أعما لالرُّسل

26/59

الفصل الخمس والعشرون

رسالتا تسالونيكي

(يعتمد هذا الفصل على رسالتي تسالونيكي )

ان وصول سيلا ونيموثاوس من مكدوينة ، اثناء اقامة بولس في كورنثوس ، ابهج قلب الرسول الى حد كبير . لقد اتيا «بأخبار مفرحة عن ايمان ومحبة» أولئكالذين قبلوا الحق اثناء زيارة رسل الانجيل الاولى الى تسالونييكيكان قلب بولس يختلج بالرقة والعطف على هؤلاء المؤمنين، الذي نفي وسط تجاربهم وضيقاتهم ، ظلوا امناء الله . كان يتوق لزيارتهم بنفسه، ولكن اذ كان ذلك متعذرا حينئذ ، فقد بعثاليهم برسالة . AR 227.1

يعبر الرسولفي الرساةل الى تساونيكي عن شكره لله لاجل الاخبار المفرحة عن ترسخ ايمانهم قال : «فمن اجل هذا تعزينا ايها الاخوة من جهتكم في ضيقتنا وضروتنا ، بإيمانكم لأننا الان نعيش ان ثبتم انتم في الرب. لأن أي شكر نستطيع ان نعوض الى الله من جهتكم عن كل الفرح الذي نفرح به من اجلكم قدام الهنا؟ طالبين ليلا ونهارا أوفر طلب ، أن نرى وجوهكم ، ونكمل نقائص ايمانكم» ( 1 تساونيكي3 : 7 — 19). AR 227.2

«نشكر الله كل حين من جهة جميعكم، ذاكرين اياكم في صلواتنا ، متذكرين بلا انقطاع عمل ايمانكم ، وتعب محبتكم ، وصبر رجائكم، ربنا يسوع المسيح اما الله وابينا» ( 1 تساولينيك1 :2 ، 3). AR 228.1

ان كثيرين من المؤمنين في تسالونيكيكانوا قد «رجعوا الى الله من الاوثان، ليعبدوا الله الحي الحقيقي» انهم قد «قبلوا الكلمة في ضيق كثير» وقد امتلأ قلوبهم «بفرح الروح القدس» . وقد اعلن الرسول انهم في امانتهم في اتباع الرب «صاروا قدوة لجميع الذين يؤمنون في مكدونيةوفي أخائية» هذا وان اقوال المديح هذه لم تكن عن غير استحقاق ، فقد كتب بولس اليهم يقول : «لانه من قبلكم قد اذيعت كلمة الرب ، ليس في مكدونية واخائيه فقط، بل في كل مكان ايضا قد ذاع ايمانكم» ( 1 تسالونيكي1:9 ، 6، 7 ، 8). AR 228.2

كان المؤمنون في تسالونيكي كارزين امناء ، فاضطرمت قلوبهم غيرة لأجل مخلصهم الذي انقذهم منخوف «الغضب الآتي» ( 1 تسالونيكي1: 10). وبواسطة نعمة المسيح حدث تغيير عجيب في حياتهم ، وكلمة الله التي أذاعوها كانت مصحوبة بقوة . فربحت القلوب بواسطة الحقائق المقدمة، وانضمت نفوس جديدة إلى أعداد المؤمنين. AR 228.3

في هذه الرسالة الاولى اشار بولس الى طريقته في العمل بين اهل تسالونيكي . فأعلن انه لم يعمد الى ربح مهتدين عن طريق الضلال او الخداع والمكر . «بل كما استحسنا من الله ان نؤتمن على الانجيل ، هكذا نتكلم ن لا كأننا نرضي الناس بالله الذي يختبر قلوبنا . فإننا لم نكن قط في كلام تملق كما تعلمون ، ولا في علة طمع. الله شاهد. ولاطلبنا مجدا من الناس ، لامنكم ولا من غيركم مع اننا قادرون ان نكون في وقار كرسل مسيح. بل كنا مترفقين في وسطكم كما تربي المرضعة اولادها ، هكذا اذ كنا حانين اليكم كنا نرضى ان نعطيكم، لاانجيل الله فقط بل انفسنا ايضا ، لأنكم صرتم محبوبين الينا». AR 228.4

