الاباء والانبياء
الفصل الثاني عشر—إبراهيم في كنعان
-------------------
عاد إبراهيم إلى كنعان (غنيّا جدّا في المواشي والفضّة والذّهب) (انظر تكوين 13 : 1 ، 9) . وكان لوط لا يزال معه ، وعادا إلى بيت إيل ، ونصبا خيامهما إلى جوار المذبح الذي كانا قد أقاماه قبلا ، واكتشفا أن كثرة الأملاك زادت من همومهما . لقد عاشا معا من قبل في وفاق في وسط المشقات والتجارب ، ولكنهما في نجاحهما كان يخشى من أن تنشب الخصومة بينهما . لم تكن المراعي كافية لأغنامهما ومواشيهما معا ، وكان رعاة مواشي كل منهما يأتون بالمنازعات الكثيرة التي كانت تنشب بينهم إلى ذينك السيدين ليقضيا فيها ، وبدا واضحا أنه لا بد من انفصالهما ، وكان إبراهيم أكبر سنا من لوط إذ كان عمه ، وكان متفوقا عليه في الثروة والمركز ، ومع ذلك فقد كان هو المقدام في اقتراح خطط لصون السلام ، ومع أن الله نفسه كان قد أعطى كل الأرض لإبراهيم فإنه بكل لطف ورقة تنازل عن هذا الحق . AA 109.1
قال : (لا تكن مخاصمة بيني وبينك ، وبين رعاتي ورعاتك ، لأنّنا نحن أخوان . أليست كلّ الأرض أمامك ؟ اعتزل عنّي . إن ذهبت شمالا فأنا يمينا ، وإن يمينا فأنا شمالا) . AA 109.2
هنا تجلت روح إبراهيم النبيلة المنكرة لذاتها . ما أكثر أولئك الذين في مثل هذه الأحوال يتمسكون بحقوقهم الشخصية ، ويؤثرون أنفسهم على الآخرين مهما حدث ! وما أكثر العائلات التي تفرقت وتشتت شملها بهذه الكيفية ! وما أكثر الكنائس التي انقسمت على نفسها وجعلت حق الله مثلا وتعييرا بين الأشرار ! قال إبراهيم : )لا تكن مخاصمة بيني وبينك ، وبين رعاتي ورعاتك ، لأنّنا نحن أخوان ( ليس فقط لعلاقتهما الشخصية وصلة القرابة ، بل أيضا لكونهما من عبيد الإله الحقيقي ، إن أولاد الله في كل العالم هم أفراد أسرة واحدة ، وينبغي أن يملك عليهم الروح الواحد ، روح المحبة والوفاق ، & (وادّين بعضكم بعضا بالمحبّة الأخويّة ، مقدّمين بعضكم بعضا في الكرامة ) (رومية 12 : 10) . هذا ما يعلمنا إياه مخلصنا ، أن إنماء روح اللطف غير المنحرفة ورغبتنا في معاملة الناس بمثل ما نحبهم أن يعاملونا به لمما يقضي على نصف مآسي الحياة ومتاعبها . إن روح تعظيم الذات هي روح الشيطان ، ولكن القلب الذي قد انغرست فيه محبة المسيح ستملك فيه تلك المحبة التي لا تطلب ما لنفسها . مثل هذا القلب يحفظ وصية الله القائلة : ) لا تنظروا كلّ واحدٍ إلى ما هو لنفسه ، بل كلّ واحدٍ إلى ما هو لآخرين أيضا ( (فيلبي 2 :4) . AA 109.3
ومع أن لوطا كان مدينا بنجاحه لصلته بإبراهيم إلا أنه لم يعبر عن شكره لمن قد أحسن إليه ، إن اللطف والكياسة كان يجب أن يوجهاه إلى ترك حق الاختيار لإبراهيم ، ولكن بدلا من ذلك فإنه ، في أنانيته ، أراد أن يغتنم الفرصة ويحتفظ لنفسه بكل مزايا ذلك الاختيار ، ( فرفع لوط عينيه ورأى كلّ دائرة الأردنّ أنّ جميعها سقي ... كجنّة الرب ، كأرض مصر . حينما تجيء إلى صوغر) (انظر تكوين 13 : 10 - 13) . كان أخصب إقليم في كل فلسطين هو وادي الأردن ، وكان يذكّر من يشاهدونه بالفردوس المفقود ، ويضارع في جماله ووفرة ثماره السهول التي يخترقها نهر النيل التي كانوا قد رحلوا عنها منذ عهد قريب ، وكانت هنالك أيضا مدن غنية وجميلة تغري الناس بالمتاجرة الرابحة في أسواقها المزدحمة ، فإذ بهرت لوطا مناظر الأرباح المادية لم يعد يرى المآسي والشرور الأدبية والروحية التي كان سيلاقيها هناك ، وكان سكان السهل ) أشرارا وخطاة لدى الرب جدّا ( ولكنه كان يجهل هذا ، أو ربما عرف ولم يقم له وزنا ، ( فاختار لوط لنفسه كلّ دائرة الأردنّ ... ونقل خيامه إلى سدوم ). كم كان قصر النظر ، وما كان أقل إدراكه للنتائج المرعبة لذلك الاختيار الأناني ! AA 110.1
