ينصح للكنيسة
يهشوع والملاك
لو أمكن أن يزاح الستار الذي يفصل بين المنظور والعالم فير المنظور, ويرى شعب الله الصراع العظيم القائم بين المسيح والملائكة الأطهار من جهة, والشيطان ووجنده الأشرار من جهة أخرى بخصوص فداء الإنسان, لو استطاعوا أن يفهموا عمل الله العجيب لإنقاذ النفوس من عبودية الخطية وعمل قوته الدائم لأجل حمايتهم من خبث ابليس, لأصبحوا أحسن استعدادا لمقاومة مكايد الشيطان, ولشمل الوقار عقولهم نظرا لوفرة اتساع وأهمية تدبير الفداء وعظمة العمل أمامهم كعاملين مع المسيح, ولكانوا اتضعوا, ومع ذلك تشجعوا, عالمين أن السماء كلها مهتمة بأمر خلاصهم. CCA 716.1
لنا في نبوة زكريا إيضاح على جانب عظيم من القوة والتأثير في النفس عن عمل الشيطان وعمل المسيح وقوة وسيطنا على قهر المشتكي على شعبه. هذا النبي يرى, في رؤيا مقدسة, يهوشع رئيس الكهنة ” لابسا ثيابا قذرة “ وواقفا قدام ملاك الرب يتوسل إلى الله ليرحم شعبه الذين هم في مذلة عظيمة, والشيطان قائم عن يمينه ليقاومه. ويعجز رئيس الكهنة أن يدفع عن نفسه وعن شعبه تهم الشيطان, ولا يدعي أن اسرائيل بلا عيب, بل انه, بمثابة القذرة التي ترمز إلى خطايا الشعب والتي يحملها هو كممثلهم, يقف أمام الملاك, معترفا بذنبهم, ومشيرا مع ذلك إلى توبتهم واتضاعهم, متكلا على رحمة فاد غافر للإثم. وبإيمان يطلب تحقيق مواعيد الله. CCA 716.2
ثم إن الملاك الذي هو المسيح نفسه, فادي الخطاة, يسكت المشتكي على شعبه قائلا : ” لينتهرك الرب يا شيطان. لينتهرك الرب الذي اختار أورشليم. أفليس هذا شعلة منتشلة من النار “ ( زكريا 3 : 2 ). CCA 717.1
إذ تقبل شفاعة يهوشع, يصدر الأمر : ” انزعوا عنه الثياب القذرة “ ثم يقول الملاك ليهوشع : ” انظر. قد اذهب عنك اثمك وألبسك ثيابا مزخرفة ... فوضعوا على رأسه العمامة الطاهرة وألبسوه ثيابا “ ( زكريا 3 : 4 و 5 ). وهكذا غفرت خطاياه شعبه. لقد ألبس إسرائيل ” ثيابا مزخرفة “ أي أن بر المسيح قد حسب لهم . CCA 717.2
وكما اشتكى الشيطان على يهوشع وشعبه هكذا هو في كل الأجيال يشتكي على الذين يطلبون رحمة الله ورضاه. وقد دعي في سفر الرؤيا ” المشتكي على اخوتنا الذي ... يشتكي عليهم أمام الهنا نهارا وليلا “ ( رؤيا 12 : 10 ). ويتكرر الصراع حول كل إنسان ينقذ من سلطة إبليس ويسجل اسمه في سفر حياة الخروف. ليس أحد, إطلاقا, ينتقل من عائلة ابليس إلى عائلة الله من غير مقاومةمهتاجة مصممة يثيرها الشرير. إن شكاوى الشيطان على الذين يطلبون الرب ليس الدافع إليها الكدر من خطاياهم, إنه يعتز بصفاتهم النفقصة, ولا يقدر أن يقوى عليهم إلا بتعديهم شريعة الله, لكن عداءه للمسيح هو باعثه الوحيد على تقديم تلك الشكاوى, إن المسيح, بواسطة تدبير الفداء, يحطم قبضة الشيطان الممسكة بالأسرة البشرية وينجي النفوس من سلطانه. كل ما برئيس العصاة من بغض وخبث يثار حين يرى دلائل تفوق المسيح وسموه عليه, وبقوة ومكر جهنميين يعمل ليغتصب منه البقية الباقية من الناس الذين قبلوا خلاصه. CCA 717.3
