خدمة الشفاء
٣ - مع الطبيعة ومع الله
كانت حياة المخلص على الأرض حياة شركة مع الطبيعة ومع الله. وفي هذه الشركة وهذا الحديث كشف لنا عن عمر حياة القوة. KS 25.1
کان يسوع غيوراً مجداً دائباً في عمله. ولم يسبق لأحد عاش بين الناس أن أثقل كاهله بمثل تلك المسؤوليات . ولم يحمل شخص أخر مثل ذلك العبء الثقيل ، عبء أحزان العالم وخطيته. ولم يقدح إنسان آخر بمثل تلك الغيرة التي أكلته لأجل خير الناس . ومع ذلك فقد كانت حياته حياة الصحة الجيدة . فمن الناحية الجسدية كما من الناحية الروحية كان يُرمز إليه بحمل الذبيحة الذي «بلا عيب ولا دنس» (1 بطرس 1 : ١٩). ففي جسده كما في نفسه كان نموذجا لما قصد الله أن تكون عليه البشرية جمعاء عن طريق إطاعة نواميسه. KS 25.2
إذ نظر الناس إلى يسوع رأوا وجها امتزجت فيه الرحمة الإلهية بالقوة التي كان يحس بها. وقد بدأ محاطا بجو حياة روحية. ففي حين كان في عاداته محتشماً ولطيفا فقد أثر على الناس بشعور من القوة المخبزة ، والتي مع ذلك لم يمكن إخفاؤها تماما. KS 25.3
وفي أثناء خدمته كان يطارده دائماً أعداؤه الماكرون المراءون الذين كانوا يطلبون نفسه. فكان الجواسيس يتعقبون، يراقبون أقواله لعلهم يتصيدون من فمه حجة لإدانته. وأعظم العقول القوية الجبارة المثقفة تثقيفا عالياً في كل الأمة حاولت أن تهزمه في الجدل ، ولكنهم لم ينالوا منه قط منالا ولا غلبوه، فكان عليهم أن ينسحبوا من الميدان مرتبكين و مجالين بالعار من أمام المعلم الجليلي المتواضع . لقد كانت تعاليم المسيح عذوبة و نضارة وقوة لم يكن للناس عهد بها من قبل. وحتى أعداؤه أجبروا أن يعترفوا قائلين: «لم يتكلم قط إنسان هكذا مثل هذا الإنسان» (يوحنا7:46). KS 25.4
إن طفولة يسوع التي قضاها بين أحضان الفقر لم تفسدها العادات الكاذبة لذلك العصر الفاسد . فإذ كان يعمل في حانوت النجار متحملا أعباء الحياة البينية ويتعلم دروس الطاعة والكدح ، وجد لنفسه تسلية و انتعاشا في وسط مشاهد الطبيعة، وكان يقتبس المعرفة وهو يحاول فهم أسرار الطبيعة. وقد درس كلمة الله، وكان أسعد ساعاته هي تلك التي أتيح له فيها أن ينسحب من مشاهد العمل اليومي، لينطلق إلى الحقول ليتأمل في الوديان الهادئة، ويتحدث مع الله على سفح الجبل او في وسط أشجار الغابة. وكثيراً ما كان يُرى في ساعات الصباح الباكرة في مكان منعزل متأملاً ومفتشاً الكتب أو مصلياً. وكان يستقبل نور الصباح بصوت التسبيح. أغاني الحمد كان يملأ ساعات العمل بالبهجة والفرح، وكان يأتي بفرح السماء إلى من قد انهکهام العمل والى خاثري القلوب. KS 25.5
إن يسوع، في أثناء خدمته، كان يحيا حياة خلوية إلى حد كبير. كان يسافر على قدميه من مكان إلى آخر. وجانب كبير من تعاليمه نطق به في الخلاء. وعندما كان يعلم تلاميذه كثيراً ما كان ينسحب بعيدا عن ضجيج المدينة وصخبها إلى الحقول الهادئة لكونها متوافقة مع دروس البساطة والإيمان وإنكار الذات التي كان يرغب في أن يعلمهم إياها. فتحت ظلال الأشجار المنتشرة على سفوح الجبال التي على مسافة قريبة من بحر الجليل دعا الاثنا عشر ليكونوا رسلا، وهناك القيت الموعظة على الجبل. KS 26.1
لقد أحب المسيح أن يجمع الشعب حوله تحت القبة الزرقاء، على سفح تل مكسو بالعشب أو على الشاطئ بجانب البحيرة. ففي هذه الأماكن وهو محاط الأعمال التي خلقها أمكنه أن يحول أنظارهم عن الأشياء الصناعية إلى الطبيعية. وفي نمو الطبيعة وارتقائها أعلنت مبادئ ملكوته. وعندما يرفع الناس عيونهم إلى تلال الله ويرون عجائب يديه كان يمكنهم أن يتعلموادروساً ثمينة عن الحق الإلهي. وفي الأيام المستقبلة كانت دروس المعلم الإلهي تتكرر هكذا أمامهم بواسطة مشاهد الطبيعة، فيرتفع العقل ويتسامى ويجد القلب راحة. KS 26.2
إن التلاميذ الذين كانوا مصاحبين يسوع في عمله كثيراً ما كان يطلقها إلى حين حتى يمكنهم أن يزوروا بيوتهم و يستريحوا. ولكن عبثا حاولوا أن يبعدوه عن دائرة عمله وخدمته. كان طوال اليوم يخدم الجموع التي كانت تأتي إليه، وعند المساء أو في الصباح الباكر كان ينطلق إلى مقدس الجبال ليتحدث مع أبيه ويكون في شركة معه. KS 26.3
وفي أحيان كثيرة كانت خدماته المتواصلة وصراعه مع عداوة المعلمين وتعاليمهم الكاذبة تضنيه وتتعبه جدا بحيث أن أمه وإخوته وحتى تلاميذه باتوا يخشون لئلا يضحي بحياته. ولكن عندما كان يعود من ساعات الصلاة التي كان يختتم بها أعمال اليوم الشاقة كانوا يلاحظون علي وجهه نظرة السلام ، والنضارة والحياة والقوة التي كانت تُرى منتشرة في كل كيانه. كان يخرج من الساعات التي كان يقضيها منفرداً مع الله، من صباح إلى صباح ليأتي بنور السماء إلى الناس. KS 26.4