ينصح للكنيسة

262/303

خطة الشيطان ان يعمل من الطبيعة إلها

كثيرون إذ يطيلون التأمل في قوانين المادة ونواميس الطبيعة تغيب عن بصرهم ( قوة الله مباشرة ), بل ربما أنكروا قوته المستديمة المباشرة. والناس يتناقلون الفكرة أن الطبيعة تعمل مستقلة عن الله, إذ لها في ذاتها ومن ذاتها غاياتها الخاصة وقواها التي تعمل بها. إن في عقولهم تمييزا واضحا بين الطبيعي وما وهو فوق الطبيعة. أما الطبيعي فينسبونه إلى أسباب عادية, لا صلة لها بقوة الله. وأما القوة الحيوية فيعزونها إلى المادة, ويجعلون من الطبيعة إلها. يفترضون أن المادة وضعت في علاقات معينة وتركت لتعمل بقوانين ثابتة لا يقدر الله نفسه على التدخل فيها, وإن الطبيعة منحت خصائص معينة وأخضعت لقوانين طبيعية, فالأمر لذلك متروك لها لتطيع هذه القوانين وتنجز العمل المفروض أصلا. CCA 643.3

ذلك هو العلم الزائف, وليس في كلمة الله ما يؤيده. إن الله لا يلغي شرائعه, بل هو يعمل بإستمرار بواسطتها مستخدما إياها كآلاته. إن نواميس الله الطبيعية لا تعمل من تلقاء ذاتها, بل أن الله يعمل على الدوام في الطبيعة, فهي خادمة يوجهها كما يشاء. والطبيعة, في عملها تشهد لوجود قوة عاقلة عاملة لكائن يدير أعماله كلها حسب مشيئته. ليس أن الأرض, بقوة أصلية ملازمة للطبيعة, تجود بخيراتها سنة بعد سنة وتواصل دورانها حول الشمس. ان يد القوة السرمدية تعمل على الدوام قائدة هذا الكوكب السيار, وأن قوة الله التي يستعملها كل لحظة هي التي تحفظها في وضعها بمدارها. CCA 644.1

إن تركيب الجسم البشري ليس بالإمكان فهمه تماما, إذ فيه من الأسرار ما يحي أذكى الناس. إن كون العِرق ينبض والنفس يتبع النفس ليس نتيجة لفعل القوة الدافعة التي إذا سُيرت واصلت عملها, إننا بالله نحيا ونتحرك ونوجد. كل نَفس, وكل خفقة قلب هما دليل دائم على قوة إله دائم الوجود. CCA 644.2

إن أصحاب أعظم العقول من الناس يعجزون عن فهم أسرار الله المعلنة في الطبيعة, فالوحي الإلهي يطرح أسئلة كثيرة لا يقدر أشهر أرباب العلم على الإجابة عنها. هذه الأسئلة لم تطرح لكي نجيب عنها, بل لتوجه إلتفاتنا إلى أسرار الله العميقة, وتعلمنا أن حكمتنا محدودة, وأن في الأشياء التي تكتنفنا في حياتنا اليومية أمورا كثيرة هي فوق إدراك عقولنا القاصرة, وإن أحكام الله ومقاصده بعيدة عن الإستقصاء. CCA 644.3

إن التثقيف الذي بديء به هنا لا يكمل به في هذه الحياة, بل سيستمر خلال الأبدية, متقدما أبدا, وغير مكمل إطلاقا. إن أعمال الله العجيبة, ودلائل قوته العجائبية في خلق العالم وسد حاجاته, ستتكشف للعقل يوما فيوما عن جمال جديد. وفي المور المشرق من العرش ستختفي الأسرار, وستمتليء النفس دهشة من بساطة الأمور التي لم تفهم من قبل إطلاقا. CCA 645.1