التربيـــة
التسُلية البريَئة أو الريَاضَة
( الترويح عـن النفس )
وجد فرق بين التسلية واللهــو . فالتسلية أو الرياضة متى كانت أمينة لاسمها الذى هو التجديد أو الخلق من جديد ، تعمل على التقوية والبناء والتعمير. فاذ تنتحي بنا جانبا بعيدا عن مشاغلنا العادية وأعمالنا تقدم انتعاشا للعقل والجسم وهكذا تقدرنا على العودة بنشاط جديد الى عمل الحياة الجدي . أما اللهو من الناحية الأخرى فالناس يطلبونه لاجل اللذة وفي الغالب كثيرا ما ينتهي الى الافراط ، وهو يلتهم القوى التيي يحتاج أليها لاجل العمل النافع .. وهكذا يتبرهن انه معطل لنجاح الحياة الحقيقي . Tr 243.1
ان الجسم كله يطلب منه ان يعمل . وما لم تحفظ قوى الجسم في حالة الصحة بواسطة التمرين الناشط فقوی العقل - لا یمکن ان تظل عاملة وقتا طویلا فی اسمی امکانیاتها. ان خمول الجسم الذي یبدو انه امر لا مفر منه فی غرف التدریس ۔ بالاضافة الی حالات أخري غیر صحیة تجعل المدرسة مکانا شاقا للاطفال وعلی الخصوص من کان منهم ضعیفا فی ترکیبه الجسمانی. وفى أحيان كثيرة لا تكون التهوية كافية . والمقاعد غير المريحة تشجع الاولاد علی ان یکونوا فی أوضاع غیر طبیعیة و هکذا یتقید عمل الرئتين والقلب . فهنا يلتزم الاطفال الصغار بأن يقضوا من ثلاث الى خمس ساعات يوميا يستنشقون الهواء الملوث وربما یکون محملا بجراثیم المرض ۔ فلا غرابة ان كان اساس المرض الذي يدوم مدى الحياة كثيرا ما يوضع في حجرة الدراسة . والمخ الذي هو أدق كل أعضاء الجسم والذي منه يقتبس النشاط العصبي في كل الجسم يقاسي اعظم ضرر . فاذ يرغم علی القیام بنشاط۔ سابق للأوان او مفرط وهذا في ظروف غير صحية فهو يضعف ، وغالبا ما تكون النتائج الوبيلة دائمة وراسخة Tr 243.2
ينبغي أن لا يظل الاطفال محبوسين طويلا في داخل الصفوف، ينبغی ان لا یطلب منھم ان یکفوا عن الدرس بکل مشقه قبلما یوضع اساس سلیم للنمو الجسمانی . ففي السنوات الثماني او العشر الاولى من حياة الطفل یکون الحقل أو البستان ھو أفضل مدرسة وتکون الام أفضل معلمة ، والطبيعة أفضل كتاب مدرسي . وحتى بعدما يشب ويصير قادرا على الذهاب الى المدرسة فان صحته یجب اعتبارها أهم کتيرا من علوم الکتب . فیجب ان يحاط بالظروف الأعظم موافقة لنمو الجسم والعقل والطفل ليس هو الوحيد المعرض لخطر عدم وجود هواء او تمرینات ففي المدارس العليا کما في المدارس الصغرى يلاحظ أن هذه الامور اللازمة لاجل الصحة لا تزال مهمله اهمالا فاضحا . فکثیرا ما یری طالب جالسا يوم بعد يوم فى غرفة مقفلة أو ضيقة منحنيا على كتبه وصدره منقبض حتى ما يستطيع أن يتنفس نفسا كاملا عمیقا ، ودمه يجري فی عروقه متکا سلا و قدماه باردتان ورأسه حار .فلأن الجسم لا يتغذى الغذاء الكافى فالعضلات تضعف والجسم كله يصيبه الوهن والأمراض وكثيرا ما يصير أمثال هؤلاء الطلبة سقماء مدى الحياة . کان یمکنهم ان یخرجوا من المدرسة و قد زادوا صحة فی الجسم كما في العقل لو أنهم واصلوا دراستهم في ظروف حينة بالتمرين بانتظام فى نور الشمس والهواء الطلق Tr 244.1
أن الطالب الذي يكافح للحصول على التربية مع قصر وقته وضآلة موارده علیه ان یعرف ان الوقت الذي یقضی في التمرينات البدنية لا يذهب ضياعا . فالذي ينكب على كتبه باستمرار سيجد بعد زمن أن العقل قد فقد نضارته . والذين يهتمون اهتماما لائقا بنمو الجسم سيتقدمون في مواد العلم اکثر مما لو کرسوا کل الوقت للدرس Tr 245.1
ان العقل اذ یتتبع فکرا واحدا بنوع خاص کثیرا ما يفقد اتزانه . ولکن کل مقدرة یمکن تدریبها بلا خوف اذ۱ کانت قوی العقل و الجسم تعمل بجهاد متساو و اذا تنوعت مواضیع التفکر Tr 245.2
