التربيـــة

57/60

التّعَاون

في أمر تكوين الاخلاق لا توجد قوة اعظم في تأثيرها من البیت . فعمل المعلم یجب أن یکمل عمل الوالدین ولکن یجب الا یستغنی به عن عمل البیت . وفی کل ما یتعلق بسعادة الطفل يجب أن يسعى الوالدون والمعلمون الى التعاون معا Tr 332.1

وعمل التعاون يجب أن يبدأ فيه الاب والام بنفسيهما في الحياة البيتية . ففى تربية أولادهما عليهما مسؤولية مشتركة ويجب أن يسعيا دائما الى العمل معا . فليسلما حياتهما الله طالبين منه العون لیعضد احدهما الآخر . ولیعلما اولادهما ان یکونوا امناء الله و امناء للمبدإ الصالح وهكذا یکونون أمناء لانفسهم ولکل من یحتکون بهم . فبمثل هذه التربية عندما يرسل الاولاد الى المدرسة لن يكونوا سبب ازعاج او جزع . وسیكونون معضدین لمعلمیهم و قدوة وتشجيعا لزملائهم التلاميذ Tr 332.2

والوالدون الذين يقدمون لاولادهم هذه التربية ليسوا هم الذين ينتقدون المدرس . فهم يحسون ان اهتمامهم بأولادهم والانصاف للمدرسة يتطلبان انهم ، بقدر الامكان يساندون ذاك الذي یشارکهم فی حمل مسؤولیتهم ويكرمونه Tr 333.1

أن كثيرين من الوالدين يخفقون في هذا الامر . فبسبب انتقادهم الطائش الذی لا أساس له كثیرا ما یکاد تأثر المعلم الامین المضحی یضیع . وکثيرون من الوالدین الذین قد تلفت اخلاق اولادهم بسبب تسامحهم يتركون للمعلم عملا مكروها الا وهو أصلاح أهمالهم ، ثم بتصرفهم يجعلون عمله یكاد یكون میئوسا منه . ثم ان انتقادهم وذمهم لإدارة المدرسة يشجعان أولادهم على العصيان والتمرد ويجعلانهم يصرون على التمسك بعاداتهم الخاطئة Tr 333.2

وأن كان الانتقاد او تقديم المقترحات من ناحية عمل المعلم بصير امرا لازما فيجب عمل ذلك سرا . فان اتضح ان هذا عدیم الجدوی فلیرفع الامر الی المسؤولین عن ادارة المدرسة . ينبغي عدم عمل شيء او قول شيء من شأنه ان يضعف من احترام الاولاد لذاك الذي تتوقف عليه سعادتهم الى حد کبیر Tr 333.3

أن معرفة الوالدين الوثيقة لاخلاق أولادهم وخصائصهم البدنية او أمراضهم لو أعلموا المعلم بها لكان ذلك مما یساعده . و مما يؤسف اله ان کثیرین جدا لا يعرفون هذا . فمعظم الوالدين لا يبدون الا اهتماما قليلا من ناحية معرفتهم لمؤهلات المعلم أو للتعاون معه في عمله وحیث ان الوالدین قلما یتعرفون بالمعلم ، فانه من المهم جداَ أن يسعى المعلم من جانبه للتعرف بالوالدين . علیه ان یزور بیوت تلامیذه ویتعرف علی المؤثرات والبیئة التي يعيشون فيها . فاذ يصير بنفسه على اتصال بیوتهم و حیاتهم فقد یقوي الاواصر التي تربط بینه و بین تلاميذه وقد يعرف كيف يتعامل مع طباعهم وأمزجتهم المختلفة ويعالجها بنجاح Tr 333.4