وقد استطرد الرسول يقول : «انتم شهود ، والله كيف بطهارة وببر وبلا لوم كنا بينكم انتم المؤمنين. كما تعلمون كيف كنا نعظ كل واحد منكم كالأب لأولاده ، ونجشعكم ، ونشدكم لكي تسلكوا كما يحق لله الذي دعاكم الى ملكوته ومجده» AR 229.1

«من اجل ذلك نحن ايضا نشكر الله بلا انقطاع، لأنكم اذ تسلمتم منا كلمة خبر من الله ، قبلتموها لا ككلمة اناس ، بل كما هي بالحقيقة ككلمة الله ، التي تعمل ايضا فيكم انتم المؤمنين» «لأن منهو رجاؤنا وفرحنا واكليل افتخارنا ؟ ام لستم انتم ايضا اما ربنا يسوع المسيح في مجيئه؟ لأنكم انتم مجدنا وفرحنا» ( 1 تسالونيكي2: 4 — 8 ، 10 — 13 ، 19 ، 20). AR 229.2

لقد حاول بولس في رسالته الاولى الى المؤمنين في تسالونيكي ان يعلمهم شيئا عن حالة الاموات الحقيقية . لقد تحدث عن الذين قد ماتوا على ان هم قد رقدوا في حالة من عدم الشعورفقال : «ثم لااريد ان تجهلوا ايها الاخوة من جهة الراقدين ، لكي لاتحزنوا كالباقين الذين لارجاء لهم . لأنه ان كنا نؤمن ان يسوع مات وقام ، فكذالك الراقدون بيسوع ، سيحضرهم الله ايضا معه ... لأن الرب نفسه بهتاف ، بصوت رئيس ملائكة وبوق الله ، سوف ينزلمن السماء والاموات في المسيح سيقومون أولا . ثم نحن الاحياءالباقين سنخطف جميعا معه في السحب لملاقاة الرب في الهواء ، وهكذا نكون كل حين مع الرب» (1 تسالونيكي 4 : 13 — 17). AR 229.3

لقد تمسلك اهل تسالونيكيبفكرة كون المسيح سيأتي ليغير الامناء الاحياء ويأخذهم اليه. فبكل اهتمام حرصوا على حياة احبائهم لئلا يموتوا ويخسروا البركة التي كانو يتوقعون الحصول عليها عند مجيئ سيدهم . ولكن الموت اختطف احبائهم من بينهم وحدا في اثر الاخر . فبحزن وانسحاقكان التسالونيكيون يلقون النظرة الاخيرة على وجوه موتاهم، ولم يكونوا يجرؤن ان يرجوا مقابلتهم في حياة اخرى — حياة الخلود . AR 229.4

فإذ فتحت رسالة بولس وقرئت ، شملت الكنيسة التعزية والفرح اللذين حملتهما اليهم اقوال الرسولالتي كشفت عن الحالة الحقيقية للاموات. وقد ابان لهم بولس ان الاحياة الباقين الى مجيئ الرب لن يسبقوا الذين رقدوا في يسوع لملاقاته عند عودته. فإن صوت رئيس الملائكة وبوق الله سيصل الى الراقدين والاموات في المسيح سيقومون اولا قبلما يلمس الاحياء بلمسة الخلود . «ثم نحن الاحياءالباقين سنخطف جميعا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء ، وهكذا نكون كل حين مع الرب. لذلك عزوا بعضكم بعضا بهذا الكلام» ( 1 تسالونيكي 4 : 17 ، 18). AR 230.1

