مشتهى الأجيال

89/684

فحص عمل المعمدان

لم يستطع السنهدريم أن يؤخر فحص عمل يوحنا ، فقد كان بعض رجاله يذكرون الرؤيا التى كان زكريا قد رآها في الهيكل ، والنبوة التي تنبأ بها عن أن ابنه سيكون بشيرا بمجيء مسيا. ولكن في غمرة الأحداث والتطورات التي حدثت مدة ثلاين عاما غابت هذه الأمور عن الأذهان إلى حد كبير . أما الآن فقد عادت إلى الأذهان بسبب الإثارة التي أحدثتها كرازة يوحنا. ML 113.1

كان قد انقطع ظهور الأنبياء في إسرائيل منذ عهد بعيد ، ومنذ عهد بعيد أيضاً لم ير مثل ذلك الإصلاح الذي بدأ ينتشر ، فكانت الدعوة إلى التوبة والاعتراف بالخطية أمرا جديدا ومفزعا لكثيرين. لذا رفض كثيرون من قادة الشعب الذهاب لسماع وعظ يوحنا وتشهيره بالخطية لئلا يضطروا لفضح أسرارهم وخطاياهم أمامه ، إلاّ أن كرازته كانت إعلانا صريحا بظهور مسيا . لقد كان معروفا تماما أن السبعين أسبوعا المذكورة في نبوة دانيال التي تتناول مجيء مسيا كانت موشكة على الانتهاء ، وكان الجميع يتوقون إلى أن يكون لهم نصيب في مجد أمتهم الذي كان الجميع ينتظرونه . وهكذا كانت الحماسة عامة وعظيمة جدا حتى أن رجال السنهدريم كانوا مضطرين إما إلى المصادقة على عمل يوحنا أو رفضه . فبدأ سلطانهم على الشعب يتضاءل . والسؤال الخطير الذي كان يواجههم هو كيف يحتفظون بنفوذهم وسلطانهم . وإذ كانوا يريدون الوصول إلى نتيحة ما ، أرسلوا إلى الأردن وفدا من الكهنة واللاويين للتفاوض مع هذا المعلم الجديد. ML 113.2

كان جمهور كبير من الشعب مجتمعين يصغون إلى وعظ يوحنا ، وإذا بمبعوثي مجمع اليهود يقتربون منه. وبمحاولة إظهار السلطة التي كان القصد منها التأثير في الشعب وجعل النبى يبدي لهم الاحترام اللائق ، اقترب أولئك المعلمون وبحركة بدا فيها احترام يكاد يصل إلى درجة الخوف أفسح الشعب لهم طريقا ليصلوا إلى يوحنا ، فوقف أولئك الرجال العظام في ثيابهم الفاخرة وفي كبرياء المقام والسلطان أمام نبي البرية ، ثم سألوه قائلين: “من أنت؟” (يوحنا 1 : 19). وإذ كان يوحنا يعرف أفكارهم أجابهم قائلاً: “لست أنا المسيح” (يوحنا 1 : 20). ثم عادوا يسألونه: “إيليا أنت؟” فقال: “لست أنا” ، “النبي أنت؟” فأجاب: “لا” فقالوا له: “من أنت ، لنعطي جواباً للذين أرسلونا؟” فقال: “أنا صوت صارخ في البرية: قوّموا طريق الرب، كما قال إشعياء النبي” (يوحنا 1 : 21 — 23). ML 113.3

إن النبوة التي أشار اليها يوحنا هي تلك النبوة الجميلة التي نطق بها إشعياء حين قال: “عزّوا، عزّوا شعبي، يقول إلهكم. طيّبوا قلب أورشليم ونادوها بأن جهادها قد كمل، أن إثمها قد عُفي عنه ... صوت صارخ في البرية: “أعدّوا طريق الرب. قوّموا في القفر سبيلاً لإلهنا. كل وطاء يرتفع، وكل جبل وأكمة ينخفض، ويصير المعوج مستقيماً، والعراقيب سهلاً. فيعلن مجد الرب ويراه كل بشر جميعاً، لأن فم الرب تكلّك ” (إشعياء 40 : 1 — 5). ML 114.1