بعد اعتزال إبراهيم عن لوط أعاد الرب له الوعد بأنه سيعطيه كل الأرض ، وبعد ذلك بقليل انتقل إلى حبرون ، ونصب خيمته تحت بلوطات ممرا ، وأقام إلى جوارها مذبحا للرب . ففي الهواء الطلق في تلك السهول المرتفعة بما فيها من أشجار الزيتون والكروم والحقول المتموجة بالحنطة ، والمراعي الواسعة التي تحيط بها التلال ، سكن إبراهيم قانعا بحياته البسيطة ، حياة القداسة والتقوى ، تاركا للوط وادي سدوم المترف المحفوف بالمخاطر . AA 110.2
كانت الأمم المجاورة لإبراهيم تحترمه وتوقره كأمير عظيم ورئيس مقتدر حكيم ، ولم يعش منطويا على نفسه ، ولا حجز تأثره عن جيرانه ، فإن حياته وتأثيره ، على نقيض حياة عبدة الأوثان ، كان لها تأثر ملحوظ في صالح الإيمان القويم . وكان ولاؤه لله ثابتا لا يتزعزع ، بينما لطفه وحبه للإحسان أوحيا بمصادقته والثقة به ، وإن عظمته غير المتكلفة جعلت الناس يحترمونه ويوقرونه . AA 110.3
ولم تكن ديانته ككنز ثمين يحرسه صاحبه بكل حرص حتى لا يتمتع به أحد سواه ، إن من يعتنق الديانة الحقيقية لا يتصرف هكهذا ، لأن هذه الروح تنافي مبادئ الإنجيل ، فحين يكون المسيح ساكنا في القلب يصبح من المستحيل على الإنسان إخفاء نور حضوره ، أو أن نوره يصير ظلاما ، بل يكون الأمر على عكس ذلك ، فإن نوره يزداد تألقا ولمعانا يوما بعد يوم ، طاردا ظلمات الأنانية والخطية التي تكتنف النفس ، بأشعة النور المنبعثة من شمس البر . AA 111.1
إن شعب الله هم ممثلوه على الأرض ، وهو يريدهم أن يكونوا أنوارا تبدد ظلمات هذا العالم الأدبية ، وإذ يكونون متفرقين في كل البلاد ، في القرى والمدن الكبرى والصغيرة فهم شهود الله والمجاري التي عن طريقها يوصل إلى العالم العديم الإيمان معرفة إرادته وعجائب نعمته ، فتدبيره هو أن كل من قد أخذوا نصيبا من خلاصه العظيم يكونون مرسلين له ، وتقوى المسيحيين تقرر المقياس الذي يحكم بل أهل العالم على الإنجيل ، فالتجارب التي يحتملونها بصبر ، والبركات التي يتناولونها بالشكر ، والوداعة والرفق والرحمة والمحبة إذ يعتادون إظهارها تكون هي الأنوار التي تلمع في الأخلاق أمام العالم ، مبينة الفارق العظيم بينها وبين الظلمة الناشئة عن الأنانية والقلب الطبيعي . AA 111.2
إن إبراهيم الذي كان غنيا في إيمانه نبيلا في كرمه وغير متردد في طاعته ، ومتواضعا في بساطة حياة الغربة التي عاشها ، كان أيضا حكيما في معاملاته ، وشجاعا وماهرا في الحرب ، ومع أنه كان معروفا عنه أنه كارز بدين جديد فإن ثلاثة إخوة من النسل الملوكي الذين كانوا يحكمون على سهول الأموريين التي كان إبراهيم ساكنا فيها أظهروا صداقتهم له بدعوتهم إياه للدخول في تحالف معهم لضمان سلامتهم ، لأن القسوة والظلم كانا متفشيين في تلك البلاد . وسرعان ما حدثت حادثة جعلته ينتفع من ذلك التحالف . AA 111.3
كان كدر لعومر ملك عيلان قد غزا كنعان منذ أربع عشرة سنة وأرغمهما على أن تدفع له الجزية ، أما الآن فقد ثار عليه عدة ملوك ، فجاء ملك عيلام هذا ومعه أربعة ملوك آخرون وهجموا على تلك البلاد لإخضاعها ، فاتحدت جيوش خمسة من ملوك كنعان والتحموا مع الغزاة في عمق السديم ، ولكنهم هزموا شر هزيمة ، وقتل أغلب رجال الجيش ، والذين نجوا اعتصموا بالجبال لينجوا بحياتهم ، ونهب المنتصرون مدن السهل وحملوا معهم غنائم عظيمة وكثيرين من الأسرى ، ومن بينهم لوط وعائلته ، ثم رحلوا . AA 111.4