ان تكاسل الجسم عن العمل لا یقلل قوی العقل وحدها بل ايضا القوة الادبية . ان اعصاب الدماغ التي تتصل بالجسم كله هي الوسيلة التي بواسطتها تتصل السماء بالانسان وتتحدث أليه وتؤثر في عمق اعماق النفس والحياة . فأي شيء يعطل سريان التيار الكهربائي في الجهاز العصبي وهكذا يضعف القوى الحيوية ويقلل من الحساسية العقلية يجعل من الصعب ايقاظ الطبيعة الادبيـة Tr 245.3
زد على ذلك فان أدمان الدرس اذ يزيد من جريان الدم الی المخ یخلق اهتیاجا سقیما یؤول الی التقلیل من قوة ضبط النفس وفي أغلب الاحيان يعطي السيادة للنزعات او الشذوذ . وهكذا يفتح الباب للنجاسة . ان سوء استخدام او عدم استخدام قوی الجسم هو المسؤول الاول عن تیار الفساد التفشی في العالم . ان « الكبرياء والشبع من الخبز وسلام الاطمئنان » هي الأعداء المميتة للانسان ونجاحه وتقدمه اليوم وفي هذا العصر كما حينما ادت الی انقلاب سدوم و خرابها ( حزقیال ۱6 : 4۹ ) Tr 246.1
فيجب على المعلمين ان يفهموا هذه الامور وأن يعلموا تلاميذهم هذه الحقائق . علموا الطلبة ان العيشة المستقيمة تتوقف على التفكير السليم زأن النشاط الجسمانى لاجل طهارة الفكر Tr 246.2
أن المشكلة التي كثيرا ما تحير المعلمين هي مشكلة التسلية المناسبة لتلاميذهم : ان التمرينات الرياضية تشغل حيزا نافعا فى كثير من المدارس ، ولكن بدون رقابة حريصة تمارس بإفراط . وفي الملعب الرياضي وجد أن کثیرین من الشباب بواسطة براعتهم التی حاولوا اظهارها اوقعوا بأنفسهم اذى دام مدى الحياة Tr 246.3
أن التمرن في اي ملعب ریاضی مهما ادیر ادارة حسنة لا يمكن ان يملأ فراغ التمرن في الهواء الطلق ، ولأجل هذا یجب ان تدبر مدارسنا فرصة افضل يجب على التلاميذ ان يمارسوا التمرين الناشط . ان قليلا من المساوئ یجب أن یخشی خطرها اکثر من البلادة والطیاشة ۰ ومع ذلك فان اتجاه معظم العاب الرياضة هو موضوع التفکر الجزع لمن قد وضعوا على قلوبهم خير الشباب . ان المعلمين ينزعجون عندما يفكرون في تأثير هذه الرياضة على تقدم الطالب في المدرسة ونجاحه في الحياة المستقبلة . ان الألعاب التي تستغرق جانبا كبيرا من وقته تضرف العقل عن الدرس . انها لا تساعد على أعداد الشباب للشغل العملي الجدي في الحياة . ان تأثيرها لا يؤول الى التهذيب او الكرم او الرجولة الحقبة Tr 247.1
ان بعضا من أشهر الملاهي ككرة القدم والملاكمة أمست مدارس للوحشية ... انھا تکون نفسں الصفات والخصائصں التي كانت للالعاب في روما قديما. فحب السيادة والتفاخر بالقوة الوحشية واحتقار الحياة في طياشة تسلط على الشباب قوة مفسدة للأخلاق ومخيفة Tr 247.2
و توجد العاب ریاضیه أخري وهی وان تکن لیست متوحشة فهي مكروهة بسبب الإفراط في ممارستها. فهي تثير حب الملذات والاهتیاج وهكذا تربى كراهية العمل النافيع والنفور منه والميل الى نبذ الواجبات العملية والمسؤوليات . وهي تميل الى تدمير التلذذ بحقائق الحياة الرصينة وتمتعاتها الساكنة . وهكذا يفتح الباب للإسراف والعصيان بنتائجها المرعبة Tr 247.3
أن حفلات الانس كما تدار عادة هي من معطلات النمو الحقيقي ان في العقل او في الخلق . ان جماعات المستهترين وعادات الاسراف وطلب الملذات وفي أغلب الاحيان الجماعة المنغمسة في الملذات والشهوات تتكون وهي توجه کل الحیاة للشر . ولکن بدلا من أساليب اللهو هذه يمكن للوالدين والمعلمين ان يعملوا الكثير لتوفير تسليات صحية محيية Tr 248.1
ففي هذا وفي كل ما له دخل في سعادتنا يرشدنا الوحي الى الطريق . ففي العصور السالفة عندما كان الناس تحت الرشاد الله المباشر كانت الحياة بسيطة . فقد عاشوا قريبين من قلب الطبيعة وقد شارك الاولاد والديهم في العمل ودرسوا الوان الجمال واسرار خزانة الطبيعة . وفي هدوء الحقل والغابة تأملوا في تلك الحقائق العظيمة المسلمة كوديعة مقدسة من جيل لجيل - مثل هذه التربية انتجت رجالا اقوياء Tr 248.2