ونحن لايمكننا تقدير الرجاء والفرح اللذين جلبهما هذا اليقين لكنيسة تسالونيكي الفتية. لقد آمنتوا بتلك الرسالة التي قد ارسلها اليهم ابوهم في الانجيلواحبوها ، كما امتلأت قلوبهم حبا له ايضا . كان قد سبق واخبرهم بهذه الامور من قبل ن ولكن في ذلك الحين كانوا يحاولون ان يفهموا بعقولهم تعاليم بدت جديدة وغريبة، فلا غرابة اذا كانت قوة بعض تلك النقاط لم تنطبعبوضوح على اذهانهم ، الا انهم كانوا جائعين الى الحق وقد اعطتهم رسالة بولس رجاء وقوة جديدين ، وايمانا اكثر ثباتا ومحبة اعمق لذلك الذي بموته قد انار الحياة والخلود . AR 230.2

وقد ابتهجوا الآن اذا علموا ان احبائهم المؤمنين سيقومون من قبورهم ليحيوا الى الابد في ملكوتالله . فالظلمة التي كانت تكتنف مقابر الموتى انقشعت. وهاهو اكليل بهاء ومجد جديد يتوج هامة الايمان المسيحي ، فرأوا مجدا جديد يتوج في حياة المسيح وموته وقيامته . AR 230.3

وقد كتب بولس يقول : «فكذلك الراقدون بيسوع ، سيحضرهم الله ايضا معه» ( 1 تسالونيكي4 : 14) . كثيرون يفسرون هذا الفصل على انه يعني ان الراقدين سيحضرهم الله مع المسيح من السماء . ولكن بولس يعني انه كما اقيم المسيح من الاموات ، فكذلك الله سيدعوا القديسين الراقدين ليخرجوا من قبورهم ويأخذهم مع الى السماءفما اثمن هذا العزاء ومااأمجد هذا الرجاء ، ليس فقط للكنيسة في تساونيكي بل لكل المسيحيين اينما كانوا . AR 231.1

ان بولس اذ كان يخدم في تسالونيكيكان قد تناول موضوع علامات الازمنة واسهب في شرحه ، مبينا أي الحوادث ستحدث قبل استعلان ابن الانسان في سحاب السماء ، بحيث ظن انه من غير اللازم ان يكتب بعد ذلك عن هذا الموضوع بتوسع. ومع ذلك فقد اشار بوضوح وصراحة الى تعاليمه السابقة فقال : «واما الازمنة والاوقات فلا حاجة لكم ايها الاخوة ان اكتب اليكم عنها ، لانكم انتم تعلمون بالتحقيق ان يوم الرب كلص في الليل هكذا يجيئ. لأنه حينما يقولن «سلاموامان» حينئذ يفاجئهم هلاك بغتة» ( 1 تسالونيكي5 : 1- 3). AR 231.2

يوجد كثيرون في هذا العالم ممن يغمضون عيونهم حتى لايروا الادلة التي قد قدمها المسيح لانذار الناس بمجيئه. انهم يحااولون تهدئة كل المخاوف بينما في نفس الوقتعلامة المنتهى سائرة بسرعة في طريقها الى الاتمام ، والعالم يسرع الى الوقت الذي فيه سيظهر ابن الانسان في سحاب السماء. ان بولس يعلمنا انها خطيئة عظيمة كوننا لانكترث للعلامات التي تسبق مجي االمسيح ثانية. والذين يهملون في هذا الامر يعتبرهم الرسول مذنبيين ويدعوهم ابناء الليل والظلمة. كما انه يشجع المستيقظين والساهرين بهذه الاقوال : «واما انتم ايها الاخوة فلستم في ظلمة حتى يدرككم ذلك اليوم كلص. جميعكم ابناء نور وابناء نهار . لسنا منليل ولاظلمة . فلا ننم اذا كالباقين بل لنسهر ونصح» ( 1 تسالونيكي5 : 4- 6). AR 231.3