أما إبراهيم الذي كان يقيم عند بلوطات ممرا في سلام فقد علم من أحد الهاربين من الحرب بقصة المعركة والكارثة التي حلت بابن أخيه . لم يكن إبراهيم يحقد على لوط بسبب نكرانه لفضله عليه ، فاستيقظت كل عواطف محبته نحوه وعزم على إنقاذه ، فكان أول ما فعله أنه طلب أن يعرف مشورة الله ، ومن ثم تأهب للحرب ، فجند من عبيده ثلاث مئة وثمانية عشر رجلا متمرنين ، وكانوا كلهم متربين في خوف الله وفي خدمة مولاهم ، ومتدربين على استخدام الأسلحة . كما أن حلفاء إبراهيم ، أي ممرا وأشكول وعانر ، ساروا معه إلى الحرب يتبعهم رجال حربهم ، فانطلق الجميع يتعقبون الغزاة ، وكان العيلاميون وحلفاؤهم قد عسكروا في دان على حدود كنعان الشمالية ، فإذ كانوا سكارى بخمرة الانتصار ولم يكونوا يخشون من هجوم يأتيهم من أعدائهم المنهزمين أسلموا أنفسهم للطرب والمرح ، أما إبراهيم فقد قسم الجيش بحيث يطبقون على العدو من عدة نواح ، وباغتوا جيش العدو ليلا ، فذلك الهجوم الشديد الغير المتوقع تكلل بالانتصار السريع ، فقتل ملك عيلام وهلك رجاله الذين استولى عليهم الرعب ، كما استرجع لوط وعائلته وكل الأسرى مع أملاكهم ، وسقط في أيدي المنتصرين غنائم عظيمة ، أما الفضل في هذا الانتصار فقد نسب إلى إبراهيم بعد الله . فذلك الرجل الذي كان يعبد الله فضلا عن كونه قدم خدمة جليلة لبلاده قد برهن أنه رجل شديد البأس ، وظهر من هذا أن حياة الاستقامة والبر ليست حياة الخنوع والجبن ، وأن ديانة إبراهيم جعلته شجاعا في إعادة الحق إلى أصحابه والدفاع عن المظلومين ، وهذا العمل الباهر الدال على البطولة جعل تأثير إبراهيم ينتشر بين القبائل المجاورة . وعند عودته خرج ملك سدوم على رأس حاشيته لإكرام ذلك القائد الظافر ، وقال الملك لإبراهيم أن يأخذ الأملاك ، وإنما رجاه أن يعيد له الأسرى فقط ، وبموجب العرف المصطلح عليه في الحروب كانت الغنائم من حق الغالبين ، ولكن غرض إبراهيم مع تلك الحملة لم يكن الحصول على مغنم مادي ، فرفض أن يستفيد بشيء من أولئك الأسرى المنكودي الحظ ، إنما اشترط فقط أن يأخذ حلفاؤه النصيب الذي يستحقونه . AA 112.1
ما أقل الذين إذا تعرضوا لمثل هذه التجربة يبرهنون على نبل أخلاقهم كإبراهيم ! قليلون هم الذين يقاومون تجربة الظفر بمغانم عظيمة كهذه ، إن مثال إبراهيم هو توبيخ صارم للنفوس الطامعة التي تطلب ما لنفسها فقط . لقد حافظ إبراهيم على مطاليب العدالة والمروءة ، وإن مثاله يفسر لنا القول الموحى به )تحبّ قريبك كنفسك ) (لاويين 19 : 18) قال إبراهيم لملك سدوم : ( رفعت يدي إلى الرب الإله العليّ مالك السّماء والأرض ، لا آخذنّ لا خيطا ولا شراك نعل ولا من كلّ ما هو لك، فلا تقول : أنا أغنيت أبرام ( (انظر تكوين 14 : 17 - 24) . فلم يرد أن يعطيهم مجالا لأن يظنوا أنه قد دخل الحرب سعيا وراء الربح المادي ، أو أن ينسبوا نجاحه لخطاياهم أو معروفهم ، لقد وعد الله إبراهيم بالبركة ، فله وحده يرجع المجد . AA 113.1
وهناك شخص آخر جاء ليرحب بإبراهيم ، وهو ملكي صادق ، ملك ساليم ، الذي أخرج خبزا وخمرا لإنعاش جيشه ، وبوصفه (;كاهنا لله العليّ ) بارك إبراهيم وشكر الرب الذي صنع على يدي عبده ذلك الخلاص العظيم ، « فأعطاه (إبراهيم) عشرا من كلّ شيءٍ » . AA 113.2
رجع إبراهيم فرحا إلى خيامه وقطعانه ، ولكن أفكارا مزعجة خطرت له ، لقد كان رجل سلام ، وعلى قدر طاقته كان يعرض عن العداوة والنزاع ، فبكل رعب استعاد إلى ذاكرته منظر المذبحة التي قد شهدها ، وأن تلك الأمم التي كان قد هزم جيوشها لا بد أن تعود لتغزو كنعان ، وسيجعلونه هو هدفا لانتقامهم ، فحيث قد اندمج في المنازعات القومية إلى هذا الحد قد تضطرب حياته الوادعة المسالمة ، وفوق ذلك فهو لم يكن قد امتلك أرض كنعان ، ولم يستطع الآن أن ينتظر وارثا يرثه ويتمم له الرب ذلك الوعد . AA 113.3
