مع يسوع (بطرس ويوحنا» (اعمال 2 : 46 ،4 : 32 ، 4 :13) AR 32.1

لقد أتاهم يوم الخمسين بالإنارة السماوية . فالحقائق التي استعصى عليهم فهمها حين كان المسيح معهم انكشفت لهم الآن .وبإيمان ويقين لم يكن لهم بهما عهد من قبل قبلوا تعاليم الكلمة المقدسة , فما عاد الاعتقاد بأن المسيح هو ابن الله مجرد إيمان أو عقيدة . لقد عرفوا أنه مع كونه كان متسربلا بالناسوت فقد كان في حقيقة الأمر هو المسيا ، وقد أخبروا العالم باختبارهم بثقة صحبها الإقناع بأن الله كان معهم . AR 32.2

لقد أمكنهم أن يذكروا اسم يسوع بيقين ، أو لم يكن هم صديقهم وأخاهم الأكبر ؟ فإذ صارت لهم شركة وثيقة مع المسيح تيقنوا من أنهم سيجلوس معه في السماء . فبأي لغة ملتهبة وملهبة عبروا عن آرائهم عندما شهدوا له ، لقد كانت قلوبهم مفعمة بمحبة كاملة جداوعميقة جدا وبعيدة المدى إلى أقصى جد بحيث دفعتهم للذهاب إلى أقاصي الأرض شاهدين بقدرة المسيح . لقد امتلأت قلوبهم بشوق عميق طاغ كي يتقدموا بالعمل الذي بدأوه . وقد تحققوا من عظيمة مديونيتهم للسماء ومسؤولية عملهم. فإذ تقووا بعطية الروح القدس خرجوا وهم ممتلئون غيرة لتوسيع رقعة انتصارات الصليب .وقد نشطهم الروح وتكلم على أفواهمم ، وشع سلام المسيح في وجوههم فقد كرسوا حياتهم لخدمته كما دلت قسمات وجوههم بجلاء تام على التسليم الذي قاموا به . AR 32.3