مشتهى الأجيال
الحجاب المنشق
وفجأة انقشعت الظلمة عن الصليب . فبصوت واضح كصوت بوق بدا وكأنه يرن في كل أرجاء المسكونة صرخ يسوع قائلا: “قد أكمل”، “يا أبتاه، في يديك أستودع روحي” (يوحنا 19 : 30 ؛ لوقا 23 : 46). وقد أحاط بالصليب نور وأشرق وجه المخلص بمجد عظيم كنور الشمس . حينئذ نكس يسوع رأسه على صدره وأسلم الروح. ML 717.3
إن المسيح إذ كان محاطا بالظلمة المخيفة وكان يبدو وكأن الله قد تركه شرب كأس الويل والألم البشري حتى الثمالة . وفي تلك الساعات المخيفة كان معتمدا على برهان قبول الآب له المعطى له إلى تلك اللحظة . كان خبيرا بصفات أبيه ، وإدراك عدالته ورحمته وحبه العظيم . وبالإيمان استند على الآب الذي كان دائما يسر بطاعته . وإذ استودع نفسه بكل خضوع بين يدي الله فقد زايله الإحساس بفقدان رضى أبيه . لقد انتصر المسيح بالإيمان. ML 717.4
لم يسبق للأرض أن شهدت مثل ذلك المنظر . وقد وقف كل الجمع ذاهلين كالمصعوقين وشخصوا في المخلص بأنفاس لاهثة . ومرة أخرى غطت الظلمة الأرض وسمعت دمدمة كقصف الرعد الثقيل ثم حدثت زلزلة مخيفة عنيفة . واهتز الناس وتمايلوا وسقطوا على بعضهم أكواما فوق أكوام . وتبع ذلك تشويش وحشي ورعب عظيم لا مثيل لهما . وفي الجبال المجاورة تشققت الصخور وتدحرجت إلى السهول بصوت تحطيم شديد . وتفتحت القبور ولفظت موتاها . وبدا وكأن الخليقة كلها ترتجف وتتحطم وتتطاير شظاياها . وانطرح الكهنة والرؤساء والجند والجلادون والشعب على الأرض وقد عقد الرعب ألسنتهم. ML 718.1
عندما صرخ المسيح قائلا: “قد أكمل” كان الكهنة يخدمون في الهيكل . وكان الوقت وقت تقديم الذبيحة المسائية وقد أتي بالحمل الذي يرمز إلى المسيح ليذبح . وإذ كان الكاهن متسربلا بملابسه المقدسة الجميلة وقف شاهرا السكين كما فعل إبراهيم عندما كان مزمعا أن يذبح ابنه . وكان الشعب ينظرون إليه باهتمام عظيم . ولكن هوذا الأرض يرتجف وتتزلزل لأن الرب نفسه يقترب من المكان . وإذا بيد غير منظورة تشق حجاب الهيكل الداخلي من فوق إلى أسفل بصوت تمزيق شديد فينكشف لعيون الشعب المكان الذي كان الله يملأه قبلا بحضوره . في هذا المكان كان يسكن مجد الشكينا . وفي هذا المكان أعلن الله مجده فوق الغطاء (غطاء التابوت) . ولم يرفع أحد قط هذا الحجاب الذي يفصل بين هذا المسكن وبين باقي الهيكل إلا رئيس الكهنة . وكان يدخل إلى قدس الأقداس هذا مرة واحدة في السنة لكي يكفر عن خطايا الشعب . ولكن ها هو الحجاب ينشق إلى اثنين . فما عاد قدس أقداس المسكن الأرضي مقدسا. ML 718.2
لقد سيطر الرعب والتشويش على كل شيء . فالكاهن يوشك أن يذبح الذبيحة ولكن السكين تسقط من يده المضطربة فيهرب الخروف بعيدا . لقد التقى الرمز بالمرموز إليه ML 718.3
بموت ابن الله . لقد قدمت الذبيحة العظيمة وانفتح الطريق إلى قدس الأقداس . وأعد للجميع طريق جديد حي . ولا حاجة للبشرية الخاطئة الحزينة أن تنتظر مجيء رئيس الكهنة فيما بعد . ومنذئذ فصاعدا سيخدم المخلص ككاهن وشفيع في سماء السماوات . وقد بدا وكأن صوتا حيا يخاطب المصلين قائلا: لقد انتهت من الآن كل الذبائح والتقدمات عن الخطية . لقد جاء ابن الله كما قال هأنذا أجيء (في درج الكتاب مكتوب عني) لأفعل مشيئتك يا الله “بدم نفسه، دخل مرة واحدة إلى الأقداس، فوجد فداء أبدياً” (عبرانيين 10 10 : 7 ؛ 9 : 12). ML 719.1