التربيـــة
دِرَاسَة الفيسّيولوجيَا
حيث ان العقل والنفس يجدان تعبيرا عن طريق الجسم فكلا النشاط العقلي والروحي يعتمدان على قوة الجسم ونشاطه بدرجة كبيرة ، فأي شيء يرقي وينجح صحة الجسم يزيد من نضوج العقل القوي والخلق المتزن. بدون الصحة لا يستطيع انسان ان يفهم فهما واضحا أو ان ینجز انجازا کاملا التزاماته, لنفسه او لبنی جنسه أو نحو خالقه . ولذلك يجب المحافظة على الصحة بكل أمانة کالخلقی . وان معرفة الفیسیولوجیا وحفظ الصفحة یجب ان تکون اساس کل مجهود تربوي Tr 229.1
ولکن مع ان حقائق۔ الفیسیولوجیا: مفھومة الآن لدی الجميع فان هنالك إهمالا مخيفا مـن ناحية مبادئ الصحة . وحتى بين من لهم معرفة بهذه المبادىء لا يوجد غير القليلين الذين يمارسونها عمليا . فالناس يتبعون الميل أو النزعات بعمی و جهل کما لو ان الحیاة تتحکم قیها مجرد الصدفة وليس قوانين محددة لا تتغير Tr 229.2
أن الشباب في نضارة الحياة ونشاطها قلما يعرفون قیمة نشاطهم المتکاثر . فالکنز اللي هو اغلی من الذهب وجوهري لاجل النجاح والتقدم من العلم والمقام والغنى ـ کیف ينظر إليه باحتقار و استخفاف ۰ و بأي طیاشة يبعثر ! ما اکثر ما یضحی الناس بالصحة فی کفاحهم سعیا وراء الغنی أو السلطان ، وعند ما یکاد يصل الفرد الی الهدف الذی يشتهيه یسقط عاجزا ، فق حین ان انسانا آخر يملك صحة وجلدا فائقا قد فاز بالجمالة التي كان يتوق إليها ! ما اکثر الناس الذین بسبب ظروف المرض الذى جاء نتيجة إهمال قوانين الصحة انساقوا إلى أعمال شريرة مضحين بكل ما جاء لهذه الحياة والحياة الأخرى ! Tr 230.1
وفي دراسة الفيسيولوجيا يجب أرشاد التلاميذ لرؤية قیمة القوة البدنیة و کیف یمکن حفظها و إنماؤها بحیث تساهم أعظم واسمي مساهمة في احراز النجاح في معركة الحياة العظيمة Tr 230.2
ويجب تعليم الأطفال منذ الصغر دروسا سهلة بسيطة عن مبادیء الفیسیولوجیا و علم الصحة . ولتبدأ الام بهذا العمل في البيت ويجب متابعته بكل أمانة في المدرسة . واذ يتقدم التلامیذ فی العمر یجب الاستمرار: فی تعلیم هذه المادة حتی یصر وا مؤهلین العنایة بالبیت اللي يعيشون فيه . ويجب عليهم أن يدركوا أهمية التحفظ من المرض بالحافظة علی نشاط کل عضو . کما یجب تعلیمهم کیف يعالجون الأمراض العادية ، والإصابات التي تنجم عن الحوادث . فعلى كل مدرسة ان تقدم للطلبة إرشادات في الفیسیولوجیا و علم الصحة، و بقدر المستطاع یجب أمدادها واستخدام الجسم والعناية به Tr 230.3
توجد بعض المسائل غير متضمنة عادة في درس الفیسیولوجیا وینبغی ملاحظتها - أمور أعظم قیمة للطالب من كثير من الاصطلاحات الفنية التي يتعلمونها عادة في هذه المادة • ويجب أن يتعلم الشباب أن نوامیس الطبيعة هى نواميس الله لبد أساسي الکل تربیه فی هذه المواد ـ وإنها حقا صادرة من الله كالوصايا العشر . ان الله قد۔ کتب علی كل الأعصاب والعضلات والألياف التي في الجسم الشرائع والقوانین التی یجب ان تحکم ترکیب أجسامنا . فکل انتهاك لهذه القوانين بسبب الإهمال أو العناد هو خطية نرتكبها ضد خالقنا Tr 231.1
اذاً فكم هو لازم ان تقدم معرفة كاملة لهذه القوانين ! فمبادئ علم الصحة المنطبقة على الطعام والتمرينات البدنية ورعاية الأطفال ومعالجة المرضى وكثير من أمثال هذه الامور یجب ان يكر س لها اهتمام اکثر مما تظفر به عادة Tr 231.2