ان تعاليم الرسول حول هذا الموضوع لها اهمية خاصة للكنيسة في ايامنا هذه . فالذين يعيشون قريبين جدا من النهاية العظيمة ينبغي ان تأتيهم اقول بولس مصحوبة بقوة فعالة حين يقول : «واما نحن الذين من نهار ، فلنصح لابسين درع الايمان والمحبة ، وخوذة هي رجاء الخلاص . لأن الله لم يجعلنا للغضب ، بل الاقتناء الخلاص بربنا يسوع المسيح،الذين مات لأجلنا ، حتى اذا سهرنا او نمنا نحيا جميعا معه» ( 1 تساونيكي5: 8 ، 10). AR 232.1

ان المسيحي السهر هو مسيحي عامل ن يحاول بكرة غيرة ان يذل قصاراه لأجل تقدم الانجيل . وكما تزيدمحبته لفاديه، كذلك تزيد محبته لنبي جنسه. إن له تجاربه القاسية كام كان لسيده ، الا انه لايسمح للتجربة ان تمرر طبعه او تجعله شكسا او تعكر سلام نفسه . انه يعلم انه لو احتمل التجربة بصبر فهي ستنقيهوتطهره وتجعله في شركة اقرب مع المسيح . ان الذين يشاركون المسيح في آلامه سيشاركونه ايضا في تعزياته واخيرا يشاركونه في مجده . AR 232.2

ثم يستأنف الرسول كلامه في رسالته الى اهل تسالونيكيفيقول : «ثم نسألكم ايها الاخوة ان تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم ، وان تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من اجل عملهم . سالموا بعضكم بعضا» ( 1 تسالونيكي5 : 12 ،13). AR 232.3

كان مؤمنوا تسالونيكي منزعجين بسبب مضايقات كانت تأتيهم من قوم يندسون بينهم ويبذرون بذار التعصب في الآراء والعقائد . فكان يوجد قوم «يسلكون بينكم بلا ترتيب ، لايشتغلون شيئابل هو فضوليون» (2 تسالونيكي 3 : 11 ). كانت الكنيسة قد نظمت تنظيما جيدا محكما ، وقد عين بها بعض الموظين ليقوموا بعمل الخدام والشمامسة. ولكن وجد بعض الناس العنيدين المتهورين الذي رفضوا الخضوع لمن كان لهم مركز السيادة في الكنيسة . انهم لم يدعوا فقط بأن لهم الحق في الحكم الخاص، بل قالوا ان لهم الحق ايضا في المجاهرة بالزام الكنيسة بالاخذ بوجهة نظرهم. فبالنظر االى هذا ، استرعى بولس انتباه اهل تسالونيكي الى وجوب تقديم الاحترام والاكرام للذين اختيروا ليشغلوا مراكز السيادة في الكنيسة . AR 232.4

واذ كان الرسول مهتما بان يسلك المؤمنون في تسالونيكي في خوف الله ، فقد ناشدهم ان يظهروا القداسة العملية في حياتهم . فكتب يقول : «فمن ثم ايها الاخوة نسألكم ونطلب اليكم في الرب يسوع، انكم كما تسلمتم منا كيف يجب ان تسلكوا وترضوا الله ، تزدادون اكثر . لأنكم تعلمون اية وصايا اعطيناكم بالرب يسوع . لان هذه هي ارادة الله : قداستكم. ان تمتنعوا عن الزنا» «لان الله لم يدعنا للنجاسة بل في القداسة» (1 تسالونييك4 : 1- 3 ، 7 ). AR 233.1

