الصبا و الشباب

425/512

الإستجمام و لعب التسلية

يحتاج المتفرغون للدرس إلى الاستجمام، و يجب ألا ينصرف العقل إلى التفكّر الملح المتصل، لأن الجهاز الفكري الدقيق قد يعتريه البلى. و الجسم يحتاج، شأن العقل، إلى الرياضة، على أن تكون ألعاب التسلية التي يمارسها الشاب غاية في الاعتدال، كما في أي مسعى آخر، و أن ينظر في طابع هذه الألعاب بدقة و عناية، و يسأل نفسه: أي أثر سيكون لهذه الألعاب في صحتي الجسمية و طاقتي الفكرية و قوتي الأدبية؟ هل يستغرق فيها فكري استغراقاً أنسى معه الله؟ هل تحجب عني مجد الله؟ SM 398.2

أما لعب الورق فيجب منعه، فالمعاشرات و الدوافع التي ترافقه خطرة... إذ ليس في هذه التسلية ما يفيد النفس أو الجسم، أو يقوي الذاكرة أو ما يمكن إدخاره من الخواطر أو الصور الذهنية النافعة للرجوع إليه مستقبلاً، بل يدور الحديث فيها حول مواضيع تافهة محطة... SM 398.3

إن البراعة في لعب الورق غالباً ما تقود المرء إلى الرغبة في تسحير هذا الحذق و المهارة لكسب منافع شخصية، فيجازف، أول ما يجازف بمبلغ زهيد، يتبعه بمبلغ أكبر، ثم لا يلبث أن يستعر فيه ظمأ إلى المقامرة التي لا تلبث أن تورده موارد الهلكة و الدمار، و ما أكثر ما قادت هذه التسلية المضرة عشاقها إلى كل لون من ألوان الممارسات الأثيمة و إلى الفقر و السجن و القتل و المشنقة، و مع كل ذلك فإن الكثيرين من الوالدين لا يقدرون أن يروا هوة الدمار السحيقة الفاغرة فاها لابتلاع شبيبتنا. SM 399.1

إن دور اللهو هي من أشد المباءات خطراً، التي بدلاً من أن تكون مدرسة للفضيلة و الآداب أمست مرتعاً لفساد الأخلاق. و ما تقدمه من لهو إنما يعمل على تقوية و ترسيخ العادات الفاسدة و النزعات الأثيمة. و إن ما هنالك من أغان منحطة و حركات جسمية داعرة و تعبيرات و مواقف فاجرة إنما يفسد الخيال و يحط الأخلاق. و كل شاب يعتاد هذه الأماكن بالزيارة لا بد من أن يمسي فاسد المبدأ. إن ما للهو المسرحي من أثر بليغ من حيث تسميم المخيلة، و محو الإنطباعات الدينية، و إفساد الرغبة في المسرات البريئة و واقع الحياة الرصين، لا يفوقه أي تأثير آخر في بلادنا. SM 399.2

و كما تشحذ جرعة المسكر القابلية لجرعة أخرى، هكذا يعمل ارتياد هذه الأماكن على ازدياد التعلق بها. و السبيل السليم الأوحد هو الابتعاد عن دور التمثيل “والسيرك” و ما إلى ذلك من أماكن اللهو المشبوهة. SM 400.1

هناك أشكال من الرياضة و ترويح النفس ذات فائدة كبرى للجسم و العقل كليهما. فذو العقل المستنير الفطن لا يعدم أن يجد أشكالاً و أساليب من التسلية و اللهو من مصادر ليست بريئة فحسب بل أيضاً بناءة مجدية. إن ترويح النفس في الهواء الطلق و التأمل في بدائع أعمال الله في الطبيعة يعودان على النفس بأسمى النفع — (4 ه : 651 — 653). SM 400.2