مشتهى الأجيال
مشاجرة بين التلاميذ
وإذ كان يسوع مجتمعا مع تلاميذه في هذه الليلة الأخيرة كان لديه الشيء الكثير ليقوله لهم . فلو كانوا متأهبين لقبول ما كان يتوق لأن يقوله لهم لكانوا قد نجوا من الحزن الذي يمزق القلب ومن خيبة الأمل وعدم الإيمان . ولكن يسوع رأى أنهم لا يستطيعون احتمال سماع ما كان عليه أن يقوله لهم . فإذ تطلع في وجوههم جمدت على شفتيه كلمات التحذير والتعزية التي هم بأن ينطق بها ، فمرت عليهم لحظات صمت وبدا وكأن يسوع ينتظر ، وكان التلاميذ في حال الملل والسآمة . وقد بدا وكأن العطف والرقة اللذين أثارهما حزن يسوع قد اختفيا وزالا ، ولذلك فإن كلماته الحزينة التي كان يشير بها إلي آلامه لم تحدث فيهم التأثير المطلوب . ثم إن النظرات التي كانوا يحدجون بها بعضهم البعض نمت عن وجود الحسد والمنازعات والخصومات في قلوبهم. ML 612.2
“وكانت بينهم مشاجرة من منهم يظن أنه أكبر” (لوقا 22 : 24). فهذه المشاجرة التي نشبت في حضور المسيح أحزنت قلبه وجرحته جرحا عميقا . كان التلاميذ متعلقين بفكرتهم المحبوبة لديهم من أن المسيح سيثبت سلطانه ويجلس على عرش داود . وكان كل منهم يتوق في قلبه إلي إحراز أسمى مكانة في الملكوت . جعل كل منهم يفاضل بين نفسه وإخوته ، وبدلا من أن يعتبر إخوته أفضل منه وأجدر صار كل منهم يعتبر نفسه الأفضل والأجدر . وإن الطلب الذي كان قد تقدم به يعقوب ويوحنا إلي المسيح في أن يجلس الواحد منهما عن يمينه والآخر عن يساره في عرشه أثار غضب الباقين . وكون ذينك الأخوين يتجاسران لطلب أسمى المناصب لنفسيهما أثار نفوس العشرة عليهما بحيث كاد الأمر يفضي إلي الجفاء والفرقة . فلقد أحسوا بأنه قد أسيء تقديرهم ولم يقدر ولاؤهم ولا مواهبهم التقدير اللائق . وكان يهوذا أشد قسوة على يعقوب ويوحنا من الباقين. ML 612.3
عندما دخل التلاميذ العلية للعشاء كانوا في أشد حالات الاستياء والامتعاض . جلس يهوذا عن يسار المسيح وجلس يوحنا عن يمينه . فإذا كان هنالك مكان يعتبر أسمى الأماكن فقد صمم يهوذا على أن يشغله . وقد ظن أن ذلك المكان هو الواقع بجوار المسيح. وكان يهوذا خائنا . ML 613.1