ولقد احس الرسول بأنه مسؤول الى حد كبير عن الذين اهتدوا بتأثير خدماته وعن خيرهم الروحي . كان يتوق الى ان يزدادوا رسوخا في معرفة الاله الحقيقي وحده ويسوع المسيح الذيالذي ارسله. وكثيرا ماكان يلتقي في ابان خدمته بجماعات صغيرة من الرجل والنساء الذين احبوا يسوع ، فكان يجثوا معهم في الصلاة طالبا من اله لان يعلمهم كيف يحتفظون بصلة حيوية وارتباط وثيق به . وكثيراماكان يتشاور معهم عن افضل الوسائل لتقديم نور حق الانجيل للآخرين. وعندما كان يترك الذين قام بينهم بمثلهذه الخدمات ، كثيرا ماكان يتوسل الى الله كي يحفظهم منالشر يعينهم ويعينهم كي يكونوا كارزين غيورين نشيطين. AR 233.2

من اقوى الادلة على الاهتداء او التجديد الحقيقي المحبة لله وللانسان . فالذين يقبلون يسوع فاديا لهم يكنون محبة عميقة مخلصة للذين لهم ايمان ثمين كإيمانهم. كذلك كانت الحال مع مؤمني تسالونيكي . فقد كتب الرسولاليهم يقول : «واما المحبة الاخوية فلا حاجة لكم ان اكتب اليكم عنها ، لأنكم انفسكم متعلمون من الله ان يحب بعضكم بعضا . فإنكم تفعلون ذلك ايضا لجميع الاخوة الذين في مكدونية كلها . وانما اطلب اليكم ايهاالاخوة ان تزدادوا اكثر ، وأن تحرصوا على ان تكونو هادئين، وتمارسو اموركم الخاصة ، وتشتغلوا بأيديكمانتم كما اوصيناكم ، لكي تسلكوا بلياقة عند الذين هم من خارج ، ولاتكون لكم حاجة الى احد» ( 1 تسالونيكي 4 : 9 -12). AR 233.3

«والرب ينميكم ويزيدكم في المحبة بعضكم لبعض وللجميع، كما نحن ايضا لكم ، لكي يثبت قلوبكمبلا لوم في القداسة اما الله ابينا في مجيئ ربنا يسوع المسيح مع جميع قديسيه» (1 تسالونيكي3 : 12 ، 12). AR 234.1

«ونطلباليكم ايها الاخوة : انذروا الذين بلا ترتيب . شجعواصغار النفوس . أسندوا الضعفااء . تأنواعلى الجميع . انظروا أن لايجازي حد احداعن شر بشر بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين . صلو بلا انقطاع. اشكروا في كل شيئ لأن هذه هي مشيئة الله فيالمسيح يسوع من جهتكم» ( 1 تسالونيكي5 : 14- 18). AR 234.2

وقد حذر التسالونيكيينبألا يحتقروا موهبة النبوة في كلامه الذي قاله : «لاتطفئوا الروح . لاتحتقروا النبوات . امتحنوا كل شيئ . تمسكوا بالحسن» ( 1 تسالونيكي 5 : 19 — 21). كما أوصاهم بالحصافة والدقة في التمييز بين الحقيقي والزائف . ثم أوصاهم قائلا : «امتنعوا عن كل شبه شر» ( 1 تسالونيكي5 : 22) . ثم ختم رسالته بالصلاة الى الله كي «يقدسكم بالتمام». وأن «لتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيئ ربنا يسوع المسيح». ثم أضاف قائلا : «امين هو الذي يدعوكم الذي سيفعل ايضا» ( 1 تسالونيكي 5 : 23،24). AR 234.3

ان التعليم الخاص بالمجيئ الثاني للمسيح الثاني للمسيح الذي بعث به الرسول الى اهل تسالونيكي في رسالتهالاولى ، كان على وفاق تام مع تعليمه السابق . ومع ذلك فإنبعض الاخوة في تسالونييك لم يفهموا كلامه. وقد فهموا أنه يعبر عن أمله في أن يعيش هو نفسه ليرى مجيئ المخلص. وهذا الاعتقاد زاد من حماسهم واهتياجهم . ثم ان الذين اهملوا تبعاتهم وواجباتهم قبلا ، صاروا الان اشد اصرارا في الدفاع عن آرائهم الخاطئة . AR 235.1