یجب تاکید تأثير العقل علی الجسم و كذلك تأثير الجسم على العقل . ان القوة الكهربائية التي في المخ التي تتقوى وتتحسن بواسطة القوة العقلية تحيى الجهاز كله وهى مساعد ثمين فى مقاومة المرض فيجب أن يصير هذا واضحا . ان قوة الإرادة وأهمية ضبط النفس في حفظ الصحة وفي استردادها وتأثير ضغط الغضب المدمر والضجر والأنانية أو النجاسة ، ومن الناحية الأخرى القوة العجیبة الحییة التی توجد فی الفرح والإيثار و الشکر ، يجب تبيانها Tr 231.3
یوجد حق فسيولوجي - حق نحن بحاجه الی التأمل فيه ـ في الكتاب : ” القلب الفرحان يطيب الجسم ” ( أمثال 17 : 22 ) Tr 232.1
يقول الله : ” ليحفظ قلبك وصاياي - فإنها تزيدك طول أيام وسني حياة وسلامة ” ( هي حياة للذين يجدونها ودواء لکل الجسد ) . والكتاب يقول : ” الكلام الحسن شهد عسل حلو للنفس و شفاء للعظام ” ( أمثال ۳ : ۱ و 2 : 4 ، 22 ، 16 : 24 ) Tr 232.2
أن الشباب یحتاجون الی ان یدر کوا الحق العمیق الموجود في الحقيقة الكتابية القائلة ان عند الله ” ينبوع الحياة ” ( مزمور ٢٦ : ٩ ) . فليس هو فقط الموجد لكل شيء ولكنه ايضا حياة لكل الإحياء . فحياته هي التي نتناولها في إشراق الشمس وفي الهواء النقي المبلبل وفي الطعام الذي يبني أجسامنا ويسند قوتنا . فبحياته نحن توجد ساعة بعد ساعة ولحظة بعد أخرى . ان كل هباته تؤول الى الحياة والصحة والفرح لولا ان الخطية قد أفسادتها Tr 232.3
« صنع الکل حسنا فی و قته » ( جامعة ۳ : ۱۱ ) . والجمال او الحسن الحقيقي يتحقق لا في إفساد وإتلاف عمل الله بل في التجاوب والتوافق مع شرائع ذاك الذي خلق کل الاشیاء والذی يجد سروره و لذته قی جمالها و کمالها Tr 233.1
وعند دراسة الترکیب المیکانیکی لجسم یجب توجیه الالتفات الى المطابقة العجيبة بين الوسائل والغايات والعمل المتناسق و اعتماد الأعضاء المختلفة . فاذ يوقظ اهتمام الطالب هكذا ويقوده ذلك الى ان يرى أهمية التهذيب البدني فان المعلم يستطيع ان يعمل الکثیر لضمان النمو الصحيح السليم والعادات الصالحة Tr 233.2
ومن بين أول الامور التي يجب أن نهدف إليها ، الوضع السليم فی الجلوس والوقوف ، لقد خلق اللہ الإنسان مستقیما وهو يريده ان یکون حائزا لا علی المنفعة الجسمانية وحسب بل على المنفعة العقلية والأدبية والجمال والعظمة ورباطة الجأش والشجاعة والاعتماد على النفس التي تساعد عليها هيئة الانتصاب إلى حد كبير . ليقدم المعلم إرشادات عن هذا الأمر بالقدوة والوصية . بينوا لهم ما هي الهيئة السليمة وأصروا على التمسك بها Tr 233.3
ويلي الهيئة السليمة والانتصاب في الأهمية التنفس و تهذيب الصوت . ان من يجلس ويقف منتصبا هو الذي یتنفس تنفسا سلیما اکثر من غیره . ولکن علی العلم ان يقنع تلاميذه بأهمية التنفس العميق . بينوا لهم العمل الصحي لأعضاء التنفس وانه يساعد الدورة الدموية وينشط الجسم کله ویثیر الشهیة ویصلح الهضم ویساعد علی النوم الهادئ اللذیذ ، و هکذا ففضلا عن کونه ینعش الجسم فهو ایضا يهدئ ویسکن العقل . وعند ما تبینون لهم أهمية التنفس العمیق یجب الإصرار علی ممارسته . فلتعط تمرینات ریاضیة تساعد علی هذا ، و انظروا، ان هذه العادة قد تمکنت منهم . Tr 233.4
أن تهذيب الصوت له مكانة مهمة في التربية البدنية اذ من شأنه أن يوسع الرئتين ويقويهما ويبعد المرض . فلکي نضمن ألإلقاء الصحیح فى القراءة والخطابة اهتموا بان یکون لأعضاء البطن المجال الکامل فی التنفسیں وان أعضاء التنفس غیر مضغوط علیها ۰ ليقع الاجهاد علی عضلات البطن لا على عضلات الزور . وبهده الكيفية يمكن منع الإعياء الشديد، والمرض الخطير الذي يصيب الزور والرئتين . ويجب الالتفات والحرص على ضمان النطق الواضح بنغمات ناعمة رخيصة وان يكون الإلقاء على مهل . فهذا فضلا عن کونه یحسن الصحة فأنه یزید . اکثرا من موافقة وملاءمة وجدارة عمل الطالب Tr 234.1