ففي رؤى الليل عاد إبراهيم يسمع صوت الرب قائلا له : ( لا تخف يا أبرام ) - هذا ما قاله له ملك الملوك ( أنا ترس لك . أجرك كثير جدّا ) (انظر تكوين 15 : 1-5) ولكن عقل إبراهيم كان يطغى عليه التشاؤم بحيث لم يكن يستطيع الاستناد على الوعد بثقة لا يتطرق إليها الشك كما فعل قبلا فصلى بطلب برهان ملموس على أن الوعد سيتم ، وكيف يتحقق عهد الله معه في حين أنه محروم من عطية البنين ؟ فقال : ( ماذا تعطيني وأنا ماضٍ عقيما ... وهوذا ابن بيتي وارث لي ) ، واقترح أن يكون أليعازر عبده الذي يثق به ابنا له بالتبني ووارثا لأملاكه من بعده ، ولكن الله أكد له أن الابن الذي سيخرج من أحشائه هو الذي سيرثه ، ثم أخرجه إلى خارج خيمته وقال له أن ينظر إلى نجوم السماء اللامعة التي لا تعد ، فإذ نظر إلى فوق جاءه القول الإلهي : ( هكذا يكون نسلك ) ( فآمن إبراهيم بالله فحسب له برّا ) (رومية 4 : 3) . AA 113.4
مع ذلك ، توسل ذلك القديس الشيخ في طلب علامة ظاهرة لتثبيت إيمانه ولتكون برهانا للأجيال القادمة على أن مقاصد الله الرحيمة نحوهم ستتم ، وتنازل الرب فدخل في عهد مع عبده ، مستخدما الطقوس المتبعة بين الناس لأجل التصديق على ميثاق خطير ، وبموجب إرشاد الله قدم إبراهيم ذبيحة من عجلة وعنزة وكبش عمر كل منها ثلاث سنين ، وشقها كلها من الوسط ، وجعل كل شق مقابل صاحبه ، كما أضاف إلى هذه يمامة وحمامة ولكنه لم يشقهما . وبعدما عمل كل ذلك جاز بكل احترام ووقار بين قطع ذبيحته ونذر لله نذرا خطيرا أن يطيعه طاعة دائمة ، وظل ماكثا وثابتا بجوار الجثث إلى مغيب الشمس ليحرسها خيفة أن تنجسها أو تختطفها الجوارح ، وعند مغيب الشمس وقع عليه سبات عميق ( وإذا رعبة مظلمة عظيمة واقعة عليه ) (انظر تكوين 15 : 7 ، 18) وسمع صوت الله يقول له ألا يتوقع امتلاك أرض الموعد في زمن قريب ، كما أخبره عن آلام ستصيب نسله في المستقبل قبلما يستقرون في كنعان ، وكشف له حينئذٍ عن تدبير الفداء بموت المسيح وذبيحته العظيمة ، ومجيئه في المجد ، كما رأى إبراهيم الأرض تستعيد جمالها كما في أيام جنة عدن ، وأنها ستعطى له ملكا أبديا إنجازا للوعد بكيفية نهائية كاملة . AA 114.1
وضمانا لعهد الله مع الناس جاز تنور دخان ومصباح نار كرمز لحضور الله ، بين تلك القطع ثم التهمتها كلها النار . ثم سمع إبراهيم صوت الله ثانية مثبتا وعده بأنه سيعطي أرض كنعان لنسله ( من نهر مصر إلى النّهر الكبير ، نهر الفرات ) . AA 114.2
بعد حوالي خمس وعشرين سنة من سكنى إبراهيم في أرض كنعان ظهر له الرب قائلا : ( أنا الله القدير . سر أمامي وكن كاملا ) (انظر تكوين 17 : 1 — 16) ففي وقار وخشوع سقط ذلك الشيخ على وجهه ، وإذا بالرب يتابع كلامه قائلا : ( فهوذا عهدي معك ، وتكون أبا لجمهورٍ من الأمم ) وكعلامة لإنجاز عهده معه تغير اسمه الذي كان قبلا أبرام ، فصار اسمه إبراهيم ، ومعناه ( أب لجمهور عظيم ) . كما تغير اسم ساراي إلى سارة ، ومعناه ( أميرة ) . لأن صوت الله سمع يقول : ( إنها تكون أمما وملوك شعوب منها يكونون ) AA 114.3
في هذا الوقت أعطى الله لإبراهيم فريضة الختان ( ختما لبرّ الإيمان الّذي كان في الغرلة ) (رومية 4 : 11) وكان ينبغي لإبراهيم ولنسله أن يحفظوا تلك الفريضة علامة على أنهم مكرسون لخدمة الله وعبادته ، وأنهم لذلك منفصلون عن عبدة الأوثان ، وأن الله قد قبلهم خاصة له ، وبموجب تلك الفريضة كانوا ملتزمين من جانبهم أن يتمموا شروط العهد الذي عقده الله مع إبراهيم ، فلقد حرم عليهم الارتباط بالوثنيين عن طريق الزواج ، فإن من شأن هذا الارتباط أن يفقدهم توقيرهم لله ولشريعته المقدسة ، ويمسون مجرّبين لأن يشتركوا مع الأمم الأخرى في ممارساتهم الشريرة التي ستغرر بهم حتى ينتحلوا الوثنية . AA 115.1
