مشتهى الأجيال

617/684

سمعان القيرواني

وإذ خرج يسوع من باب دار ولاية بيلاطس وضع الصليب الذي كان معدا لباراباس على كتفيه الممزقتين الداميتين . وكان هناك اثنان من شركاء باراباس محكوما عليهما بالموت مع يسوع في نفس الوقت ، فوضع على أكتافهما صليبان . وكان صليب المخلص أثقل من أن يستطيع النهوض به وهو في حالة الإعياء والألم . فعند تناول عشاء الفصح مع تلاميذه لم يذق طعاما ولا شرابا . وقد اشتبك في صراع هائل مع قوات الشيطان في بستان جثسيماني فتعذبت نفسه ، كما احتمل آلام التسليم والخيانة ، ورأى تلاميذه يتركونه ويهربون . لقد أخذ من أمام حنان إلى قيافا إلى بيلاطس ، ومن هناك أخذ إلى هيرودس ثم أعيد إلى بيلاطس مرة أخرى . وقد انهالت عليه ألوان من الإهانات والسخرية ، كما تعذب من آلام الجلد مرتين . وطوال تلك الليلة كان يرى مشهد بعد آخر وكانت كلها مما يصعب على النفس احتماله إلى أقصى حد . ولكن المسيح لم يفشل ، فلم ينطق إلا بما يمجد الله . وطيلة ساعات تلك المحاكمة المزيفة المهينة ظل معتصما بثباته وعظمته . ولكن عندما وضع الصليب على منكبيه ليحمله بعدما جلد ثاني مرة لم تستطع طبيعته البشرية أن تحتمل أكثر من ذلك فسقط تحت حمله من الإعياء. ML 703.4

رأى الجمع الذي كان يتبعه خطواته الضعيفة المتعثرة ، ولكنهم لم يبدوا نحوه أي عطف أو رفق ، بل جعلوا يعيرونه وينتهرونه لعجزه عن حمل صليبه الثقيل . ومرة أخرى وضع عليه الصليب ولكنه سقط على الأرض مرة أخرى مغشيا عليه. فرأى ظالموه ومضطهدوه استحالة كونه يتقدم حاملا صليبه إلى أبعد من ذلك . وقد تحيروا في البحث عمن يرضى بحمل ذلك الحمل المذل . فاليهود أنفسهم لم يكونوا يستطيعون ذلك خشية أن يتنجسوا بحمل الصليب فيحرمون من ممارسة الفصح . وحتى الرعاع أنفسهم لم يكن بينهم من يرضى بأن يتنازل لحمل الصليب. ML 704.1

وفي ذلك الوقت التقى بهذا الجمع رجل غريب يدعى سمعان القيرواني كان آتيا من الحقل . فسمع التعييرات البذيئة الصادرة من ذلك الجمع ، وسمعهم وهم يرددون هذا القول بكل ازدراء: أفسحوا الطريق لملك اليهود ! فإذ يقف مندهشا من ذلك المنظر ومعبرا عن إشفاقه يمسكونه ويضعون الصليب على منكبيه. ML 704.2

كان سمعان هذا قد سمع عن يسوع ، وكان ابناه يؤمنان بالمخلص أما هو نفسه فلم يكن تلميذا ، فكان حمله للصليب إلى جلجثة بركة له ، وقد ظل مدى حياته بعد ذلك يشكر الله على هذه العناية ، إذ قادته العناية إلى أن يأخذ على نفسه صليب المسيح بمحض اختياره ويقف دائما فرحا تحت حمله. ML 704.3