مشتهى الأجيال

613/684

يرى فيه شخصا إلهيا

فزع بيلاطس . فهو لم تكن لديه فكرة صحيحة عن المسيح ورسالته ، ولكنه كان يؤمن إيمانا مبهما بالله وبخلائق أسمى من بني الإنسان . وإن فكرة كانت قد مرت قبلا بذهنه بدأت الآن تتخذ لها هيئة معينة ، فجعل يتساءل ما إذا لم يكن ذلك الشخص الماثل أمامه شخصا إلهيا مع إنه يلبس ثوب أرجوان للزراية والسخرية وعلى رأسه إكليل من شوك ML 698.3

عاد إلى ساحة القضاء وسأل يسوع قائلا: “من أين أنت؟” (يوحنا 19 : 9). أما يسوع فلم يعطه جوابا . كان المخلص قد تحدث مع بيلاطس بكل حرية موضحا له رسالته كمن جاء ليشهد للحق ، أما بيلاطس فاحتقر النور . لقد أساء استخدام مركزه السامي كقاضٍ إذ تنحى عن مبادئه وسلطته نزولا على مطاليب الرعاع . ولم يكن لدى يسوع نور آخر يعطيه إياه . فإذ اغتاظ من صمت الفادي قال له بكل غطرسة: ML 698.4

“أما تكلمني؟ ألست تعلم أن لي سلطاناً أن أصلبك وسلطاناً أن أطلقك؟” ML 699.1

“لم يكن لك عليّ سلطان البتة، لو لم تكن قد أعطيت من فوق، لذلك الذي أسلمني إليك له خطية أعظم” (يوحنا 19 : 10 و 11). وهكذا نجد أن المخلص المشفق الرحيم في وسط آلامه وأحزانه المرة عذر بقدر المستطاع لذلك الحاكم الروماني فعلته ، وهو الذي أسلمه ليصلب . فما أعظم هذا من مشهد يمكن تقديمه للعالم مدى العصور ! وما أعظم النور الذي يريقه على صفات ذاك الذي هو ديان كل الأرض ! قال يسوع: “الَّذي أَسلمني إِليك لَه خَطيةٌ أَعظَم”، وكان المسيح بذلك يقصد قيافا الذي ، بصفته رئيسا للكهنة ، كان يمثل الأمة اليهودية . لقد كانوا يعرفون المبادئ التي كانت مسيطرة على السلطات الرومانية . أما هم فقد أعطي لهم النور من النبوات التي شهدت عن المسيح ، ومن تعاليمه ومعجزاته . وقد حصل قضاة اليهود على براهين لا تخطئ على ألوهية ذاك الذي حكموا عليه بالموت ، وقد دينوا بموجب النور المعطى لهم. ML 699.2

إن أعظم جرم وأثقل مسؤولية كانت هي مسؤولية أولئك الذين احتلوا أرفع المناصب في الأمة الذين أودعت بين أيديهم أقدس الودائع التي خانوها وسلموا فيها بكل نذالة . لقد كان بيلاطس وهيرودس وعساكر الرومان يجهلون حقيقة يسوع بالقياس إلى هؤلاء ، وقد فكروا في إرضاء الكهنة والرؤساء بإهانتهم ليسوع ومعاملته بالقسوة . إنهم لم يحصلوا على النور الذي حصلت عليه الأمة اليهودية بكل سخاء . ولو أعطي النور للعسكر لما عاملوا المسيح بمثل تلك القسوة. ML 699.3