وهو يقود الناس إلى الشك في الدين, دافعا إياهم إلى أن يفقدوا اتكالهم على الله ويعزلوا عن محبته, ويغريهم بتعدي شريعته, ثم يدعيهم اسارى له, ويحمل على حق المسيح في أخذهم منه. إنه يعلم أن الذين بحرارة يطلبون من الله العفو والنعمة سينالونهما, وهو لذلك يعرض خطاياهم أمامهم لتثبيط عزمهم. إنه على الدوام يتحين الفرص ليقاوم الذين يسعون في طاعة الله, ويحاول أن يجعل حتى أفضل خدماتهم المستحسنة تظهر لهم فاسدة. وبمكايد لا حصر لها, بأخبثها وأقساها, يسعى لضمان ادانتهم. CCA 718.1
أما الإنسان فلا يقدر أن يدفع هذه التعم عن نفسه, بل في ثيابه الملطخة بالخطية, يقف أمام الله معترفا باثمه. غير أن يسوع شفيعنا يقدم التماسا فعالا من أجل جميع الذين , بالتوبة والإيمان, قد وكلوا إليه حفظ نفوسهم, فهو يدافع عنهم ويهزم المشتكي عليهم بحجج جلجثة القوية. إن طاعته الكاملة لناموس الله حتى الموت, موت الصليب قد آتته القوة في السماء وفي الأرض فهو يطالب الآب بالرحمة والمصالحة لأجل الإنسان المذنب. ويقول للمشتكي على شعبه : ” لينهرك الرب يا شيطان . هؤلاء اشتريتهم بدمي, شعله منتشلة من النار “. فالذبن يتوكلون عليه بإيمان, لكل منهم الوعد الأكيد المعزي : ” انظر. قد اذهبت عنك اثمك وألبسك ثيابا مزخرفة “. CCA 718.2
جميع الذين لبسوا ثوب بر المسيح سيقفون أمامه كمختارين وأمناء وصادقين. ولا يقوى الشيطان على انتزاعهم من يد المسيح الذي لا يسمح للشيطان بأن يبسط سلطانه على أي إنسان يحتمي به في توبة وإيمان. إنه رهينة قوله : ” أو يتمسك بحصني فيصنع صلحا معي. صلحا يصنع معي “ ( اشعياء 27 : 5 ). والوعد المقطوع ليهوشع هو للكل : ” ان حفظت شعائري ... أعطيك مسالك بين هؤلاء الواقفين “ ( زكريا 3 : 7 ). ملائكة الله يسيرون حولهم من كل جانب, حتى في هذا العالم, وسيقفون أخيرا بين الملائكة الذين يحيطون بعرش الله. CCA 719.1
إن إظهار المدعوين أولاد الله ممثلين بكونهم واقفين أمام الرب بثياب قذرة ينبغي أن يقود جميع الذين يدعون أنفسهم مسيحيين إلى التواضع وفحص القلب فحصا عميقا. والذين هم بالفعل يعملون على تطهير نفوسهم بإطاعتهم الحق سينظرون إلى ذواتهم نظرة متواضعة جدا. وكلما إزدادوا تأملا في صفات المسيح الطاهرة إزدادوا اشتياقا إلى التشبه بصورته وقل ما يرونه من طهارة وقداسة في ذواتهم. ولكن بينما ينبغي لنا أن ندرك حالتنا الخاطئة يجب أن نتكل على المسيح بصفة كونه برنا وقداستنا وفداءنا. لسنا نقدر على دفع تهم الشيطان عنا. إذ ليس سوى المسيح بمستطيع ان يقدم التماسا فعالا من أجلنا. أنه قادر على أن يسكت المشتكي بحجج قائمة لا على استحقاقاتنا نحن بل على استحقاقاته هو. CCA 719.2