مشتهى الأجيال
“تنكرني ثلاث مرات”
بعد الانتهاء من التسبيح خرجوا مخترقين الشوارع المزدحمة وساروا إلى أن خرجوا من باب المدينة إلى جبل الزيتون . ساروا على مهل وكل منهم مشغول بأفكاره . وإذ بدأوا ينزلون الجبل قال يسوع بنغمه تعبر عن أعمق الحزن: “كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة، لأنه مكتوب: أني أضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية” (متى 26 : 31). وقد أصغى التلاميذ إلى كلامه في حزن وذهول . لقد ذكروا كيف أنه عندما تكلم عن نفسه في مجمع كفرناحوم كمن هو خبز الحياة عثر كثيرون وتركوه ومضوا . ولكن الاثني عشر لم يبرهنوا على عدم إيمانهم . وإذ تكلم بطرس بلسان إخوته أعلن ولاءه للمسيح . حينئذ قال المخلص: “أليس أني أنا اخترتكم، الاثني عشر؟ وواحد منكم شيطان!” (يوحنا 6 : 70). وفي العلية قال يسوع إن واحدا من الاثني عشر مزمع أن يسلمه ، وإن بطرس سينكره . أما الآن فكلامه يشملهم جميعا. ML 640.1
والآن فها صوت بطرس يسمع وهو يحتج باشتداد وعنف قائلا: “وإن شك الجميع فأنا لا أشك!” (مرقس 14 : 29). وإذ كانوا في العلية أعلن بطرس قائلا: “إني أضع نفسي عنك!” (يوحنا 13 : 37). كان يسوع قد أنذره أنه في نفس تلك الليلة سينكر مخلصه . والآن فها المسيح يكرر إنذاره قائلا: “الحق الحق أقول لك: إنك اليوم في هذه الليلة، قبل أن يصيح الديك مرتين، تنكرني ثلاث مرات” ولكن بطرس “ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك! وهكذا قال أيضاً الجميع” (مرقس 14 : 30 و 21). فإذ كانوا واثقين بأنفسهم أنكروا التصريح المتكرر الذي نطق به ذاك العليم بكل شيء . لم يكونوا متأهبين للامتحان . فعندما تباغتهم التجربة سيتحققون من ضعفهم. ML 640.2
إن بطرس عندما قال إنه مستعد أن يمضي مع سيده إلى السجن وإلى الموت كان يعني كل كلمة قالها ، ولكنه لم يكن يعرف نفسه ، إذ كانت رابضة في قلبه عناصر الشر التي ستساعد الظروف على إحيائها وظهورها . وما لم يحس بخطره فهذه قد تفضي به إلى الهلاك الأبدي . رأى المخلص الأنانية متمكنة من قلب تلميذه ، واليقين الذي قد يتغلب على حبه للمسيح . وقد ظهر في اختباره كثير من الوهن والضعف والخطية التي لم تكبح وعدم الاكتراث الروحي والطبع غير المقدس والتهور في تعريض نفسه للتجربة ، فكان إنذار المسيح الخطير دعوة لاختبار النفس وفحص القلب . كان بطرس بحاجه إلى أن يشك في نفسه وأن يكون له إيمان أعمق بالمسيح . فلو قبل الإنذار بوداعة لكان يصرخ إلى راعي الخراف ليحفظ خرافه . إنهم إذ كانوا في السفينة في بحر الجليل أوشك (بطرس) على الغرق فصرخ قائلاً: “يا رب، نجّني!” (متى 14 : 30). حينئذ امتدت يد المسيح لإنقاذه . وهكذا لو صرخ هو الآن إلى يسوع قائلا نجني من نفسي ، لكان قد حفظ ، ولكنه أحس أن يسوع يشك فيه واعتبر ذلك قسوة منه . كان قد جرح وصار أشد إصرارا على الثقة بنفسه. ML 640.3
نظر يسوع إلى تلاميذه نظرة إشفاق . إنه لا يمكنه إنقاذهم من التجربة ، ومع ذلك فهو لا يتركهم بلا عزاء . وها هو يؤكد لهم أنه سيحطم قيود القبر وإن محبته لهم لن تخمد . ثم يقول لهم: “بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل” (متى 26 : 32). وقبل إنكارهم له ، يؤكد لهم غفرانه . وبعد موته وقيامته علموا أن خطاياهم قد غفرت وصاروا أعزاء على قلب المسيح. ML 641.1