وفي هذا العصر صارت الحياة مصطنعة وكاذبة و قد انحط الناس. ومع اننا لا نستطيع أن تعود عودة كاملة الى العادات البسيطة التي اصطلح الناسں عليها فى تلك العصور الخوالى فاننا نستطيع أن نتعلم منهم درساً تجعل أوقات تسليتنا خليقة بالاسم الذي أطلق عليها ــ اوقات بناء و تدعیم الجسم والعقل والنفس Tr 248.3
ان بيئة البیت والمدرسة لها دخل کبیر فى مشکلة التسلية . ففى اختيار بيت أو موقع مدرسة يجب التفكير فى هذه الامور .فاللذين يعتبرون سلامة العقل والجسم أهم من المال أو مطاليب المجتمع وعاداته يجب أن يبحثوا لأولادهم عن منفعة تعليم ” الطبيعة والتسلية في وسط بیئتها . فلو امکن ان تکون کل مدرسة فی موقع وسط بحیث یعمل التلامیذ فی الارض کما یسهل علیهم الوصول الى الحقول والغابات لكان ذلك يصير عونا كبيرا في العمل التربوي Tr 249.1
وفي أنواع التسلية للطالب يمكن الوصول الى أفضل النتائج بواسطة تعاون المدرس الشخصي ان المعلم الأمين يستطيع أن يقدم لتلاميذه هدايا قليلة ولكن اثمن هدية هي هدية مصاحبته لهم . انه حق بالنسبة الى الرجال والنساء وبالاحرى بالنسبة للشباب والأطفال اننا نستطيع ان نفهمهم عن طريق الاحتكاك بعم عن طريق العطف ، ونحن بحاجة الی التفاهم حتی یمکن ان نقدم نفعا فعالان . ولکی يتقوى رباط التعاطف بين المدرس والطالب فافعل الوسائل هي المصاحبة البهيجة بينهما خارج غرفة الدرس. فى بعض المدارس يكون المعلم مع التلاميذ دائما فى ساعات تسليتهم . انه يشترك معهم في مزاولة أعمالهم ويصبحهم فى نزها تهم ورحلاتهم ويبدو انه قدجعل نفسه کواحد منهم . حبذا لو عمم هذا العمل في كل مدارسنا . ان التضحية المطلوبة من المدرس قد تكون عظيمة ولكنه سيحصد الجزاء الوفير Tr 249.2
ولا توجد تسلية مساعدة للتلاميذ وحدهم ، ولكنها يمكن أن تكون بركة عظيمة للأولاد والشباب إذا جعلتهم يساعدون الآخرين . أن الشباب اذ هم بطبيعتهم متحمسون ویسهل التأثير علیهم فهم سرعان ما یستجیبون لاي اقتراح . ففی التدبیر التهذیب وزرع النباتات لیحاول المدرس أن یوقظ فی نفوس الطلبة اهتماما بتجمیل بیئة المدرسة وغرفة الدرس - وستكون النتيجة منفعة مزدوجة. فما يحاول التلاميذ ان يجملوه لن يرغبوا في افساده أو تشویهه . وسيشجع الاولاد علی ان یکون ذوقهم مهذبا وعلی حب النظام والحرص ، واذ تتربی فی نفوس الاولاد روح الشرکة والتعاون فانها ستکون برکة لهم مدی العمر Tr 250.1
وهکذا ایضا یمکن ان یبدل اهتمام جدید لعمل الحديقة او الرحلة الى حقل او غابة اذ يشجع ذلك الاولاد على ان يذكروا أولئك المحرومين من هذه الأماكن الجميلة ويجعلوهم يشركونهم معهم في التمتع باشياء الطبيعة الجميلة Tr 250.2
والمعلم اليقظ سيجد فرصا كثيرة لتوجيه التلاميذ الى اعمال المعونة. ان الاطفال الصغار علی الخصوصں يولون معلمهم أعظم ثقة واحترام . فأي شيء يقترحه من ناحية المساعدة في عمل البيت او الأمانة في الواجبات اليومية او خدمة المرضى والفقراء لا بد أن تؤتى ثمارها. وهكذا یمکن الحصول علی ربح مزدوج مرة اخری . واقتراح عمل الر فق والاشفاق لا بد ان یکون له رد فعل علی من اقتراحه . وان الشكر والتعاون من جانب الآباء سیخفف من عبء المدرس وینیر الطریق امامه Tr 250.3
ان الالتفات الى التسلية والتربية البدنية لا شك انه أحيانا يتعارض مع الروتين الرتيب في العمل المدرسي . ولكن ھذا التعارض لن یکون معطلا حقیقیا . ففی تنشیط انعقل والجسم فان تربیه روح الایثار وارتباط الطالب بالمعلم برباط المصلحة المشتركة والعشرة الحبية فان انفاق الوقت والجھد سيكافئ بمئة ضعف . وسیتوفر متنفّس مبارك لذلك النشاط الذي لا يستقر والذي غالبا ما يكون مصدر خطر للشباب . ان شغل العقل بالخير والصلاح کحارس له من الشر هو افضل بكثیر من حواجز القانون والنظام التي لا تحصی Tr 251.1