وفي رسالته الثانية حاول بولس ان يصلح سوء فهمهم لتعليمه ، وان يبسط لهم مركزه الحقيقي. ومرة اخرى عبر عن ثقته في نزاهتهم ، وشكره لأن ايمانهم قوي ولأن محبتهم بعضهم لبعض ولعمل سيدهم تزداد . وقد أخبرهم ان ه قد قدمهم للكنائس الاخرىعلى انهم مثال يحتذى في الصبر والايمان المثابر الذي يصمد بكل شجاعة امام الاضطهاد والضيق . ثم وجه افكارهم الى الامام الى وقت مجيئ المسيح ثانية عندما يستريح شعب الله من كل هموم ومنغصاتهم . AR 235.2

فكتب يقول : «نحن انفسنا نفتخربكم في كنائس الله ، من اجل صبركم وايمانكم في جميع اضطهاداتكم والضيقات التي تحتملونها .. واياكم الذين تتضايقون راحة معنا ، عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته ، في نار لهيب ، معطيا نقمة للذين لايعرفون الله ، والذي لايطيعون انجيل ربنا يسوع المسيح ، الذين سيعاقبون بهلاكابدي من وجه الرب ومن مجد قوته .. الامر الذي لأجله نصلي ايضا كلحين من جهتكم: ان يؤهلكم الهنا للدعوة ، ويكمل كل مسرة الصلاة وعمل الايمان بقوة، لكي يتمجداسم ربنا يسوع المسيح فيكم، وانتم فيه بنعمة الهنا والرب يسوع المسيح» ( 2 تسالونيكي1 :4 — 12). AR 235.3

ولكن قبل مجيئ المسيح ستحدث تطوراتهامة في العالم الديني كما انبأت النبوة . فقد اعلن الرسول قائلا : «لاتتزعزعواسريعا عن ذهنكم ، ولاترتعوا، لابروح ولابكلمة ولا برسالة كأنها منا : أي أن يوم المسيح قد حضر. لايخدعنكماحد على طريقة ما ، لأنه لايأتي ان لم يأت الارتداد اولا ، ويستعلن انسان الخطية ، ابن الهلاك ، المقاوم والمرتفع على كل مايدعى الها او معبودا ، حتى انه يجلس في هيكلكإله ، مظهرا نفسه انهاله» ( 2 تسالونيكي 2: 2 — 4). AR 236.1

وماكان يجب ان تحرف اقوال بولس .وماكان يجب ان يفهم احد انه ، بموجب اعلان خاص ، قد انذر اهل تسالونيكيبمجيئ المسيح السريع. فمثلهذا الموقف قد يربك الايمان، لأن الخيبة كثيرا ماتؤدي بالانسان الى عدم الايمان ولذلك حذر الرسول الاخوة حتى لايقبلوا هذه الاخبار كأنها آتيةمنه ، ثم واصل شرحه ليؤكد بان السلطان البابويالذي يصفه النبي دانيال بكل وضوح ، سيقوم اولا ويثير حربا على شعب الله . وسيكون من العبث على الكنيسة ان تنتظر مجيئ سيدها قبلان يتمم هذا السلطان عمله التجديفي المميت . ثم سألهم بولس قائلا: «اما تذكرون اني وانا بعد عندكم ، كنت اقول لكم هذا ؟.» ( 2 تسالونيكي2 :5). AR 236.2

وماكان ارهب التجارب التي كانت مزمعة ان تحل بالكنيسة الحقيقية . فحتى في الوقت الذي كان الرسول يكتب فيه كان «سر الاثم» قد بدأ يعمل . والتطورات التي ستحدث في المستقبل كانت مزمعة ان تكون «بعمل الشيطان، بكل قوة ، وبآيات وعجائب كاذبة ، وبكل خديعة الاثم ، في الهالكين» ( 2 تسالونيكي 2 :9، 10). AR 236.3