وفي تعليم هذه الامور تقدم فرصة ذهبية لتبصير الطلبة بجهالة وشر شد الحزام بقوة وكل عمل آخر من شأنه أن يقيد العمل الحيوي . ان عددا یکاد لا یحصی من الأمراض يأتي نتيجة الطرق غير الصحية في اللبس فيجب تقديم إرشادات مهمة حريصة من هذه الناحية . اقنعوا التلاميذ بخطر السماح للثیاب بان تثقل الأرداف اذ تضغط۔ علی ای عضو من أعضاء الجسم . فیجیب تنظیم اللبس بحیث یعطی المجال للتنفس بکل حرية ویمکن رفع الفراعین فوق الرأس بدون صعوبة . ان أعاقة الرئتين فضلا عن كونها تمنع نموهما فهي تعطل عمليتي الهضم ودورة الدم وهكذا تضعف الجسم كله . كل أمثال هذه الأعمال الضعف القوى الجسمانية والعقلية ، وهكذا تعطل تقدم الطالب وكثيرا ما تحول بينه وبين النجاح Tr 234.2
وفي دراسة علم الصحة ينتهز المعلم الغيور كل فرصة لتبيان لزوم النظافة في العادات الشخصية وفي كل البيئة التي يعيش فيها الانسان . ويجب التشديد على قيمة الاستحمام کل یوم فی تحسین الصحة و تنشیط قوی العقل . ويجب توجيه الالتفات ايضا الى نور الشمس والتهوية والقوانين الصحية في غرفة النوم والمطبخ . علموا التلاميذ ان غرفة النوم الصحية والمطبخ النظيف نظافة كاملة والمائدة المنسقة بذوق سليم والمزودة بأطعمة صحية سیکون لها اثر عظیم فی ضمان سعادة العائلة و تقدیر کل زائر عاقل أكثر من الأثاثات الغالية الثمن في غرفة الاستقبال . ان حقيقة كون ” الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس ” (لوقا ۱۲ : ۲۳ ) هی درس لسنا الآن اقل حاجة أليه مما عندما علم به المعلم الالهي منذ أكثر من تسعة عشر قرنا Tr 235.1
و یجب علی طالب الفیسیولوجیا ان یتعلم ان غایة دراسته لیست مجرد اکتساب معرفه الحقائق والمبادئ . فهذا وحده قليل النفع - فقد يفهم أهمية التهوية وقد تکون غرفته مزودة بالهواء النقی ، ولکن ما لم یملأ رئتیه تماما بالهواء فسيقاسى الكثير من جراء التنفس الناقص. و هکذا یمکن فهم لزوم النظافة ویمکن تدبیر المساعدات اللازمة ولكن ذلك كله بلا جدوى ما لم يستعمل . ان المطلب العظيم في تعليم هذه المبادىء هو أقناع التلميذ بأهميتها بحیث يمارسها بکل أمانه Tr 235.2
أن كلمة الله ترینا بواسطة أجمل رمز مؤثر التقدير الذي يظهره نحو تركيب الجسم والمسؤولية التي تقع علينا لحفظه في أفضل حالة . إذ يقول الرسول : « ام لستم تعلمون ان جسدکم هو هیکل للروح القدس الذي فیکم الذي لکم من الله . و انکم لستم لأنفسکم » « ان کان احد یفسد هیکل الله فسيفسده الله لان هیکل الله مقدس الذي انتم هو» ( ۱ کورنثوسی 6 : ۱۹ ؛ ۳ : ۱۷ ) Tr 236.1
فلتنطبع على عقول التلاميذ فكرة كون الجسد هو هیکل يشتهي الله السکنی فیه وانه ینبغی حفظه طاهرا تسکنه ألافکار السامیة والنبيلة ۰ فکما فی درس الفیسیولوجیا یرون أنهم حقا قد امتازوا «عجبا » ( مزمور ۱۳۹ : ۱ ) فسیلهمون بالوقار . وبدلا من تشویه عمل یدي الله فسیطمعون فی عمل کل ما یمکنهم عمله لاجل انجاز تدبير الخالق العجيب المجيد . وهكذا يعتبرون الطاعة لقوانين الصحة لا كمسألة تضحية او إنكار ذات بل كما هي في حقيقتها امتياز وبركة لا يمكن تقديرهما Tr 236.2