أن المعلم أذ يبدي اهتمامه بالتربية البيتية فهو يقدم فائدة مضاعفة . فكثيرون من الوالدين اذ يكونون مشغولين فی عملهم و همهم تغیب عن عیونهم الغرص التي یمکنهم فیها أن يؤثروا في حياة اولادهم للخير. والمعلم يستطيع ان يفعل الكثير في ايقاظ هؤلاء الآباء للاضطلاع بامكانياتهم وامتیازاتهم . وسیجد آخرین ممن یعتبر احساسهم بالسؤولیه عبئا ثقیلا علیهم ، وهم مشتاقون جدا لان يصير أولادهم ، رجالا ونساء ، ، صالحين ونافعين . وكثيرا ما يستطيع المعلم ان يساعد هؤلاء الوالدين في النهوض بعبـَّهم ، واذ يتشاور المعلم والوالدون معا فانهم سیتشجعون ویتشددون Tr 334.1

وفي تربية الشباب في البيت يعتبر مبدأ التعاون ثمينا جدا . ان الاطفال یجب ارشادھم منذ الصغر لیحسوا بانهم یكونون جزءا من شرکة البیت . وحتی الصغار یجب تربیتهم علی الاشتراك فی العمل الیومی ویجب ان نجعلهم يحسون بان مساعدتهم مطلوبة ولها قيمتها . ويجب أن يكون الاولاد الاكبر سنا مساعدين لوالديهم اذ يطلعون على خططهم ویشارکونهم فی مسؤولیاتهم واعبائهم . لیقض الوالدون والامهات وقتا فی تعلیم اولادهم ، ولیبرهنوا لهم علی انهم یقـَّدرون مساعدتهم ویشتاقون الى ثقتهم . ويستمتعون بزمالتهم ، وحينئذ فلن يتباطأ الاولاد في الاستجابة . وفضلا عن تخفيف عبء الوالدين وکون الاولاد یحصلون علی تدریب عملی لا یمكن تقدیره قان ربط البيت ستتوثق ونفس اسس الخلق تتعمق Tr 334.2

ويجب ان يكون التعاون هو روح المدرسة وقانون حياتها . فالمعلم الذي يظفر بتعاون تلاميذه يحصل على مساعدة لا تقـَّدر في حفظ النظام . وفي الخدمة في الفصل المدرسي كثيرا ما يحدث أن الصبي الذي يدفعه تبرمه وعدم هدوئه الی التشویش والتمرد قد یجد متنفسا لنشاطه الزائد عن الحاجة . فلیساعد الكبیر الصغیر والقوی الضعیف ، و بقدر الامکان لیُطلب من کل واحد ان یعمل شيئا يكون متفوقا فيه . هذا يشجع عزة النفس والرغبة في أن يكون الولد نافعا Tr 335.1

وانه لمما يساعد الشباب والوالدين والمعلمين كونهم یدرسون درس التعاون کما هو مشروح فی الکتاب المقدس. فبين مثله الكثيرة لاحظوا بناء الخيمة ـ ذلك المثل الذى يرمز الى بناء الخلق ـــ الذي اشترك فيه الشعب كله : ” کل من انهضه قلبه وکل من سمّحته روحه ” ( خروج 5 ۳ : ۲۱) . ثم أقرا کیف أعيد بناء سور أورشليم بأيدي المسببين العائدين من سبيهم ، في وسط الفقر والشدة والخطر ، وقد تم ذلك العمل العظيم بنجاح لانه : ” كان للشعب قلب فی العمل ” ( نحمیا ٦:٤) . ثم لاحظ الدور الذي قام به التلاميذ في معجزة أشباع المخلص للجموع ، أن الطعام کثر وتضاعف فی یدی المسیح ، ولکن التلامیذ تناولوا الارغفة وقدموها للجمع المنتظر Tr 335.2

” لاننا بعضنا أعضاء البعض ) کل واحد ” بحسب ما أخذ موهبة يخدم بها بعضكم بعضا كوكلاء صالحين علی نعمة الله المتنوعة ” (أفسس 4 : 5 ۲ : ۱ بطرس 4 : 10 ) Tr 336.1

ویحسن ان الکلام الذي کتب عن بناة الاصنام قدیما ينطبق لأسمى غاية كشعار لبناة الاخلاق اليوم : Tr 336.2

« کل واحد یساعد صاحبه و یقول لاخیه تشدد » ( اشعیاء 41: 6 ) Tr 336.3