مشتهى الأجيال

630/684

هجمات شيطانية

وعندما جاء يسوع إلى العالم عبأ الشيطان كل قواته لمحاربته . فمنذ ظهر كطفل في بيت لحم حاول ذلك المغتصب إهلاكه ، وبكل وسيلة ممكنة حاول أن يمنع يسوع من النمو إلى الطفولة الكاملة والرجولة التي بلا لوم أو القيام بالخدمة المقدسة والذبيحة التي بلا عيب . ولكنه انهزم إذ لم يستطع أن يسوق يسوع إلى ارتكاب الخطية ، ولا أمكنه أن يضعف عزمه أو يثنيه عن العمل الذي جاء إلى العالم ليعمله . ولقد هبت عليه عواصف غضب الشيطان من البرية إلى جلجثة ، ولكن على قدر ما زادت تلك العواصف قسوة زاد تعلق ابن الله بيد الآب ثباتا فصار متقدما في الطريق المخضب بالدم . وكل محاولات الشيطان لمضايقته والانتصار عليه أظهرت صفاته التي بلا عيب في نور أنقى وأكمل. ML 721.3

كانت كل السماء والعوالم غير الساقطة شهوداً لذلك الصراع . فبأي اهتمام عظيم وعميق تتبعوا المشاهد الختامية لذلك الصراع ! لقد رأوا المخلص داخلا إلى بستان جثسيماني ونفسه منحنية من هول الظلمة الداجية . وقد سمعوا صرخته المرة حين قال: “يا أبتاه، إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس” (متى 26 : 39). وعندما احتجب عنه وجه الآب رأوه وإذا هو يتألم من حزن أشد مرارة من مرارة صراعه الأخير العظيم مع الموت. لقد نضح من جسمه عرق كقطرات دم نازلة على الأرض ، وثلاث مرات اغتصبت من بين شفتيه صلاة في طلب النجاة . وإذ ذاك لم تستطع السماء أن تحتمل ذلك المنظر فأرسل إلى ابن الله رسولا يعزيه. ML 721.4

رأت السماء الضحية تسلم إلى أيدي الرعاع المجرمين الذين كانوا يدفعون المخلص دفعا سريعا من محكمة إلى أخرى وهو يشيع بالسخرية والظلم والعنف ، وسمعت تهكمات مضطهديه على اتضاع مولده ، وسمعت أيضا واحدا من تلاميذه ينكره وهو يحلف ويلعن، ورأت التحريضات المجنونة التي كان الشيطان يحرض بها الناس ، وقوته التي كان بها يلهب خبثهم وغضبهم- يا له من منظر مخيف !- أن يقبض على المخلص في منتصف الليل في جثسيماني ويسحب هنا وهناك من قصر إلى دار قضاء ، ويستدعى للمحاكمة مرتين أمام الكهنة ومرتين أمام السنهدريم ومرتين أمام بيلاطس ومرة أمام هيرودس ، ويستهزأ به ويجلد ويحكم عليه ، ويؤخذ ليصلب حاملا صليبه الثقيل في وسط عويل بنات أورشليم وتهكمات الرعاع. ML 722.1

لقد رأت السماء المسيح معلقا على الصليب فشملها الذهول والحزن حين رأت الدم يقطر من وجهه والعرق المصبوغ بالدم يتجمع على جبينه ، والدم ينزف من يديه ورجليه وينزل قطرة بعد قطرة على الصخور التي نقرت فيها نقرة ليوضع فيها الصليب. ثم إن ثقل جسمه الذي ضغط على يديه ورجليه جعل ثقوب المسامير تنشق وتتسع . وإن أنفاسه المنهوكة زادت سرعة وعمقا عندما كانت نفسه تلهث تحت ثقل خطايا العالم . وقد امتلأ كل سكان السماء دهشة عندما قدم المسيح صلاته وهو يقاسي هول العذاب المرير إذ قال: “يا أبتاه، اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون” (لوقا 23 : 34). ومع ذلك فالناس المخلوقون على صورة الله اتفقوا على سحق ابنه الوحيد . ما كان أرهب هذا المنظر الذي رآه سكان المسكونة السماوية ! ML 722.2

إن رياسات وسلاطين الظلمة كانوا مجتمعين حول الصليب لتلقي ظلمات عدم الإيمان على قلوب بني الإنسان . إن الله عندما خلق هذه الخلائق لتقف أمام عرشه كانت جميلة ومجيدة . وكان جمالهم وقداستهم يتناسبان مع سمو مراكزهم . لقد أغدق الله عليهم من حكمته ومنطقهم بحلة سماوية . وكانوا خدام الرب . ولكن من ذا الذي يستطيع أن يميز في الملائكة الساقطين صورة السرافيم الممجدين الذين كانوا قبلا يخدمون أمام عرش السماء؟ ML 722.3

لقد تحالفت القوات الشيطانية مع الناس الأشرار في تضليل الشعب حتى يعتبروا أن المسيح هو رئيس الخطاة وبذلك يصير هدفا لكراهيتهم واحتقارهم. إن من كانوا يسخرون بالمسيح وهو معلق على الصليب كانت روح العاصي العظيم الأول مطبوعة على قلوبهم .وقد ملأ أفواههم بالألفاظ السافلة البذيئة وأوعز إليهم بالتعييرات. ولكنه لم يجن شيئا من وراء ذلك كله. ML 722.4