لقد منح الله إبراهيم كرامة عظيمة ، فكان ملائكة السماء يسيرون معه ويحادثونه كما يحادث الصديق صديقه ، وعندما كانت الأحكام موشكة أن تنصب على سدوم لم يكن ذلك السر خافيا على إبراهيم ، بل صار إبراهيم شفيعا في الخطاة أمام الله ، وكان في استقباله للملائكة مثالا جميلا لكرم الضيافة . AA 115.2
ففي حر النهار ، في وقت الظهيرة ، كان ذلك القديس الشيخ جالسا في باب خيمته يتطلع أمامه في ذلك البر الهادئ ، وإذا به يرى على البعد ثلاثة مسافرين مقبلين عليه ، وقبل وصول أولئك الغرباء إلى الخيمة توقفوا كأنما يتشاورون في أي طريق يسيرون . ولم ينتظر إبراهيم حتى يطلبوا منه أن يضيفهم ، بل أسرع إلى حيث كانوا ، وبينما هم يتظاهرون بالاتجاه إلى طريق آخر ، ركض وراءهم ، وبكل لطف ألح عليهم أن يكرموه بالانتظار عنده ريثما يسندون قلوبهم ، وأحضر لهم بنفسه ماء ليغسلوا أرجلهم من وعثاء السفر ، واختار لهم طعامهم بنفسه ، وإذ كانوا متكئين تحت ظل الأشجار في الهواء المنعش أعدت لهم مائدة حافلة ، وباحترام و قف هو لديهم ريثما تناولوا من تلك المائدة الدالة على كرمه ، فاعتبر الله هذا اللطف من إبراهيم وهذه الضيافة لأولئك الغرباء أمرا هاما جدا بحيث اقتضى تسجيله في كتابه ، وبعد ذلك بألف سنة أشار إليها الرسول بوحي الله قائلا : « لا تنسوا إضافة الغرباء ، لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون »(عبرانيين 13 : 2) AA 115.3
لم يكن إبراهيم قد رأى في ضيوفه أكثر من ثلاثة مسافرين أعياهم التعب ، ولم يكن يظن أن بينهم واحدا يمكنه أن يعبده دون أن يرتكب خطية ، ولكن بعد ذلك انكشف له أمر رسل السماء أولئك ، ومع أنهم كانوا سائرين في طريقهم كرسل الغضب ، إلا أنهم كلموا إبراهيم رجل الإيمان عن البركات أولا ، ومع كون الله دقيقا وحازما في مراقبة الإثم ومعاقبة العصيان فإنه لا يسر بالانتقام ، إن عمل الإهلاك هو ( عمله الغريب ) لذاك الذي هو غير محدود في محبته . AA 116.1
« سرّ الله لخائفيه » (مزمور 25 : 14) . لقد أكرم إبراهيم الله فأكرمه الله وأطلعه على مشوراته ، وكشف له عن مقاصده ، قال الرب : «هل أخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله ؟» (انظر تكوين 18 : 17 - 33) . «إنّ صراخ سدوم وعمورة قد كثر ، وخطيّتهم قد عظمت جدّا . أنزل وأرى هل فعلوا بالتّمام حسب صراخها الآتي إليّ ، وإلاّ فأعلم » . لقد عرف الرب جيدا مكيال إثم سدوم ، ولكنه عبر عن فكره كما هي عادة الناس لكي يفهم عدله في معاملته للعصاة فقبلما يوقع دينونته عليهم سيذهب بنفسه ليمتحن طرقهم ، فإذا لم يكونوا قد جاوزوا حدود الرحمة الإلهية سيعطيهم فرصة إمهال للتوبة . AA 116.2
انصرف اثنان من رسل السماء تاركين إبراهيم وحده مع ذاك الذي عرفه إبراهيم الآن بأنه ابن الله ، فتوسل رجل الإيمان ذاك لأجل سكان سدوم الذين خلصهم مرة بعد سيفه ، أما الآن فهو يحاول إنقاذهم بالصلاة . كان لوط وعائلته لا يزالون ساكنين هناك . إن محبة إبراهيم المنكرة لذاتها قد استفزته ليخلصهم من العيلاميين ، والآن ها هو يحاول ، لو أراد الرب ، أن يخلصهم من عاصفة الدينونة الإلهية . AA 116.3
باحترام عميق ووداعة عظيمة توسل إبراهيم إلى الرب قائلا : ( قد شرعت أكلّم المولى وأنا تراب ورماد ) لم تكن هنالك ثقة في النفس ولا افتخار بالبر الذاتي ، لم يطلب إبراهيم الرحمة على أساس طاعته هو ، ولا على أساس التضحيات التي بذلها متمما إرادة الرب ، وإذ كان هو خاطئا فقد توسل لأجل الخطاة . فلتكن هذه الروح هي روح كل من يقتربون إلى الله . تقدم إبراهيم إلى الله في ثقة كطفل يتقدم إلى أبيه الحبيب ، اقترب من رسول السماء ، وبكل حرارة جعل يلح في توسلاته ، ومع أن لوطا كان محسوبا من سكان سدوم فهو لم يشارك السكان في آثامهم . وقد ظن إبراهيم أن تلك المدينة المزدحمة بالسكان لا بد أن يكون فيها أناس آخرون يعبدون الإله الحقيقي ، وبهذا الاعتبار توسل قائلا : ( حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر ، أن تميت البارّ مع الأثيم ... حاشا لك ! أديّان كلّ الأرض لا يصنع عدلا ؟ ) ولم يتوسل إبراهيم مرة واحدة بل مرارا ، وإذ ازداد جرأة حين أجيب إلى طلبه ظل مواظبا على الصلاة حتى حصل على التأكيد بأنه إن وجد الرب في المدينة عشرة أبرار فسيبقي على المدينة . AA 116.4