والبيان الذي يورده الرسول عن الذين يرفضون ان يقبلوا «محبة الحق» هو بيان خطير جدا . اذ يقول هذه الكلمات عن الذين يصرون على رفض رسالة الحق : «سيرسل اليهم الله عمل الضلال ، حتى يصدقوا الكذب ، لكي يدان جميع الذين لم يصدقوا الحق ، بل سروا بالاثم» ( 2 تسالونيكي2 : 10 — 12). ان الناس لايمكن ان يفلتوا من العقاب حين يرفضون الانذارات التي يرسلها الله اليهم في رحمته فالله سيسحب روحه من الذين يصرون على رفض هذه الانذارات، تاركا اياهم للاكاذيب التي يحبونها . AR 236.4

وهكذا لخص بولسالعمل الوبيللتلك القوة الشريرة الذي كان سيستمر مدى اجيال طويلة في الظلام والاضطهاد ، قبل ان يأتوا المسيح ثانية . لقد كان مؤمنوا تسالونيكي يرجون النجاة السريعة ، ولكنهاهو الرسوليحثهم الآن أن يتشجعوا ويتمموا العمل الذي امامهم بخوف الله . وقد اوصاهم الرسول بألا يهملوا واجباتهم ا وان يعتكفواللانتظارالعاطل . فبعد انتظاراتهم المتألقة للخلاص السريع ، فإن العودة الى الحياة اليوميةومقاومةالاشرار التي كان عليهم ان يواجهوها كانت ستبدو في نظرهم كريهة ومنفرة بدرجة مضاعفة . ولذلك أوصاهم بالثبات في الايمان : AR 237.1

«فاثبتوا اذاايها الاخوة وتمسكوا بالتعاليم التي تعلمتموها ، سواء كان بالكلام ام برسالتنا . وربنا نفسه يسوع المسيح ، والله ابونا الذي احبنا واعطانا عزاء ابديا ورجاءا صالحا بالنعمة ، يعزي قلوبكم ويثبتكم في كل كلام وعمل صالح» ( 2 تسالونيكي2 : 15 —17), «امين هو الرب الذي سيثبتكم ويحفظكم من الشرير . ونثق بالرب من جهتكم انكم تفعلون مانوصيكم به وستفعلون ايضا والرب يهدي قلوبكم الى محبة الله ، والى صبر المسيح» ( 2 تسالونيكي3 : 3- 5). AR 237.2

لقد تسلم المؤمنون عملهم من الله . فبأمانتهم وثباتهم الى جانب الحق كانعليهم ان يعطوا الاخرين النور الذي قد حصلوا عليه . وقد حثهم الرسول الا يفشلوا في عمل الخير ، ووجه انتباههم الى مثاله هو في الاجتهاد في الامور الزمنية بينما كان في الوقت نفسه يعمل عمل المسيحبغيرة لاتعرف الكلل . وقد وبخ الذين ركنوا الى الخمول والكسل والاثارة التي بلا هدف ، واوصاهم ان «يشتغلوا بهدء ، ويأكلوا خبز انفسهم» ( 2 تسالونيكي3 :12 ). وكذلك اوصى الكنيسة بأن يعزلوا من شركتهم كل من يصر على رفض التعاليم التي قدمها خدام الله . ثم أضاف قائلا: «ولكن لاتحسبوه كعدوا ، بل انذروهكأخ» ( 2 تسالونيكي 3 : 15). AR 237.3

وقد ختم بولس هذه الرسالة ايضا بصلاة طالبا من الله ان في وسط كفاح الحياة وتجاربها يكون سلام الله ونعمة الرب يسوع المسيح عزاءا وسندا لهم . AR 238.1