إن محبة إبراهيم للنفوس الهالكة ألهمته هذه الصلاة ، ففي حين كان يشمئز من خطايا تلك المدينة الفاسدة اشتاق إلى خلاص أولئك الخطاة ، إن اهتمامه العميق بسدوم يرينا مبلغ الجزع الذي ينبغي أن نحس به نحو غير التائبين ، ففي حين يجب أن نكره الخطية علينا أن نشفق على الخاطئ ونحبه . إن حولنا نفوسا كثيرة جدا تنحدر إلى الهلاك في حالة مرعبة وبلا رجاء ، تماما كما كانت الحال مع سدوم ، وفي كل يوم تنتهي مدد الإمهال المقدمة لبعض النفوس ، وفي كل ساعة ينحدر بعض الناس إلى حيث لا تصل الرحمة . فأين أصوات الإنذار والتوسل لتأمر الخاطئ بالهروب من هذه الدينونة المخيفة ؟ وأين الأيدي الممتدة لإبعاده عن الموت ، وأين أولئك الذين بالإيمان المثابر والوداعة يتوسلون إلى الله لأجلهم ؟ AA 117.1
إن روح إبراهيم كانت هي روح المسيح ، وإن ابن الله هو نفسه أعظم شفيع في الخطاة ، وذاك الذي دفع ثمن فداء النفس البشرية يعرف قيمتها ، وبعداوة وخصومة عظيمة للشر لا يمكن أن توجدا إلا في نفس طاهرة بلا عيب أظهر المسيح للخاطئ محبة لا يمكن أن تشعر بها أو تدركها إلا النفس الكلية الصلاح . ففي آلام الصليب إذ كان هو نفسه يحمل حمل خطايا العالم الرهيبة صلى لأجل من سخروا به وقتلوه قائلا : ( اغفر لهم ، لأنّهم لا يعلمون ماذا يفعلون ) (لوقا 23 : 34) . AA 117.2
يقول الكتاب عن إبراهيم إنه ( دعي خليل الله ) و ( أبا لجميع الّذين يؤمنون ) (يعقوب 2 : 23 ، رومية 4 : 11) وشهادة الله لهذا الشيخ الأمين هي هذه : ( إبراهيم سمع لقولي وحفظ ما يحفظ لي : أوامري وفرائضي وشرائعي ) وأيضا: ( لأنّي عرفته لكي يوصي بنيه وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الرب ، ليعملوا برّا وعدلا ، لكي يأتي الله لإبراهيم بما تكلّم به ) (تكوين 26 : 5) . لقد كانت كرامة عظيمة تلك التي دعي إبراهيم إليها ، أن يكون أبا لشعب كانوا ، لمدة أجيال ، حراسا وحفاظا على حق الله للعالم ، أبا لذلك الشعب الذي عن طريقه ستتبارك كل أمم الأرض بمجيء مسيا الموعود به ، ولكن الذي دعا ذلك الأب حكم بأنه مستحق . إن الله هو الذي يتكلم ، فذاك الذي يفهم الأفكار من بعيد ويقدر الناس التقدير الصحيح يقول : ( عرفته ) . إن إبراهيم لم يكن ليغدر بالحق في سبيل أغراض أنانية ، بل حفظ الشريعة وعمل حقا وعدلا . ولم يكتف بأن يخاف الرب بنفسه ، ولكنه أراد أن ينشر الدين في بيته ، ويعلم عائلته طريق البر ، أراد أن يجعل شريعة الله قانونا يسير بموجبه أهل بيته . AA 117.3
كانت عائلة إبراهيم مكونة من أكثر من ألف نفس ، والذين قادتهم تعاليمه إلى عبادة الإله الواحد وجدوا في محلته مأوى وملاذا ، وهنا ، كما في مدرسة ، حصلوا على تعاليم تؤهلهم لأن يكونوا ممثلين للإيمان الحقيقي . هكذا نرى أن إبراهيم كان تحت مسؤولية خطرة . كان يدرب رؤساء عائلات ، وكانت أساليبه في الحكم تنفذ في البيوت التي يرأسونها . AA 118.1
في العصور الأولى كان الأب حاكما في عائلته وكاهنا لها ، وكان ينفذ سلطانه على أولاده حتى بعد ما يكونون لهم عائلات خاصة بهم ، وكان أولاده يتعلمون أنه ينبغي لهم أن ينظروا إليه كرئيس لهم في الشؤون الدينية والزمنية . وقد جدّ إبراهيم في تنفيذ هذا النظام الأبوي في الحكم ، إذ أن مآله كان إلى حفظ معرفة الله . لقد كان من الضروري حفظ وحدة العائلة معا لأجل إقامة حاجز يصد عنها الوثنية التي كانت قد استشرت وتأصلت في النفوس ، وحاول إبراهيم بكل وسيلة في مقدوره أن يحول بين نزلاء محلته والاختلاط بالوثنيين ومشاهدة ممارساتهم الوثنية ، لأنه كان يعلم أن التعرف بالشر يفسد مبادئهم وهم لا يشعرون ، فكان حريصا أشد الحرص على أن يبعد عنهم كل طقوس العبادة الكاذبة وأشكالها ، وأن يطبع على عقولهم جلال الإله الحي ومجده بوصفه الكاهن الوحيد الذي تنبغي له العبادة والسجود . AA 118.2
كان ترتيبا حكيما ذاك الذي عمله الله ليقطع كل صلة بين شعبه والوثنيين ، على قدر الإمكان ، جاعلا إياهم شعبا يسكن وحده ، وبين الشعوب لا يحسب . لقد فصل إبراهيم عن أقربائه الوثنيين حتى يتمكن ذلك الشيخ من أن يربي ويهذب عائلته بعيدا عن المؤثرات المضلة التي كان يمكن أن تحيط بهم في ما بين النهرين ، وحتى يحفظ نسله الحق في نقاوته من جيل إلى جيل . AA 118.3
إن محبة إبراهيم لأولاده وأهل بيته قادته إلى أن يحرس عقيدتهم الدينية ، ويسلم لهم معرفة الوصايا الإلهية كأثمن إرث يمكن أن يورثهم إياه ، ثم يسلمه عن طريقهم للعالم . وتعلم الجميع أنهم تحت حكم إله السماء ، فما كان على الآباء أن يستبدوا بأولادهم ، وما كان على الأولاد أن يعصوا والديهم ، فلقد عينت الشريعة لكل واحد واجبه ، وفي الطاعة لتلك الشريعة فقط يمكنهم أن يحظوا بالسعادة والنجاح . AA 119.1
كان مثال إبراهيم وتأثيره الصامت في حياته اليومية درسا مستمرا للجميع ، إن استقامته التي لا انحراف فيها ، وإحسانه ، ولطفه الذي لا تشوبه الأنانية - هذه الصفات التي حازت إعجاب الملوك ، كانت سائدة في البيت ، فلقد كان يفوح من حياته شذا رائحة طيبة ، كما كان في أخلاقه نبل وجمال كشف للناس جميعا أن هذا الرجل كان على صلة بالسماء ، إنه لم يهمل نفس أحقر عبد من عبيده . وفي بيته لم تكن هنالك شريعة للسيد وأخرى للعبد ، لم تكن هنالك طريق ملكية للأغنياء وأخرى للفقراء ، ولكن الجميع كانوا يعاملون بالعدل والرفق كالوارثين معه لنعمة الحياة . AA 119.2
( لكي يوصي بنيه وبيته ... ) لن يكون هنالك إهمال خاطئ في ضبط وكبح أميال أولاده الشريرة ، ولن تكون محاباة ضعيفة ومتساهلة غير حكيمة ، لن يخضع اقتناعه بالواجب لمطاليب المحبة المخطئة ، إن إبراهيم لم يكن يكتفي بتقديم التعليم الصحيح بل أراد الاحتفاظ بسلطان الشرائع العادلة المستقيمة . AA 119.3
ما أقل الذين يتبعون هذا المثال في هذه الأيام ! إن عددا كبيرا جدا من الآباء يكنون لأولادهم حنوا أنانيا أعمى يسمّونه ، خطأ ، محبة ، وهو يبدو في تركهم لأولادهم بتفكيرهم غير الناضج وانفعالاتهم غير المدربة لحكم إرادتهم ، تلك أعظم قسوة نحو الشباب ، وأعظم ظلم للعالم ، ذلك لأن تساهل الآباء يسبب التشويش والارتباك في العائلات وفي المجتمع ، وهذا يقوي في الشباب الميل إلى اتباع ميولهم بدلا من الخضوع لمطاليب الله ، فيشبون وقلوبهم كارهة لعمل إرادة الله ويورثون روحهم الكافرة العاصية لأولادهم وأولاد أولادهم ، ولكن على الآباء أن يوصّوا أولادهم من بعدهم كما فعل إبراهيم . ينبغي أن يتعلم الأولاد الطاعة لسلطة والديهم ويلزموا بذلك كأول خطوة في طريق طاعتهم لسلطان الله . AA 119.4
إن كون الناس ، حتى القادة الدينيين بينهم ، لا يقيمون وزنا لشريعة الله ، قد أنتج شرورا عظيمة ، وإن التعليم السائد الآن والقائل بأن الشرائع الإلهية لم تعد ملزمة للناس هو تعليم نظير الوثنية في تأثيره الضار بأخلاق الناس ، والذين يحاولون التقليل من قوة مطاليب شريعة الله المقدسة يوجهون ضربات مباشرة إلى أساس حكم العائلات والأمم ، إن الآباء المتدينين لكونهم يفشلون في السير في طريق وصايا الله لا يوصون عائلاتهم بحفظ طريق الرب ، فلم تعد شريعة الله هي قانون الحياة ، والأولاد إذ يكنون لأنفسهم بيوتا لا يحسون بأنهم تحت التزام أن يعلموا أولادهم ما لم يتعلموه قط ، وهذا هو السبب في كون عائلات كثيرة قد تفشى فيها الإلحاد ، وهذا هو السبب في تأصل الفساد في القلوب وانتشاره في كل مكان . AA 120.1
وما لم يسلك الآباء أنفسهم في شريعة الرب بقلوب كاملة فلن يكونوا مستعدين لأن يوصوا أولادهم من بعدهم . إن الحاجة هي إلى إصلاح ، إصلاح عميق وعلى نطاق وسيع ، إن الآباء لفي حاجة إلى إصلاح ، وكذلك الخدام ، إنهم يحتاجون إلى وجود الله في بيوتهم ، فإذا أرادوا أن يروا تحسنا ، عليهم أن يدخلوا كلمة الله في عائلاتهم ويجعلوها مشيرا لهم . ويعلموا أولادهم أنها صوت الله موجّها إليهم ، وينبغي أن يطاع طاعة كاملة ، وعليهم أن يعلموا أولادهم بكل صبر ، وبترفق وبدون ملل ، كيف يعيشون لإرضاء الله . إن مثل هؤلاء الأولاد يكونون مستعدين لمجابهة سفسطة الإلحاد ، لقد قبلوا كتاب الله أساسا لإيمانهم ، وهو أساس لا يمكن أن تكتسحه كل سيول الإلحاد المهاجمة . AA 120.2
إن الصلاة مهملة في غالبية العائلات ، فالآباء يحسون أن لا وقت لديهم لممارسة الصلاة الصباحية والمسائية ، إنهم لا يستطيعون توفير دقائق قليلة يقضونها في شكر الله على مراحمه الجزيلة - على نور الشمس والأمطار التي تنمي الأغراس ، ولأجل حراسة الملائكة الأبرار لهم ولذويهم ، لا وقت لديهم لطلب معونة الله وإرشاده ولأجل حلول يسوع في بيوتهم . إنهم يخرجون إلى أعمالهم كما يخرج الثور أو الحصان دون أن يفكروا في الله أو في السماء ، إن لهم نفوسا غالية حتى أن ابن الله لكي لا يتركهم يهلكون بلا رجاء بذل حياته فدية عنهم ، ولكنهم لا يقدرون صلاحه العظيم أكثر مما تفعل البهائم التي تباد . AA 120.3
وكما فعل الآباء قديما ، فعلى كل من يعترفون بمحبتهم لله أن يقيموا مذبحا للرب أينما ينصبون خيامهم ، إن كان هنالك وقت وجب فيه أن يكون كل بيت بيت صلاة فهو هذا الوقت . فعلى الآباء والأمهات أن يواظبوا على رفع قلوبهم إلى الله في ابتهال وتذلل لأجل أنفسهم وأولادهم ، ليقدم الأب ، بوصفه كاهن البيت ، ذبيحة الصباح وذبيحة المساء ، كما على الزوجة والأولاد أن يشتركوا في الصلاة والتسبيح ، مثل هذا البيت يشتهي المسيح السكنى فيه . AA 120.4
ينبغي أن يشع نور مقدس من كل بيت مسيحي ، وينبغي أن تظهـر المحبة في العمل . وتمتزج بكل المعاملات البيتية ، مظهرة نفسها في الرفق المفكر المتزن . وفي اللطف الرفيق المنكر لنفسه ، هذا المبدأ ينفذ في بعض البيوت ، وهي بيوت يعبد أهلها الله ، وتملك فيها المحبة الحقيقية ، ومن هذه البيوت تصعد الصلوات الصباحية والمسائية كالبخور العطر ، فتنزل المراحم والبركات على المصلين مثل ندى الصباح . AA 121.1
إن البيت المسيحي المنظم حسنا هو حجة قوية لصدق وفاعلية الديانة المسيحية - حجة لا يستطيع الملحدون أن يكذبوها أو يناقضوها ، والجميع يستطيعون أن يروا أن هنالك قوة تعمل في العائلة وتؤثر في الأولاد ، وأن إله إبراهيم معهم ، لو كانت بيوت المدعوين مسيحيين تتبع مثالا ونموذجا صحيحا لكانت لها قوة عظيمة للخير ، ولكان أهلها يصبحون حقا ( نور العالم ) (متى 5 : 14) . إن إله السماء يخاطب كل الآباء الأمناء بهذه الكلمات الموجهة إلى إبراهيم قائلا : ( لأنّي عرفته لكي يوصي بنيه وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الله ، ليعملوا برّا وعدلا ، لكي يأتي الله لإبراهيم بما تكلّم به ) . AA 121.2
* * * * *